المثل الشامي القائل: "قتل القتيل ومشى في جنازته" يناسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حضوره مراسم جنازة الرئيس التشادي الراحل، إدريس ديبي. فإن تخلي فرنسا عن حليفها ديبي جعل منه هدفاً واضحاً للمتمردين التشاديين الذين تمكنوا من اغتياله في 19 نيسان/أبريل الماضي، بهدف زعزعة الاستقرار في البلاد وقلب نظام الحكم القائم.
وقد أعاد الحدث التداول الإعلامي والنقاش بشأن الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، فحصاد ثماني سنوات من التدخل العسكري الفرنسي كان مزيداً من تأزيم الأوضاع، بشكلٍ غير مسبوق، على الأصعدة الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة. واغتيال ديبي سلط الضوء على استراتيجية واضحة لطالما رسمتها باريس في القارة السمراء.
إن دفن الرئيس التشادي قد لا يكون نهاية للمفاجآت التي تشهدها الساحة الإفريقية التي تفتقر غالبية دولها الفقيرة إلى مقومات الاستقرار السياسي. وتشكل التركيبة المعقدة للخارطة السكانية في العديد منها، والتي تجمع بين الولاء للقبيلة والانتماء للوطن، أهم عوامل عدم الاستقرار.
لكن اغتيال ديبي يفتح الباب واسعاً أمام تطورات أشد خطورة على مستقبل تشاد وشعبها، خاصة أن المتمردين الذين قتلوا ديبي في معارك معهم، مصنفون ضمن الجماعات الإرهابية التي ترتبط بالقاعدة ومنظمة بوكو حرام، حيث تتنقل تلك التنظيمات عبر الحدود الشاسعة مع ليبيا في منطقة صحراوية يعرفون تفاصيلها جيداً.
ومن غير المؤكد أن يتمكن الجيش بقيادة الجنرال الابن من تنفيذ وعوده السياسية بإجراء انتخابات ديمقراطية في غضون 18 شهراً هي المرحلة الانتقالية بقيادتهم، في ظل استمرار المواجهات التي احتدمت مؤخراً مع المتمردين، بينما توقف الدعم العسكري الفرنسي لأسباب لا تُعلن باريس عنها.
فقد شهدت منطقة نوكو عاصمة منطقة شمال كانيم الواقعة على بعد 300 كيلومتر شمال العاصمة نجامينا غرب تشاد، الأسبوع الماضي، معارك بين القوات الحكومية ومتمردين أكد الجيش في أعقابها أنه دمر رتلاً للمتمردين في حين خسرت قواته مروحية بعدما تحطمت، من دون تحديد الخسائر البشرية.
وتأتي هذه المعارك التي تشهدها البلاد في يوم وصول "بعثة لتقصي الحقائق" تابعة لمفوضية الاتحاد الإفريقي للبحث في "الوضع السياسي والأمني" في البلاد. هذه المهمة التي تستغرق سبعة أيام هدفها "دراسة الاستراتيجيات التي تهدف إلى تسهيل العودة السريعة إلى النظام الدستوري والحكم الديمقراطي".
يُذكر أن وسائل إعلام أوروبية كبرى مثل يوروبورتر نشرت صوراً للأقمار الصناعية لقاعدة تمنهنت بالقرب من سبها بليبيا في يناير/كانون الثاني 2021، والتي تظهر فيها القوات الفرنسية، مما يُشير إلى تورط فرنسا في تدريب المتمردين التشاديين. فعلى الرغم من الدعم الفرنسي السابق لديبي، امتنعت باريس هذه المرة عن مساعدته في القتال ضد المتمردين.
ويُشير خبراء إلى أنه إذا لم تشارك فرنسا في تصفية إدريس ديبي، فإنها على الأقل لم تتدخل في الأحداث التي أدت إلى مقتله. وهذه ليست ممارسة جديدة بالنسبة لفرنسا، التي ساعدت، على سبيل المثال، العديد من رؤساء جمهورية إفريقيا الوسطى على الوصول إلى السلطة، ثم دعمت الانقلابات المسلحة ضد من وقف تحت رايتهم.
الأزمة في تشاد ستعزز الفوضى في جميع أنحاء المنطقة وتسهل حركة الجماعات المسلحة التي ترعاها فرنسا بهدف ضمان السيطرة والاستفادة من موارد البلاد. وفي السياق ذاته، دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مؤخراً، فرنسا لسحب قواتها من تشاد، وعدم التدخل في شؤونها، داعياً المجلس العسكري بالبلد الإفريقي للإسراع في تسليم السلطة للمدنيين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.