يمكن اعتبار الفن حالة تغير دائمة، والتغيير فعل ثوري يطمح إلى التطلع نحو الأفضل، لكن يظل الفن حالة تفكيكية للرؤى والظواهر من حوله. فالفن لا يستكين ولا يمكن له ذلك، كونه يحاكي الجمال والحب في الحياة الإنسانية ويركز على محاكاة الضمير والوجدان الإنساني تجاه الآلام والمشكلات البشرية على مختلف أنواعها، ومن هنا يكتسب صفة الوجدانية في التأثير على النفس البشرية.
بعد 2011 بعيداً عن أحوال السياسية؛ استطاع الفن في المنطقة العربية أن يعكس رؤى تلك المرحلة؛ حيث عرف مساره منعطفاً بعد هذه السنة سواء في الموضوعات والقضايا التي تطرح أو الوسيلة المعبر عنها. وهذا ما نلمسه في أعمال الفنان حمزة نمرة الذي قدم فناً راقياً وفي نفس الوقت معبر عن طموحات وقضايا وأحوال الشباب العربي، وكل هذا فقط عن طريق التناغم والانسجام بين النوتة الراقية والكلمة الهادفة في أعماله.
وقد زادت شهرة هذا الفنان الشاب بعد تجربته مع التلفزيون العربي في برنامج "ريميكس" أي -المزج- حيث أعاد إحياء أغان تراثية من مختلف البلدان، بإيقاعات موسيقية خفيفة وعصرية في شكل حفلات حية مع فرق وفنانين مشهورين.
إن القوة التأثيرية في أغاني حمزة نمرة والمعبرة تجعل كل من يسمعها يسعى للسماع المزيد منها.
في عالم الكتابة نجد الكاتب الشاب إسلام كوجاك الذي يحمل في طيات أفكاره المشاكل المتجذرة في الأحوال العاطفية للشباب. وينطلق إسلام كوجاك في كتاباته من مسلمة أساسية هي أن "الكتابة الجيدة مبنية على فرضية بسيطة، تجربتك ليست لك وحدك، إنما هي استعارة لتجارب الجميع". وقد حاول عكس هذه المسلمة في جل أعماله من خواطر ومقالات وروايته "في الليلة الأخيرة بيننا".
فالقارئ لما يخطه حبر هذا الكاتب؛ يستطيع أن يذهب لتلك اللحظة بكل تفاصيلها، بل إن القارئ يجد أنه يقرأ في ذاته، وذلك لأن كوجاك حصن المعاني بكلمات قوية في المعنى والتوصيف، ليس فقط هذا الذي يجعل أعماله تستحق القراءة، بل تعرضه لمختلف الأحوال العاطفية التي يمر بها الشباب.
كما أن الكاتب إسلام كوجاك واكب حركة التجديد في الأدب وثار على التقليد؛ حيث نلمس في روايته "في الليلة الأخيرة بيننا" التخلي عن الديباجة الطويلة والنهايات السعيدة والشخصيات المرتبة ترتيباً منطقياً، والمضي قدماً نحو تضمين الرواية مساراً خيالياً إيحائياً يغوص في فكر وعواطف القارئ ويخلق نوعاً من الرابط غير المباشر في الأفكار بين الكاتب والقارئ. لنجد أنفسنا أمام كاتب شاب جريء يحاول فرض تواجد الشباب في هذا المجال بقوة الكلمة ورؤية هذه الفئة.
السينما كانت أكثر مجال عرف حركية؛ سواء في الإخراج والتمثيل أو حتى في الموضوعات؛ وذلك في محاولة لتسكين لحظة التحول التي عرفتها المنطقة العربية بعد 2011 وتتبع أثرها. الفيلم الوثائقي التونسي "الكلمات الحمراء" لإلياس بكار، هو مقاربة الآني المنبثق من مرحلة مواجهة زين العابدين بن علي ونظامه ومن المرحلة التي تلتها. أيضاً فيلم "نورمال" لمرزاق علواش هذا الفيلم الذي أثار كثيراً من الأسئلة التي دارت في أذهان الشباب العربي أثناء الربيع العربي.
النماذج السابقة ليست إلغاء للآخرين بقدر ما هي مجرد أمثلة أساسية لانعكاس المعنى الثقافي والإنساني والفكري للعلاقة بين الفن والثقافة والواقع. الفنان والمثقف ليس هدفه تقديم حلول للمشكلات التي يعيشها المجتمع وإنما مهمته الحقيقية هي تعرية الأشياء وكشفها، ومن هنا يمكن اعتبار أن الفنان أو المثقف الحقيقي عامل أساسي للحراك الفكري في المجتمعات الإنسانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.