في آخر خمس سنوات حقق فريق باريس سان جيرمان لقب الدوري الفرنسي ثلاث مرات، بينما حصد فريق موناكو اللقب مرة، والآن يُحدث فريق ليل المفاجأة الكبيرة. ولكن جاء تتويج فريق الشمال مستحقاً، والعامل المشترك بين تتويج ليل وموناكو هو الثعلب البرتغالي كامبوش، هو من صنع الذخيرة البشرية للفريقين، اختار المدربين، الطاقم التقني وكل شيء، في فرق كان هدفها الأول هو تحقيق أرباح مادية فقط، ولكنه استطاع المزج بين النجاح الرياضي والاقتصادي!
"لا أريد أن أكون متعجرفاً ولكن أؤكد لكم أنكم سوف ترون نجاحات كبيرة في المواسم المقبلة مشابهة لتجربتي مع موناكو".
- تصريح المدير الرياضي لويس كامبوش بعد مغادرته لموناكو وانضمامه لليل.
لويس كامبوش من مواليد منطقة فاو الصغيرة (3000 مواطن) سنة 1964 بالبرتغال، كان كامبوش يمارس كرة القدم في شاطئ المنطقة المحلي دون أن يثير اهتمام أحد. ولكن هدف لويس لم يكن أن يصبح لاعباً محترفاً، ولكن أن يكون أستاذاً في الرياضة؛ لذلك قرر الذهاب لجامعة بورتو من أجل الدراسة في الجامعة المحلية هناك، واختار تخصص التربية البدنية والتدريب. في نفس الوقت بدأ في مزاولة التدريب مع فئات فريق "إسبونسيندي"، مع حصوله على الديبلوم من الجامعة، قرر كامبوش أن يصبح أستاذاً وهي عادة لذلك الجيل من المدربين البرتغاليين: كيروش ومورينهو على سبيل المثال، في إحدى المحاضرات التقى كامبوش بمورينيو وناقشا مطولاً حول كرة القدم، ومنذ ذلك الحين تكونت علاقة صداقة بينهما.
انتظر لويس بضع سنوات حتى توليه مهمة مدرب فريق أول مع "أونيا ليريا" سنة 1991-1992 في سن الـ27 فقط، سيحقق الفريق آنذاك المركز الثامن في الدرجة الثانية، وكامبوش سوف يغادر لخوض عدة تجارب بعد ذلك: عشرة فرق في ظرف ثلاث عشرة سنة، دون إنجاز حقيقي باستثناء إيقاف سلسلة انتصارات مورينيو في بورتو التي دامت 27 مباراة سنة 2004 والفوز عليه. رغم الإشادة به من اللاعبين والجمهور بسبب أسلوب لعبه الهجومي فإن مسيرة كامبوش التدريبية ستقف سنة 2005 ليقرر رفقة صديقه القديم "أمريكو ماغالاهيش" تأسيس شركة لمساعدة الأندية والمدربين على تحسين الأداء والتحليل. من بين البرامج المتوفرة التي كانت لديهم نجد لوحة مورينيو التكتيكية المشهورة، فصديق كامبوش الاستثنائي كان دائماً على تواصل معه.
سنة 2011، خطوة جديدة ومهمة في مسار البرتغالي بتعاقده مع ريال مدريد بتوصية من جوزيه مورينيو كمحلل أداء ومنقب عن المواهب، عمل قام به حتى مع بورتو فهو الذي اكتشف المدافع بيبي وجلبه من البرازيل. يقول كامبوش إن تجربة الريال أفادته في اكتشاف المستوى العالي جداً ومتطلباته بالإضافة لتطوير معارفه.
معارف مثل ڤايديم ڤاسيلايڤ نائب نادي موناكو آنذاك والمسؤول عن قطاع الكرة الذي قرر التعاقد مع كامبوش كمستشار خاص ومدير رياضي. قدوم كامبوش كان من أجل تغيير سياسة النادي من تعاقدات مع أسماء كبيرة فقط إلى الدمج بين الصفقات الكبيرة واللاعبين الشبان والتخلص من الأسماء الكبيرة تدريجياً، فبعد السنة الأولى ركز مشروع النادي على البحث على لاعبين صغار من أجل بيعهم بمبالغ كبيرة لأندية كبيرة.
الموسم الأول له شهد تعاقدات كبيرة فنياً بمبالغ زهيدة مثل فالكاو، خاميس رودريغيز، جواو موتينيو، ولكن في نفس الوقت تعاقد مع شاب برازيلي مغمور آنذاك اسمه فابينهو مقابل خمسة ملايين يورو، وموهبة الفريق الرديف لنادي ليون أنتوني مارسيال في سن الـ16 فقط، صفقة فاجأت الكل لصغر سن اللاعب وهل من المعقول أن تدفع 8 ملايين يورو دون أن يظهر مستويات في الدرجة الأولى.
استراتيجية كامبوش في التعاقد كانت تهدف كذلك إلى جلب عناصر خبرة لا يزال مستواهم جيداً وممكن التعاقد معهم مقابل أثمنة قليلة؛ لذلك قام بجلب أبيدال، وكارڤالهو، وبيرباتروڤ مجاناً ليستفيد الشبان الصغار من خبراتهم.
مع نجاح الموسم الأول وتحقيق الوصافة وبروز النجوم والشبان أصبحت لدى كامبوش صلاحيات أكبر من طرف المسيرين في تحويل المشروع إلى الربح التام من خلال التركيز على التنقيب على المواهب.
فريق الإمارات قام ببيع خاميس رودريغيز لريال مدريد مقابل 63 مليون يورو وإعارة راداميل فالكاو لمانشستر يونايتد. مع التحول في الرؤية، قرر كامبوش إقالة رانييري لأنه لا يتناسب مع رؤية المشروع الجديد والتعاقد مع مدرب مغمور اسمه ليوناردو جارديم الذي قد اكتشفه كامبوش في البرتغال وأعجب به بسبب اعتماده على الشباب، وطريقة لعبه الهجومية ومجاورة عدة لاعبين من بلدان مختلفة.
كامبوش كان دائما يمتلك الجرأة والثقة في قدراته على الكشف عن المواهب، لذلك لم يكن لديه مشكلة في شراء لاعبين من الفرق الرديفة مثل مارسيال كما قلنا سابقا أو بيرناردو سيلڤا الذي قرر كامبوش صرف 12 مليون يورو عليه وهو مع فريق بنفيكا "ب" في صفقة أثارت الشبهات آنذاك. لم يتوقف كامبوش هنا بل قام بالتعاقد مع باكايوكو كذلك صاحب الموسم الوحيد مع رين في سن 18 مقابل 8 مليون يورو، لم يتوقع أحد نجاح أياً من اللاعبين باستثناء البرتغالي.
كامبوش كان يعلم أن زمن الصفقات الكبيرة والرواتب الخيالية قد ولَّى ومن أجل الاستمرار في إظهار المواهب التي يتوفر عليها الفريق فيجب أن يحافظوا على مستوى رياضي جيد مع حضور أوروبي دائم، وهذا يمر بالبحث والكشف والتنقيب الجيد.
الدمج بين المشاهدة الحية من أرضية الملعب واستخدام البيانات والإحصائيات للحكم على اللاعب، تحديد نقاط يجب أن يتوفر عليها اللاعب من أجل التأقلم بسرعة مع المجموعة، التنقيب في بلدان ليست فيها منافسة كبيرة من أبرز نقاط قوة كامبوش الذي يتكلم عدة لغات: البرتغالية، الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية، الإيطالية.
مغادرة مارسيال مقابل 63 مليون يورو لليونايتد وكوندوغبيا لإنتر ميلان مقابل 36 مليون يورو لم تؤثر على فريق ليوناردو جارديم فالفريق كان يتوفر على فابينيو وتم توقيع عقد مبدئي مع توماس ليمار تأهباً لرحيل مرسيال مقابل 6 مليون يورو قبل بداية الميركاتو.
غادر كامبوش سنة 2016 تاركا فريق حقق بطولة "الليغ 1" بعدد نقاط تاريخي ووصل لنصف نهائي دوري أبطال أوروبا، القيمة السوقية للفريق كانت تساوي 288 مليون يورو، والفريق حقق صافي أرباح من البيع و الشراء يقدر ب241 مليون يورو!
من أبرز مبيعاته:
- بيع مبابي مقابل: 180 مليون يورو
- بيع ليمار مقابل: 70 مليون يورو
- بيع باكايوكو مقابل: 40 مليون يورو
- بيع فابينيو: 40 مليون يورو
اللوكسمبورغي جيرارد لوبيز قرر شراء نادي ليل الفرنسي بهدف ربحي، مالك فريق رينو في الفورمولا 1 سابقاً لم يخفِ نواياه بأن استثماره سيكون بهدف تحقيق أكبر عائد من البيع للاعبين، لوبيز لم يكن يفهم كثيراً في كرة القدم، ولكنه سمع وبحث كثيراً عن لويس كامبوش؛ لأنه يلائم ما يبحث عنه.
موسم كامبوش الأول كان صعباً، فرغم التعاقد مع مدرب كبير كبييلسا فإنه لم يكن اختيار البرتغالي وكانت دائماً هنالك مشاكل بين الثنائي: 16 لاعباً جاؤوا و18 غادروا، كانت الأمور صعبة لتتم إقالة بييلسا بعد مرور 13 جولة فقط. بصلاحيات تامة هذه المرة أكمل كامبوش أصعب موسم له في مسيرته كمدير رياضي بتعاقده مع مدرب طموح مثل غالتييه الفرنسي، ورغم ذلك أنهى الفريق البطولة في المركز 17 بصعوبة متفادياً الهبوط.
الصيف الثاني لكامبوش على رأس الإدارة التقنية لليل كانت غير مبشرة، ميزانية تقل عن عشرة ملايين يورو فقط، ولكن بفضل دهائه استطاع البرتغالي قلب الأمور لواحدة من أفضل فترات التعاقدات الصيفية، أول خطأ قام بإصلاحه هو عدم جلب لاعبين خبرة، فأتى بلويس فونت الذي كان يعاني في الصين، وجيريمي بيي، ولويك ريمي. جاؤوا ليكونوا قدوة للشباب، ولمَ لا تقديم إضافة رياضية! وهو حال فونت الذي كان أحد أفضل المدافعين في ليغ 1 موسم 2018/2019.
سياسة انتداب اللاعبين مجاناً تواصلت بخطف رافايل لياو من سبورتينغ لشبونة مجاناً وجناح سانت إتيان جوناثان بامبا، سوماوري من رديف باريس سان جيرمان.
ولكن الصفقة التي فاجأت الكل كانت هي استقدام ظهير من الدوري التركي الدرجة الثانية مقابل 2 مليون يورو اسمه "زيكي شيليك" من فريق إسطنبول سبور.. مع نهاية الموسم نال زيكي جائزة أفضل ظهير وأصبح عنصر أساسي مع المنتخب وارتفعت قيمته التسويقية لـ32 مليون يورو.
الانتدابان الجديدان في الهجوم بامبا ولياو ساهما في 22 هدفاً، ولكن ليس فقط عمل كامبوش في صيف 2018 الذي ساعد الفريق على تحقيق الوصافة بأداء رائع، ولكن كذلك صفقات الفترة الأولى التي انفجرت مثل نيكولاس بيبي.
الجناح الإيڤواري سجل 22 هدفاً وعمل 11 أسيست. أرقام جعلته ينتقل للأرسنال مقابل 80 مليون يورو، ولاعب آخر أظهر قدراته هو جوناثان إيكوني (13 هدفاً و3 أسيست).. سجل هجوم الفريق آنذاك 68 هدفاً وحققوا انتصارات على جميع كبار الدوري: ليون، مارسيليا، سانت إتيان، موناكو، بوردو وباريس سان جيرمان بخماسية.
يقول كامبوش: "أعلم أنه لا يمكننا جلب لاعبين من فرق كبيرة، لذلك نبحث عن لاعبين من مناطق نستطيع الانتداب منها أو البحث عن لاعبين من فرق الرديف، بناء فريق هو مثل بناء البازل.. لا يكفي أن يكون اللاعب جيداً فقط، ولكن أن يكون هناك تفاهم بين جميع مكونات الفريق، وهو ما كان ينقصنا في الموسم الأول، كرة القدم رياضة جماعية وأكبر خطأ يرتكبه بعض الكشافة هو الاكتفاء بمستوى اللاعب وعدم الاهتمام بأسلوب الفريق، العقلية (..) نعمل على ست مناطق ثابتة وواحدة أخرى في فرنسا بالإضافة لمناطق كثيرة متغيرة".
يكمل: "فريقي يتكون من ستة كشافين، كل كشّاف لديه ثلاث مناطق لتحليلها، كل كشّاف يبقى في منطقة لمدة شهرين ونصف قبل أن يتحرك، الكشّاف الذي يعوضه في تلك المنطقة يحصل على معلومات الكشاف السابق. نقسم اللاعبين لثلاثة مستويات من ناحية القيمة السوقية:
- من 0 إلى 3 ملايين يورو.
- من 3 إلى 6 ملايين يورو.
- من 6 إلى 9 ملايين يورو.
"مراقبة كيف يقوم اللاعب بالإحماء أمر مهم، لأنه قد يعطيني تعريفاً لشخصيته، مدى التزامه.. أو كيف يتعامل إذا بدأ من دكة البدلاء، الشخصية أمر مهم جداً ونضعها في أولوياتنا في التعاقد".
حقق نادي ليل خلال فترته أرباح تُقدر بـ304 ملايين يورو من بيع اللاعبين صافية وقيمة الفريق الآن 280 مليون يورو!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.