قبل أسبوع سرت حالة من الارتياح في محيط زملائي من العاملين بالصحف والإنتاج الفني، بعدما أكدت التسريبات نهاية عصر تامر مرسي، وأن تغييراً ما قد يطرأ أخيراً على الخريطة الإعلامية في مصر، بذراعيها الصحفية والفنية، تغييراً رأوه "طوق نجاة" مما يعانونه مؤخراً من كساد دفع أكثرهم للبحث عن مهن أخرى بالفعل، عقب سنوات طويلة من العمل في مجال الإعلام.
صديقتي الحائزة جائزةً مرموقة في مجال الكتابة والتأليف، والتي صدر لها كتاب احتل قائمة الأكثر مبيعاً عن إحدى مغامراتها الصحفية الشهيرة، اختارت أن تفتح مطعماً لـ"الساندويتشات السريعة"، يقيها شر السؤال، لكنها لم تنسَ شغفَها القديم، لا تزال تحلم بمعاودة العمل بالمجال الذي تحب، لذا مثلت لها تلك التغييرات أملاً ولو ضئيلاً أنه ربما تتغير الأوضاع بشكل أو بآخر، فراحت تتابعها عن كثب، لكن الأنباء ذاتها مثلت لآخرين -أعرفهم أيضاً- مسألة حياة أو موت، زملاء لا يملكون حتى ما يساعدهم لفتح مشروع ولا يعرفون لمهنتهم بديلاً، بالنسبة لهم إما أن يتغير الوضع أو سيموتون!
اشتعلت مجموعات تطبيقات "الفيسبوك" و"الواتساب" وصناديق الرسائل الخاصة بآلاف الرسائل بمجرد بدء المؤتمر المفاجئ للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والذي جرى تنظيمه سريعاً عقب الشائعات التي دارت بقوة حول الإطاحة بكل من رئيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تامر مرسي ومديرها المالي، خلال الأسبوعين الماضيين، وفيما تصاعد الأمل في نفوس الكثيرين طمعاً في مناخ مختلف يسمح لهم بمعاودة العمل مع إعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة من جديد، وتغير اللاعبين في الكيان المتحكم في القنوات والصحف الخاصة، شعر آخرون بالخوف الشديد.
لماذا يكرهون تامر مرسي؟
"في ناس ظهرت على حقيقتها واحد واحد وبرضو عارفاكم واحد واحد متجوش بعد كده تبوسوا الأيادي عشان بس تدخلوا الشركة"، بهذا القدر من الجبروت والثقة المتناهية في النفس قامت ألفت إمام، شقيقة نسرين إمام، زوجة تامر مرسي، بالرد على الشائعات قبيل المؤتمر، نافيةً استبعاد زوج شقيقتها، لكن دعمها المتسرع فضح السر وراء حالة الكراهية والفرحة التي أثبتها منشورها فعلاً، وبدا واضحاً كيف كانت الأمور تُدار عبر تقبيل الأيدي!
لا أتوقف عن التفكير في الممثلة الموهوبة انتصار، لم أرها منذ عدة سنوات، أتأمل دورها في مسلسل "ذات" وأضرب كفاً بآخر، كيف لامرأة كتلك أن تجلس في منزلها دون عمل، لم تظهر انتصار في وسيلة إعلامية تشكو الحال كما سبق لمها أحمد أن فعلت، ومثلها فنانون وكتاب كثيرون في مصر يمكثون في منازلهم بلا عمل، يتأملون وجوهاً باتت تسيطر على كل شيء تقريباً.
لذلك لم تكد الأنباء تظهر خلال الأسبوعين الماضيين عن قرب إقالة تامر مرسي، رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ومؤسس "سينرجي للإنتاج الفني"، وكذلك التحقيق مع حسام شوقي المشرف العام على الإنتاج الدرامي في المجموعة، حتى قفزت إلى الأذهان فوراً شركة "سعدي جوهر" كمحتكر بديل عن سينرجي، ولكن أقل إيذاءً.
بعض المعدين كانوا يقدمون جهدهم مجاناً طمعاً في نيل الرضا، وأملاً في تكوين شبكة علاقات تساعدهم مستقبلاً، وترسيخ وجود قد يمنحهم وظائف مدفوعة لاحقاً
زميلي المصور السينمائي الشاب، الذي اضطر إلى العمل كمصور منتجات بإحدى شركات الدعاية، بعدما صارت فرص عمله نادرة في المجال الفني، كان سعيداً ومتحمساً لما يحدث، قال لي "صحيح ده احتكار وده احتكار بس على الأقل محمد سعدي بيشغل كفاءات، والدليل إن أفضل إعلانات ومسلسلات خرجت من عنده، وضربت كل إنتاج سينرجي في مقتل، كفاية إن لعبة نيوتن هو المسلسل رقم واحد في رمضان".
تأملته وهو يتحدث بنبرة انتصار، عن شركة يتوقع لها أن تحتكر سوق الدراما بدلاً من أخرى، إلى تلك الدرجة كان يائساً، حتى قَبِل بـ"نصف العمى بدلاً من العمى كله".
بينما لم تصدق صديقتي، الرئيسة السابقة لقسم الفن بإحدى الصحف الخاصة، عينيها حين طالعت الأرقام الخاصة بتكلفة إنتاج البرامج التلفزيونية لعام 2021، بحسب ما أعلنته الشركة المتحدة، هي داخل "المطبخ" وتعلم جيداً أن معدي البرامج كانوا يتقاضون مبالغ ضئيلة لا تليق بحجم الجهد المبذول. أعلنت الشركة عن 18 مليوناً وربع جنيه مصري تقريباً كتكلفة لإنتاج البرامج، دفعت الأرقام المعلنة صديقتي للتساؤل "أين هي تلك البرامج أصلاً؟"
ما لا تعلمه صديقتي أن بعض المعدين كانوا يقدمون جهدهم مجاناً طمعاً في نيل الرضا، وأملاً في تكوين شبكة علاقات تساعدهم مستقبلاً، وترسيخ وجود قد يمنحهم وظائف مدفوعة لاحقاً، حدث هذا مع عبدالله -اسم حقيقي- الذي قام بإعداد أحد البرامج الفنية مجاناً، أخبرني وزوجي بالأمر ذات ليلة فلم نصدق، لكنه فسر لنا الأمر ببساطة "على الأقل ظاهر ومتشاف واسمي نازل على التتر يمكن يجيلي شغل بمقابل بعدين.. أحسن من القعدة في البيت".
ربما لهذه الأسباب وأكثر يحظى تامر مرسي بكراهية عدد ضخم من العاملين في مجال الإعلام، الرجل بالنسبة لهم المتسبب الأول في بطالتهم عن العمل، وغيابه عن الصورة بأي شكل كان بمثابة إلقاء حجر ربما يحرّك المياه الراكدة بأي شكل.
هل أطاح محمد سامي بتامر مرسي؟
لم يحضر المخرج المعروف محمد سامي أو زوجته أو شقيقته المؤتمر، لهذا تأكدت الرؤية بشأن استبعاده وفشل كافة الوساطات التي حاولت الصلح بين كل من المخرج الشاب وقيادات المتحدة، التي يبدو أنها أخرجته من دائرتها بحسم، عقب مخالفته لاتفاقات ضمنية ومعلنة. ومع ذلك استمر التمويل واستمر التصوير وانتهى العمل كما أراد سامي لا المتحدة والجمهور. ربما كانت أزمة المخرج المثير للجدل هي بداية النهاية لتامر مرسي، الذي تبنّى أخطاءه قبل موهبته، ومنحه أكثر مما يستحق، حتى إن الشائعة التي دارت حول دفع محمد سامي تكاليف مسلسل "نسل الأغراب" للصلح مع المتحدة، والتي أعلنها الصحفي أيمن بدورة عبر حسابه الشخصي، سخرت منها زوجته مي عمر، واعتبرتها "خيالاً واسعاً"، لهذا لم أتعجب من الأنباء التي دارت حول فشل مساعي الصلح التي بذلها الفنان محمد رمضان، والذي كان من المنتظر أن يشارك سامي في عمل درامي في شهر رمضان القادم.
وجود حسن عبدالله على رأس "المتحدة" يعتبر صفعة لجيل كامل من صناع الإعلام والترفيه، الذين فشلوا في الحصول على ثقة القيادات السياسية.
لم يعد تامر مرسي على رأس هرم صناعة الإعلام في مصر، رحل واستبدله حسن عبدالله رجل المال والبنوك الذي من المفترض أن يضع حداً لتغييب الكفاءات وما يشاع عن إهدار المال العام داخل "المتحدة". لكن وجود حسن عبدالله على رأس "المتحدة" يعتبر صفعة لجيل كامل من صناع الإعلام والترفيه، الذين فشلوا في الحصول على ثقة القيادات السياسية. كان ذلك هو شعور الكثيرين، ومن بينهم أسامة الشيخ، الرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، والذي كتب عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يقول "اختيار مصرفي عظيم ومتميز على رأس أكبر كيان إعلامي مصري وعربي هو إدانة دامغة لجيل كامل من الإعلاميين المصريين في هذا الزمان".
الخوف من القادم
على المستوى الشخصي توجستُ كثيراً، فالحفلة التي حضرتها ذات الوجوه و"الشلة" تحدث رجالها عن عهد جديد لم تحمله دعاوى المؤتمر التي ذهبت لنفس الأشخاص، فحضر المرضي عنهم ولم يحضر أي من المغضوب عليهم.
وأعلن عن جوائز اعتبرها البعض غير مدروسة كأنما جاءت على عجل، في الدراما والسيناريو وقصص الأطفال، تحدثوا عن قناة إقليمية وصندوق لرعاية العاملين في الإعلام في محاولة لامتصاص الغضب وتهدئة الثائرين، لكن بعيداً عن الغضب صارت الكثير من الأمور واضحة الآن.
ما كان يقال سراً عن ملكية الدولة للشركة أصبح علنياً أمام الجميع، صارت المتحدة كياناً حكومياً بشكل معلن، وإن كان غير رسمي، ورغم كل التفاؤل فإنني لا أرى على المستوى الشخصي أملاً يذكر في الفترة القادمة، ما دامت الأوضاع مستمرة على ما هي عليه الآن. يشاركني الرأي السيناريست والكاتب حاتم حافظ، الذي كتب عبر حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك" أنه لا يمكن الحديث عن مكسب وخسارة في ظل الاحتكار، وتصفية المنافسين على مرأى ومسمع من الجميع، وقال "هذا يعني أن أي خطأ سوف تتحمل الدولة مسؤوليته، ومازلت أرى أن ملف الإعلام يمكن أن يفسد كل ملفات الدولة الثانية".
مع فرض الأجور وظروف العمل وعدد ساعاته دون بديل، وكذلك تحديد من يعمل ومن لا يعمل، حتى صار المشهد بالكامل في يد حفنة تدير وتتحكم، وهو ما أغضب نقيب الممثلين نفسه، معتبراً ما يجري ظلماً بيّناً.
مستقبل المتحدة للخدمات الإعلامية
رأيت الإجراءات الأخيرة للشركة كغريق يضرب بكلتا يديه وقدميه من أجل النجاة، لم تحاول المتحدة تهدئة الرأي العام والعاملين في المجال فقط، بعقاب المغضوب عليهم تارة وإرسال التطمينات تارة أخرى، ولكنها حاولت إنقاذ كيانها بمزيد من التوسع عبر الشراكة مع شبكة قنوات MBC.
أعلنت "المتحدة" أيضاً توسيع قاعدة التعاون مع المنتجين، لتشمل أكبر عدد من الأعمال الدرامية على مدار العام، ربما تبدو تلك المعلومات عادية للكثيرين، لكنها ليست كذلك على الإطلاق لأي من العاملين أو الفاعلين في المجال، يمكن الاقتراب أكثر من الصورة بالنظر لما جرى لـ"العدل جروب".
عام 2019 صرح المنتج جمال العدل أن الإنتاج الفني أصبح يمثل وجهة نظر واحدة، "عين واحدة، رؤية واحدة"، وقتها قام الرجل بإيقاف العمل على مسلسلين تلفزيونيين كانت شركة العدل جروب قد بدأت العمل عليهما بالفعل، لكنَّ خوفه من التضييقات التي شملت تصاريحَ لم تكن مطلوبةً من قَبل، ورقابة صارمة داخل القنوات وخارجها، دَفَعَه لإيقاف كافة أعماله عام 2019، حيث لم يُنتج ولو مسلسلاً واحداً، قبل أن يبدأ في العمل لاحقاً بوتيرة أخف وعدد أعمال أقل.
الشركة المخضرمة التي أنتجت أربعة أعمال ناجحة عام 2018 هي "نسر الصعيد"، و"لدينا أقوال أخرى"، و"أرض النفاق" و"اختفاء" لم تنتج سوى أربعة أعمال في السنوات الثلاث اللاحقة، آخرها "حرب أهلية"، من بطولة الفنانة يسرا، و"ضد الكسر" بطولة نيللي كريم.
ربما توصل رجال "العدل" إلى اتفاق ما مع "المتحدة"، استنتجتُ هذا حين قرأت تصريح جمال العدل نفسه، حيث تغيرت وجهة نظره 180 درجة عقب المؤتمر الأخير، حيث قال "الشركة المتحدة لما دخلت سوق الإنتاج نظمته بطريقة كويسة جداً، ووضعت سقفاً للنجوم والعمل بشكل عام، وأي تغيير في الدنيا بيحصل طبيعي يبقى له أخطاء، وأنا من ضمن الناس اللي جم عليَّ، ولكن الفايدة الكبيرة على بعضها للمهنة نفسها". الرأي ذاته عبر عنه مدحت العدل عقب انتهاء مؤتمر "المتحدة"، حيث أكد في تصريحات صحفية عن رضاه، وقال "تدخل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية كان لضبط الأمور، مصحوباً برؤية وطنية، ولا توجد تجربة تخلو من الأخطاء".
ربما هي بداية صفحة جديدة بين "العدل جروب" و"المتحدة"، لهذا تمت دعوته إلى المؤتمر كواحد من الفاعلين في المعادلة الجديدة.
نقيب الممثلين أشار بدوره إلى إنشاء مكتب للتنسيق بين النقابة وشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لتوفير المنتجين والمخرجين والممثلين، "أرفض أن يجلس المنتج أو الفنان أو المخرج خمس سنوات في المنزل بلا عمل"، لكنه في الواقع أبدى تفاؤلاً شديداً حين قال إن "المتحدة" سوف تقضي على "الشللية"، وهو الرهان الحقيقي، فإما عدالة واستفادة حقيقية من الكفاءات تضمن لها الاستمرار والنجاح، أو مزيد من الكبوات والغضب يودي بها وبالقائمين عليها، وربما من هم أكبر من ذلك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.