مع كل حديثٍ عن الحياة الزوجية والإطار الحاكم للعلاقة بين طرفيها -لاسيما من المنظور الذكوري- يتبادر إلى الذهن ذلك النموذج الذي قدمته السينما المصرية عبر إحدى أيقوناتها في ثلاثية "نجيب محفوظ" بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، حيث "سي السيد" والذي يرمز للرجل الشرقي المصري الحازم المتسلط في بيته والغارق في الملذات خارجه، والست "أمينة" المرأة المقهورة المتفانية في خدمة زوجها حتي النخاع والتي لا تأبهُ أن يكون زوجها على هذا القدر من التناقض حيث يكفيها أن يقترن اسمها باسمه، ليظل هذا النموذج مثار جدلٍ وتنازعٍ بين طرفٍ يرى فيه الخلاص وآخر يرى فيه الطمس والإقصاء وثالثٍ يتحدث عن حتمية البديل سي السيد والست أمينة.
بين الماضي والحاضر مع الانفتاح الهائل في أيامنا تلك ومع المياه الكثيرة التي جرت في نهر العلاقة بين الرجل والمرأة، فضلاً عن بزوغ دعاوى كالاستقلالية والتحرر كسلعةٍ رائجةٍ لها روادها ومع اقتحام المرأة لكل مجالات الحياة تقريباً بات من الضروري أن تخضع "ثنائية سي السيد والست أمينة" لميزان الواقع ومقاربة الأيام، فلم يعد نموذج "سي السيد" متصدراً المشهد بسلطانه ونفوذه مع وجود طرفٍ آخر ينازعهُ النفوذ ومع ظهور نموذج جديد يمكن تسميتهُ "الرجل الكلبوب" والتي تحتل قصة شعره عنايته واهتمامه، ولم يعد نموذج "الست أمينة" حاضراً بكثافة لاختلاف العصر وتغير المكان حتى إنّ كثيراً من الرجال لا يروق لهم هذا الصنف من النساء ويرى الزواج باعتباره "علاقة تشاركية" بامتياز ويرى في خفوت المرأة انتقاصاً من رجولته ونقضاً لمروءته.
المنظور الإسلامي للحياة الزوجية
"شراكة لا انفراد"، عُنيت الشريعة الإسلامية بالزواج عناية كبيرة وأولت له اهتماماً واسعاً ولم تأت آيات القرآن الكريم في تعبيرها عن الزواج إلّا رقيقةً حانية حاسمة، ففي سورة الأحزاب يصفه "ميثاقاً غليظا" وفي سورة الروم عبر عن الزواج "بالسكن" الذي يأوي إليه الإنسان بعد تيه ويهتدي إليه بعد ضلال وجعل عماده "المودة والرحمة" ووصف القرآن ما بين الزوجين من علاقة حميمة بقوله تعالى "وقد أفضى بعضكم إلى بعض".
فالإسلام يرى الزواج "شراكة إنسانية" و"علاقة سامية" ووسيلة للاستخلاف وعمارة الأرض، حتى إنّ القوامة فيه ليست مطلقة بل مقيدة بالكفالة والمسؤولية، ودعا الإسلام الرجال بأن "يستوصوا بالنساء خيرا" واعتبر "أنّ خيركم خيركم لأهله" وأنّ "خياركم خياركم لنسائهم"، وكفل للمرأة حق الأخذ من مال زوجها حال عدم كفايتها بالمعروف وكذلك دعا المرأة إلى الوفاء بحقوق زوجها واعتبر أنّ أداء حق الرجل من أداء حق الله تعالي، حتى أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية قال "المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها وطاعة زوجها عليها أوجب" فالطاعة هنا ليست طاعة إذعان وانقياد بل طريقة للسكنى ووسيلة للمودة والرحمة.
"سي السيد والست أمينة".. هل من بديل؟
ليس من قبيل المبالغة حين نقول إنّ من فريضة الوقت حالياً العمل على إعادة القدسية والمكانة للزواج وإنّ تجاوز تلك الثنائية المقيتة من لوازم الحل وضرورات النجاة، وهذا يتطلب بالضرورة توعية وتربية النشء حتى يشب على احترام العلاقة الزوجية وتوقيرها، وحتى يرى الزواج فرصة لاكتشاف ما في النفس من جمال، وحتى يؤمن أنّ الرجولة الحقة تتطلب بذلاً وتغافلاً واحتواءً، وأن ضعف المرأة وذوبان شخصيتها دليل على رجولة خائرة، وأنّ التطابق التام بين الطرفين هو موت إكلينيكي للعلاقة وإن امتدت لعقود، وأنّ التسلط ربما يصلح في العسكرية لا في ترويض النفوس، وأنّ القوامة مسؤولية لا امتياز، وكذلك فالأنوثة السوية في إعداد النشء وتهيئة النسل وحفظ الرجل، وأنه لا انفصام بين ذلك وبين الاستقلالية، وأنّ الله حين فضل أن يقرن في بيوتهن لم يكن ذلك إلا تماشياً مع فطرتهن وكفاً لهن عن معاشرة الأوغاد ومصادقة المراوغين، وأنّ كل الأوامر كانت دفعاً للمرأة لتكون ملكة متوجة متعالية عما ينتقص من حيائها ويخدش جمالها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.