سؤال يطرح نفسه بإلحاح بعد السيناريو الذي حدث البارحة في بورتو، وشهد تتويج فخر لندن نادي تشيلسي بلقبه الثاني في مسابقة دوري الأبطال أمام فريق لم يتذوق بعد طعم التتويج، ولا يبدو أنه سيتذوقه في عهد غوارديولا الذي يطارده النحس منذ غادر برشلونة الذي فاز معه بلقبين في 2009
و2011 ، ولم يبلغ النهائي بعد ذلك سوى هذا الموسم على مدى ثماني سنوات قضاها بعيداً عن البرسا مع الفريقين الكبيرين البايرن والسيتي، مما يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام رغم أن كل الترشيحات كانت في صالحه كل مرة، وفي كل مرة كانت تتوفر لديه الأموال والتشكيلات الثرية، وكان يفوز بالألقاب والكؤوس المحلية في ألمانيا وإنجلترا، لكن كل مرة كان يخفق في دوري الأبطال بسبب خياراته التكتيكية غير الموفقة على مدى ثلاثة مواسم في البايرن وخمسة في السيتي أنفق فيها ما يقارب مليار يورو في الاستقدامات.
كلنا يذكر ما فعله غوارديولا السنة الماضية في ربع نهائي المسابقة عندما أبقى كيفن دي بروين ورياض محرز في مقاعد الاحتياط أمام ليون فكان الإخفاق والإقصاء، والكل أجمع البارحة على أن الإسباني أخطأ مرة أخرى في خياراته عندما أقحم رحيم ستيرلينغ الغائب عن التشكيل الأساسي منذ شهرين، وفضل اللعب من دون رودري أو فرناندينهو كوسط ارتكاز، مما سهل المهمة لكانتي وجورجينيو وصعَّب من مهمة دفاعه الذي وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الأرمادا الهجومية اللندنية دون غطاء، وصعب المهمة على مهاجميه الذين اضطروا للقيام بمجهود دفاعي أنهكهم كثيراً، وقلل من فاعليتهم الهجومية وقدرتهم على اختراق دفاع تشيلسي الذي غلق كل المنافذ على لاعبي السيتي الذين لم يخلقوا سوى فرصتين أو ثلاثة للتسجيل على مدى تسعين دقيقة.
عندما نقول إن غوارديولا أخطأ في خياراته فإننا لا نقصد أنه مدرب سيئ أو فاشل، ولا ننقص من قيمته كمدرب كبير، ولا من قيمة توماس توخيل وتتويجه المستحق، لكن الأكيد أن المدرب الإسباني صار في حاجة إلى اعتبار مباريات دوري الأبطال مثل غيرها من مباريات الموسم، لا تتطلب معاملة خاصة وخيارات مختلفة عن المعهود، والأكيد أن توماس توخيل الذي بلغ النهائي للمرة الثانية على التوالي مع فريقين مختلفين، وضع بصمته بعدما غير وجه تشيلسي تماماً في ظرف خمسة أشهر، مما سمح له بالفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي واحتلال المركز الرابع في الترتيب، ثم الفوز على السيتي ثلاث مرات في ظرف شهر ونصف في الدوري ونصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي ، ثم في نهائي دوري الأبطال بكل جدارة واستحقاق، بعدما أقصى سابقاً أتليتيكو مدريد بطل إسبانيا، ثم الريال ملك أوروبا في نصف النهائي.
تتويج توخيل كان منطقياً ومستحقاً البارحة، يؤكد حنكته وبراعته في تسيير مجموعته الثرية، وتسيير مبارياته الكبيرة بعدما استفاد من إخفاق الموسم الماضي مع البياسجي، وغوارديولا لم يتمكن من الخروج عن القاعدة التي تستمر منذ بداية الألفية بخسارة كل الأندية السبعة التي بلغت نهائي دوري الأبطال لأول مرة منذ بايرن ليفركوزن سنة 2000، مروراً بموناكو، أرسنال، تشلسي، توتنهام ، ووصولاً إلى باريس سان جيرمان السنة الماضية بقيادة توماس توخيل الذي أكد البارحة علو كعب المدربين الألمان عندما صار ثالث مدرب ألماني يتوج للمرة الثالثة على التوالي بدوري الأبطال بعد يورغن كلوب مع ليفربول وهانز فليك مع البايرن، وأكد أن الفارق في مباريات المستوى العالي يصنعه المدرب بخياراته الفنية والتكتيكية اللائقة في الوقت اللازم، وليس فقط بما يملكه من أموال أو تركيبة بشرية ثرية.
دون التقليل من استحقاق تشيلسي فإن تتويج توماس توخيل في ظرف خمسة أشهر هو إخفاق كبير لبيب غوارديولا والسيتي، وتكريس لقاعدة سابقة في الفريق اللندني حدثت سنة 2012 عندما تم تعويض البرتغالي أندري فياش بواش بالإيطالي روبيرتو دي ماتيو في منتصف الموسم فتوج الفريق بدوري الأبطال، وهو الأمر الذي يجب أن يحدث في السيتي في نظر الكثير من المتتبعين، ويرحل غوارديولا بعد خمس سنوات قضاها على رأس الفريق، أنفق فيها الملايين من أجل تكوين منتخب عالمي للفوز بدوري الأبطال لكنه لم يقدر، رغم امتلاكه كرسي احتياط لا يتوفر سوى في تشيلسي الذي أنفق بدوره الملايين على مدى سنوات، لكن إدارته أحسنت اتخاذ قرار تغيير المدرب فرانك لامبارد في الوقت المناسب، وأحسنت اختيار توماس توخيل كبديل له فمنحه ثاني لقب أوروبي بعد تسع سنوات منذ آخر تتويج. بعض عشاق السيتي يخافون أن يستمر النحس ويصبح التتويج بدوري الأبطال هاجساً بعيد المنال لو استمر غوارديولا، بينما يعتقد البعض الآخر أن الإخفاق في أول نهائي سيشكل بداية للتخلص من عقدة دوري الأبطال سواء مع غوارديولا أو من دونه، وإذا بلغ نهائي الموسم المقبل سيفوز به لا محالة لأن الانتصار في الكرة عادة ما يأتي بعد الانكسار الذي رافق تشيلسي منذ 2012، ورافق أندية أوروبية كبيرة ولاعبين عالميين كباراً على مدى سنوات، خاصة أن الكأس الغالية لا تحتمل سوى متوج واحد، نقول عنه نجح في مهمته، ونقول عن الخاسر إنه فشل حتى ولو كان بيب غوارديولا الذي يبقى أحد أفضل المدربين في العالم منذ بداية الألفية، أخطأ البارحة في خياراته مثلما أخطأ السنة الماضية وفي العديد من المباريات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.