بعد سنين عجاف عاش تبعاتها الليبيون شرقاً وغرباً، وبعد انقسام سياسي دام لسنوات تفاءل الليبيون بعقد مؤتمر "غدامس" الذي كان تقرر موعده في أبريل/نيسان من عام 2019 والذي كان سيكون النواة لإنهاء المرحلة الانتقالية ولملمة شتات الوطن على أسس متينة.
وعلى الرغم من الاستعدادات الكبيرة للمؤتمر فإن هناك طرفاً من أطراف الصراع لم يرد السلام ولا المصالحة بل همه هو الحكم حتى ولو على جثث أبناء ليبيا. ذلك الطرف كان يعد العدة لغزو طرابلس العاصمة بعد أن تحالف مع دول أرادت الشر لليبيا ونهب ثرواتها، واستيقظ أهالي العاصمة في يوم الرابع من أبريل/نيسان من عام 2019 على أصوات المدافع والصواريخ، وبذلك أعلن خليفة حفتر بداية عملية القتل والدمار لتحطيم الآمال وليس عملية الفتح المبين كما زعم متبجحاً.
بعد شهور من المعارك الطاحنة على أسوار العاصمة تمكنت قوات الجيش التابع لحكومة الوفاق الوطني من صده وإجباره على الانسحاب، وتزامن فيها ذلك إعلان المجتمع الدولي وقف إطلاق النار. ثم انطلقت جولات الحوار التي غيَّرت الخارطة السياسية من جديد داخلياً وخارجياً وتوّجت بخلق أجسام سياسية جديدة تمثلت في حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الجديد الذين بدأوا مهامهم بداية هذا العام. على رأس تلك المهام، توفير المناخ المناسب لتنفيذ الاتفاق السياسي والذي نص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 من ديسمبر/كانون الأول من هذا العام.
وبالرغم من عدم وجود معالم للوحدة الوطنية للحكومة الجديدة والتي باتت ضائعة في تحركاتها الداخلية والخارجية، ومع استمرار تواجد حفتر وقواته شرقي البلاد دون أي قيد ومحاسبة تقريباً، فإن الأمل تجدد لدى الليبيين في إجراء انتخابات نزيهة يختارون فيها من يمثلهم ليخرج البلاد من أزمتها التي دامت سنين. ومع تجدد الأمل اختلفت الآراء حول آلية انتخاب الرئيس الليبي القادم والتي يرى البعض ضرورة أن تكون انتخابات مباشرة من الشعب والبعض الآخر يرى أن يختاره البرلمان.
الانتخابات غير المباشرة (البرلمان يختار الرئيس)
مسألة الثقة الشعبية في المجالس المنتخبة تعتبر عائقاً كبيراً، فمنذ التجربة السابقة للبرلمان الليبي الذي انتخب سنة 2014 ورصيد الثقة في انخفاض حتى انعدم تقريباً. وهو ما سيجعل اختيار الرئيس من البرلمان الليبي موضع شك، فالعائق الأكبر اليوم هو مقر البرلمان الرسمي الذي سيكون في مدينة بنغازي وهو ما سيجعل اختيار الرئيس في بيئة غير مناسبة أمنياً والتي قد تؤثر على قرار أعضاء البرلمان وكذلك التحالفات التي ستتكون في أروقته وسهولة التأثير على النواب بأساليب عديدة.
إن القاعدة الدستورية التي سيتم على أساسها الانتخاب مازالت موضع التجهيز، ومازال أعضاء الحوار السياسي الــ75 يمارسون ضغوطاتهم في وضع العراقيل أمامها حتى لا تمرر، فلكل منهم أجنداته التي يريد تمريرها لضمان مصالحه وبقاء متصدري المشهد الليبي اليوم في مناصبهم.
في المقابل، أصبح هناك حراك دولي وإقليمي وحتى محلي لضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في ديسمبر/كانون الأول القادم، وبعد كل هذا فإن الحل الأمثل اليوم في ليبيا في سنوات من الصراع هو التغيير الجذري لكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية لضمان سير العملية الديمقراطية وقطع الطريق أمام كل من يريد حكمها بالسلاح أو المال الفاسد واختيار الشعب من يمثله.
الانتخابات المباشرة
أصوات شعبية كثيرة اليوم تنادي بها؛ حيث لم يحظَ الليبيون بهذه التجربة من قبل وستكون الأولى من نوعها أن يختار الشعب من يمثلهم وأعتقد أن يتم تسليم المسؤولية للشعب وهو أمر مطلوب حتى يتحمل هذه المسؤولية الوطنية، حيث سيترشح كل من يرى نفسه قادراً على أن يمثل ليبيا ويحمل الشرعية من الشعب ويكون ذا صلاحيات موازية مع البرلمان وربما هذا الحل الأمثل اليوم في ظل كل التجارب السابقة التي مرت بها ليبيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.