"خليفة أم كلثوم" هكذا كان ينظر إلى المطربة آمال ماهر منذ طلّت بصوتها وحضورها على الجماهير العربية، شابة تمتلك صوتاً ليس في قوته أو حسنه صوت آخر على الساحة الغنائية، لكن من قال إن النجاح الساحق يرتبط بالموهبة العظيمة والجهد فقط!
شيء ما يميز شخصية آمال ماهر، يجذب إليها الأشخاص المناسبين في الأوقات المناسبة، لكن شيئاً ما أيضاً يجعلها تنتهي في كل مرحلة في مشوارها إلى أسوأ نتيجة ممكنة. ما أكد لي أن المقدمات العظيمة لا تعني بالضرورة نهايات سعيدة.
عقب إعلان آمال ماهر اعتزالها الأسبوع الماضي شعرت بغضب مماثل لذلك الذي شعر به كثيرون، وتساءلت كيف ولماذا ومتى وإلى أين ستمضي؟ بعد ذلك بقليل، شعرت بصدمة حين قرأت منشوراً على الصفحة الشخصية لزميل لي يتحدث فيه عن آمال ماهر باعتبارها قناصة فرص ومريضة بجذب الاهتمام، وهو ما استفزني للبحث والتدقيق في هذا الادعاء.
طفلة محظوظة
من بين آلاف المواهب المدفونة في المدارس المصرية، صادف أن رآها الموسيقار محمد المليجي في حفل مدرسي بسيط، التقطها الرجل والتقطت هي أيضاً موهبتها فلم تضيع وقتاً أو جهداً وسارعت للالتحاق بمعهد الموسيقى العربية، شابة نشيطة تحب ما تفعل. لا تفوت مناسبة أو مكاناً يمكن أن يقربها للحلم إلا زارته، وبالفعل عثرت على ضالتها داخل نقابة المهن الموسيقية حيث قابلت صلاح عرام، الرجل الذي مثل همزة الوصل بينها وبين الموسيقار عمار الشريعي والذي صار لاحقاً الأب الروحي لموهبتها الفذة.
هل أهدرت المال العام حقاً؟
بداية قوية للغاية حفرت اسم آمال ماهر في الأذهان قبل 23 عاماً، حين ظهرت للمرة الأولى مع الموسيقار عمار الشريعي عبر إحدى القنوات المصرية، طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً، وتمتلك صوتاً استثنائياً، راحت تغني "عربية يا أرض فلسطين" فأسرت القلوب بصوتها الذي لم يمر مثله على الآذان، في القوة والتمكن، منذ رحيل أم كلثوم.
صارت من بعدها آمال الوجه المضيء في الحفلات الوطنية والمناسبات الرسمية التي يحضرها الرئيس السابق محمد حسني مبارك، حتى قيل بشكل ضمني إنه يرعاها ويفضل صوتها على غيرها. إشاعة تأكدت عقب عشر سنوات بالتمام والكمال حين اتضح أنها ومن دون كل الفنانات محظية باهتمام استثنائي من اتحاد الإذاعة والتلفزيون، بطريقة يشاع أنها حملت بعض الانحرافات الإدارية والمالية.
عام 2008 قام أحد نواب البرلمان المصري بتقديم طلب لاستجواب وزير الإعلام، حيث تضمن الاستجواب قيام اتحاد الإذاعة والتلفزيون بإنفاق 20 مليون جنيه على رعاية المطربة آمال ماهر كمصاريف سكن، ومكياج، وملابس، وأجور ملحنين، ومؤلفين للأغاني التي قامت بأدائها. ووفقاً للنائب نفسه، فإنه حسب تقرير أعده الجهاز المركزي للمحاسبات تبين أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون كان يشتري فساتين آمال ماهر على حسابه وبلغت تكلفة الفستان الواحد 30 ألف جنيه، كما تم رصد 4 ملايين جنيه فقط في حسابات وفواتير رسمية كنفقات على المطربة بينما اختفت 16 مليوناً أخرى، ورصد الاستجواب وقتها أيضاً 26 حالة فساد بواقع 9 حالات في مدينة الإنتاج الإعلامي، و15 حالة باتحاد الإذاعة والتلفزيون.
حماقات بريئة!
في كتابه "ذكرياتي مع نجوم الأغاني" روى الإذاعي الكبير عمر بطيشة عدة مواقف حول آمال ماهر في بداية مشوارها، أظهرت بجلاء كيف تفكر وتتصرف بحماقة ولكن أيضاً ببراءة. أما الموقف الاول حين كانت بعد طالبة في المدرسة، لكن صوتها وصل إلى أمير البحرين الذي صار لاحقاً جلالة الملك ليتدخل بنفوذه لإعفائها من نسبة الحضور في مدرستها الثانوية، ما أغضب الرئيس محمد حسني مبارك معتبراً طلبها زلة كبرى "كيف تشغل بال ملك دولة شقيقة بمشاكلها الشخصية وكأنها استنفدت كل الطرق مع المسؤولين في مصر" مع ذلك دعمها وزير الإعلام مؤكداً أنه لن يتم ذبحها لأجل خطأ غير مقصود، لهذا صرفوا لها مرتباً شخصياً حتى نهاية عقدها مع الإذاعة وتم إلغاء دعوات الرئاسة لها عقاباً لها.
آمال التي تعرفت على بطيشة في أول مشوارها حين أرسلها عمار الشريعي إليه، عادت في أحد الأيام من مدرستها إلى مكتبه مباشرة وحين سألها "تشربي إيه؟" أجابته "أشرب كنتاكي" في إشارة إلى شعورها بالجوع.
فتاة تتصرف على سجيتها بطريقة تثير حفيظة الآخرين في أوقات عديدة، بدا هذا واضحاً من تصرفها الذي رواه بطيشة في كتابه "أصبحت رئيساً للإذاعة، وكأي بنت شقية لا تتقيد بالأصول، ولا لوم عليها في ذلك، كانت تدخل مكتبي بلا استئذان، وكانت على سجيتها تماماً، مرة دخلت المكتب وكان عندي رئيس شركة القاهرة المندس حسني الرحماوي، وبينما كنا نتحدث بعد أن قدمتها له، إذا بها تجلس فوق المكتب أمامه دون مراعاة لمركزه مما أثار استياءه"!
فنانة مع وقف التنفيذ
مستقبل مذهل بدا أنه بانتظار ملكة الغناء عام 2006، الشابة التي تمتلك صوتاً لا مثيل له والتي أجادت أداء أغاني ملوك الطرب؛ أم كلثوم وعبدالحليم وشادية ونجاة. وتألقت أيضاً حين قررت الخروج من عباءة الأغاني القديمة وتقديم ألبومها الغنائي الأول بعنوان "اسألني أنا" لتقدم أخيراً أغاني خاصة بها، حملت بدورها سمة الأصالة والطرب.
خمس سنوات تلت ظهور الألبوم الأول لآمال التي تمتعت بكل الإمكانات والدعم والقبول والمال. لكنها بقيت خارج مجال الجاذبية لمظهر الفتاة الطالبة. تغني بقوة وعبقرية لكن دون إحساس يذكر، كما أن ألبومها الأول على تميزه وذكائه أظهر تأثراً واضحاً منها بالمطربة الراحلة "ذكرى".
"من تلك الفتاة؟" هكذا تساءلت حين ظهرت البوسترات الدعائية لألبومها الثاني "أعرف منين" عام 2011، لم أصدق عيني حين رأيت الاسم وقارنته بالشكل، شابة جميلة وجذابة ورشيقة، إنسانة مختلفة كلياً عن تلك التي رأيتها من قبل، تخطفك أغاني ألبومها الجديد.
تتألق بحق كأنها عملت طوال السنوات الخمس على نقاط ضعفها فخرجت من عباءتها القديمة إلى شكل جديد كلياً، مع إحساس مختلف وحقيقي بالكلمات التي تغنيها، ما جعل ألبومها يكتسح ويتحول إلى واحد من أكثر الألبومات انتشاراً في مصر. حتى أنها نالت عنه جائزتين من "دير جيست" كأفضل مطربة صاعدة عام 2012 وكأفضل ألبوم غنائي، كما ترشحت عن نفس الألبوم لجائزة "وورلد ميوزيك أوورد" كأكثر ألبوم غنائي مبيعاً سنة 2012. لكن كعادتها عادت آمال ماهر من جديد إلى نقطة الصفر، حيث اختفت أربع سنوات كاملة قبل أن تعود بألبومها الثالث "ولاد النهارده" عام 2015. ثم أربع سنوات أخرى في الخفاء قبل إصدار ألبومها التالي عام 2019 بعنوان "أصل الإحساس"، لكن أي من الألبومين الأخيرين لم يحققا الصدى الذي حققه ألبومها الثاني.
الابتعاد الطويل عن الجمهور والانخراط في عالم آخر من المشكلات الشخصية بدا مؤثراً على أداء آمال ماهر الذي حاولت ضبطه أخيراً بالإنتاج الذاتي عبر شركة إنتاج خاصة بها. أنجزت من خلالها ألبومها بالفعل الذي كان من المفترض أن يصدر هذا العام 2021 لكن فجأة اعتزلت آمال وتركت الجميع خلفها يتساءل عن السر والسبب ومستقبل الألبوم الذي بدا أنه أخيراً يحمل روحها الحقيقي بلا لهاث أو خوف أو تحكم من رأس مال.
المطرودة من جنة السلطة
حالة الرضا التي لطالما تمتعت بها آمال من رأس السلطة وكذلك التسامح مع أخطائها العفوية تراجعت شيئاً فشيئاً، بدأ الأمر مع عدد من أغنياتها التي بدت "محرّضة" برأي السلطة مثل"احترامي للحرامي" والتي غنتها كأغنية منفردة بلكنة خليجية وكذلك تتر أغنية "قضية رأي عام"، و"يا مصريين" عام 2013 والتي بدت غير محتملة ومحرضة للدرجة التي تسببت في منع أغنيات آمال ماهر كلها سواء كانت وطنية أو عاطفية من الإذاعة وخاصة أغنية "يا مصريين" وهو ما حدث بالفعل رغم النفي الرسمي من جانب وزارة الإعلام وقتها، وهو ما دفع زملاءها للتضامن معها.
وعلى الرغم من تغير رأس السلطة السياسية، وقيامها بتقديم أغنية جديدة عامرة بالأمل ومبشرة بالعهد الجديد للرئيس السيسي بعنوان "طوبة فوق طوبة" صارت الأغنية الرسمية للإنجازات على شاشة التلفزيون المصري، فإن هذا لم يعن لها نهاية عهدها مع المشاكل، حيث لم تكد تصدر ألبومها قبل الأخير "إحنا ولاد النهارده" عام 2015 حتى بدأت عهداً مختلفاً من حياتها، خاصة عقب وفاة والدها عام 2016 حيث كشف العزاء عن تفاصيل عديدة في حياة الفنانة التي لم تشاركها أي مطربة زميلة لحظات حزنها على والدها، كما لم يكن ثمة رجال في محيطها سوى طليقها الملحن محمد ضياء الدين والفنانة نادية مصطفى فقط.
مثل فقد والدها بالنسبة لها انهيار ركن أساسي في حياتها حيث صارت من بعده بلا سند على حد تعبيرها، وظلت عدة سنوات بلا نشاط حقيقي قبل أن تطفو على السطح أزمتها مع تركي آل شيخ.
هل يطاردها تركي آل شيخ؟
في إحدى المرات كنت أجري حواراً مع الملحن وطليق آمال ماهر محمد ضياء الدين، وراح يحدثني عن زيجاته العديدة، يومها ذكر لي أسباب الطلاق في كل مرة، وحين جاء الدور على طليقته آمال ماهر والتي انفصل عنها عقب عام واحد أنجبا خلاله ابنها الوحيد عمر -يبلغ من العمر الآن 15 عاماً- قال لي ضياء: "ما كانش فيه بينا توافق.. لكن فيه بينا احترام" معلومة تأكدت لي لاحقاً في مشهد العزاء الذي بدأت من بعده الأحاديث حول علاقة تركي آل شيخ بآمال ماهر، حيث أكد الإعلامي محمد الغيطي عبر برنامجه "صح النوم" أن تركي تزوجها سراً ووضع طائرة خاصة تحت إمرتها، وأن أغنية برج الحوت في الحقيقة من أجل آمال وليست من أجل دينا الشربيني، كما أشيع.
نفت آمال لاحقاً هذا كله قائلة إن أخبار زواجها مجرد إشاعات وإن حياتها الشخصية تخصها وحدها والحديث عنها يمثل "تشويشاً" على جمهورها.
لم أدر وقتها هل أصدق آمال ماهر أم أصدق الغيطي؟
ما صدقته حقاً هو البلاغ رقم "4410" الذي قامت آمال بتحريره ضد تركي آل شيخ يفيد بقيامه بالتعدي عليها بالضرب داخل منزلها في دائرة القسم، وقامت بعمل تقرير طبي في المستشفى يفيد بإصابتها واعتدائه عليها.
في الواقع مصادر عدة تشير إلى ارتباط اسم آمال بتركي آل شيخ وأن ثمة محضراً تم تحريره بين الطرفين ما يعني وجود علاقة ما.
تأكدت لاحقاً حين انقلب بلاغ ماهر في وجهها حيث قام الأمن المصري باقتحام منزلها بحسب مصادر أخبار غير مصرية. بدا واضحاً أخيراً أن آمال تقف بوجه تركي آل الشيخ لسبب ما لم تعلن عنه بوضوح، وقوف بدأ بتحريرها لمحضر الشكوى ضده وتسريبها لأغنية "بخاف أفرح" من كلمات تركي والتي قامت بتسجيلها ليعطيها تركي لاحقاً للمطربة أنغام، فما كان من آمال ماهر إلا أن قامت بتسريبها ليرد تركي بطريقته.
طريقة بدت واضحة من تلك التعليمات التي صدرت في ماسبيرو لرؤساء القنوات والمحطات الإذاعية بتكثيف إذاعتها، ناهيك عن الإعلانات الممولة التي قفزت بمرات الاستماع للأغنية على يوتيوب إلى أكثر من 13 مليون مرة، وفي ذات الوقت كشفت مصادر في ماسبيرو عن تعليمات من قيادة عليا بالهيئة الوطنية بالإعلام تضمنت حجب أغاني آمال ماهر، وأكثر من ذلك حيث تم حظر استضافتها في البرامج، أو إجراء مداخلات هاتفية معها، أو حتى إجراء أو عرض أي حديث لها في أي مهرجان أو حفل تشارك فيه، مع ذلك قامت آمال بنفي الحادث لاحقاً وكذلك إنكار غيابها أو أنها ليست بخير، مؤكدة "أنا كويسة".
هل تستدر آمال عطف الجمهور؟
في الواقع نعم، هي تستدر عطف الجمهور، لأنه لم يعد لها سواهم، جربت آمال مرارة منع أغانيها مرة بعد أخرى على اختلاف السلطة القائمة، وخابرت كيف يمكن لأشخاص أن يتحكموا بفنها حسب الهواء السائد.
هادنت آمال وتصالحت عقب واقعة الضرب، طأطأت رأسها للموجة، وذهبت إلى قلب الرياض كما عادت للشاشات في بلدها، في محاولة لاستعادة ذاتها بمرحلة جديدة من حياتها ظنت أنها قد طوت خلالها الصفحات السوداء بالصلح واللطف، لكن آمال التي ترغب دائماً في البقاء خارج السرب فشلت في تنفيذ خطتها الجديد.
خطة أسست خلالها شركة إنتاج خاصة بها، أنتجت ألبوماً كاملاً كان في انتظار طرحه بالأسواق، ارتبطت بشخص جديد، وأعلنت شراكة تجمعها بشركة علاقات عامة واستشارات إعلامية، معتبرة أنها على وشك البدء بعهد جديد.
نعم تستدر آمال عطف الجمهور بعدما تعرض كل ما تملكه للضياع، فتعرضت لفسخ خطبتها عقب 48 يوماً فقط من الإعلان عنها، في ظروف غامضة، وتعرض قناتها الخاصة على يوتيوب للحذف فضلاً عن هجوم أعلنت عنه وقالت ماهر في حسابها الرسمي على إنستغرام تحت عنوان "بيان هام من المكتب الإعلامي للفنانة آمال ماهر": "حالياً كل حساباتي الرسمية على السوشيال ميديا تتعرض لهجوم كبير بطرق غير شرعية وكذلك موقعي الرسمي بغرض إغلاق الموقع الرسمي وكل حساباتي ويتم الآن اتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بهذا"، لينتهي كل شيء لاحقاً باعتزالها وتأجيل الألبوم إلى أجل غير مسمى.
ربما يعود هذا كله فعلاً إلى تلك الجملة التي كتبتها عبر حسابها الشخصي عام 2018 وقامت بمحوها لاحقاً: "كل الحرب اللي بتحصل لي دي علشان يجبروني أكون في مكان أنا مش عايزاه… أنا بنت مصرية عمري ما أقبل على نفسي الغلط وعمري ما أقبل أنحني لحد مهما حصل"، ربما هي حقاً تستحق بعضاً من الدعم رغم تراجعها المستمر ونفيها المتواصل للأحداث المؤكدة، ما جعل دعمها قائماً على التكهنات لا الحقائق المؤكدة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.