أصبح يوم الأرض في الثلاثين من مارس/آذار من كل عام يوماً وطنياً للشعب الفلسطيني بكافة أماكن تواجده؛ حيث هبّ عرب الداخل الفلسطيني في اليوم المذكور من عام 1976 رفضاً لسياسة التهويد ومصادرة الأراضي، وقد سقط خلال ذلك ستة شهداء وعشرات الجرحى برصاص جيش الاحتلال الصهيوني. وخلال انتفاضة القدس المتجددة أكد عرب الداخل من جديد نصرتهم بقوة لصرخة الأقصى والمقدسيين ومحاولة تهجير أهالي حي الشيخ جراح. وقد زحف الآلاف من عرب الداخل للرباط في الأقصى ومناحي القدس المختلفة لمؤازرة المقدسيين؛ جنباً إلى جنب مع المظاهرات المناهضة لسياسات دولة الاحتلال التهويدية الإجلائية، في كافة المدن والقرى في الداخل المحتل، في يافا وحيفا واللد وأم الفحم وغيرها؛ الأمر الذي يؤكد وحدة الوطن والشعب الفلسطيني، وقد عزز ذلك أيضاً حراك الجاليات الفلسطينية في المهاجر القريبة والبعيدة؛ نصرة لقضيتهم.
محاولة طمس الهوية
سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ 1948 إلى قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت، في الوقت نفسه، استيعابها ودمجها في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه في كل مناحي الحياة. كما طبقت المؤسسات الإسرائيلية سياسات محكمة لطمس الهوية العربية عبر تفتيتها، فحاولت جعل الدروز والشركس قومياتٍ منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة. وقد مرّ العرب في داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2020، وأشير إلى الفترة الأولى (1948 – 1966) أنها فترة حكم عسكري، نظراً لكثرة الإجراءات والقوانين العسكرية، فتم خلالها إصدار السلطات الإسرائيلية (34) قانوناً بغرض مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية، سواء التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو إلى أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير التي طردوا منها. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في نهاية مارس/ آذار 1976 حين صادرت المؤسسة الإسرائيلية نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى في الجليل والمثلث.
وعلى خلفية ذلك، قامت الأقلية العربية في أرضها بانتفاضة يوم الأرض في 30 مارس/آذار من عام 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من هذه القرى كما أسلفنا، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده في الداخل والشتات، فتتجسد في اليوم المذكور الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض، وضد أن تصادرها سلطات الاحتلال. ولم تتوقف السياسات التهويدية الإسرائيلية ولو للحظة، وقد شهد العقد الأخير نشاطات استيطانية كثيفة في كل أراضي فلسطين التاريخية، سواء في منطقة الجليل أو منطقة النقب أو في الضفة الغربية بما فيها القدس التي تواجه نشاطاً استيطانياً محموماً، وخصوصاً في الأحياء العربية، بغرض تهويدها وفرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليها. ولهذا اعتبرت حكومة نتنياهو القدس "أولوية قومية".
من الملاحظ أنه على الرغم من مرور ثلاثة وسبعين عاماً على إنشاء إسرائيل، لم تستطع مؤسساتها فرض الواقع الديمغرافي اليهودي بشكل مطلق، حيث يشكل العرب نحو 20% من إجمالي سكان إسرائيل، أي مليون وخمسمائة ألف فلسطيني، ناهيك عن أن العرب أكثرية في منطقة الجليل. ولكن في مقابل ذلك، وتبعاً لمصادرة جيش الاحتلال الأراضي العربية بذرائع الأمن، فإن الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون وخمسمائة ألف عربي فلسطيني، فإنهم لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل.
ولهذا ثمة ضغوط إسرائيلية مدروسة كثيفة ومتشعبة على الأقلية العربية، لتحقيق الهدف الديمغرافي، بعد مصادرة المساحة الكبرى من الأرض الفلسطينية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم معاناتها، فبينما لا تتعدى معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي 9%، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى أكثر من 20%. وبسبب ضعف الخيارات، يرتاد 44% من الأطفال العرب رياض الأطفال، في مقابل 95% للأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات. ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع. ونتيجة للتمييز في موازنات التعليم، ارتفعت معدلات الأمية بين العرب إلى 12% مقابل 5% بين التجمع اليهودي الاستيطاني. وبغرض الإخلال بالوضع الديمغرافي لصالح الرؤى الإسرائيلية، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططاتٍ لتهويد الجليل والنقب، لكسر التركز العربي في المنطقتين، عبر مسميات مختلفة، في مقدمتها ما تسمى مشاريع التطوير.
شرعنة التهويد والاحتلال
لم تنحصر سياسات إسرائيل العنصرية بمجال محدد، بل تعدت ذلك لتشمل مناحي الحياة كافة للأقلية العربية، حيث أصدرت إسرائيل قوانين جائرة لتغيير مناهج التعليم العربية وحذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني والإسلامي وإجبار فلسطينيي الداخل على الالتزام بالمناهج الإسرائيلية، فضلاً عن فرض الضرائب الباهظة على الفلسطينيين بنسبة أعلى من نظرائهم اليهود. وتمّ إصدار رزمة من القوانين العنصرية خلال السنوات الأخيرة كان أخطرها قانون القومية. وقد تضمنت حملة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة شعارات وخطابات دعت بمجملها إلى تهميش الأقلية العربية في المجالات كافة، وذهبت بعض الشخصيات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك عبر دعوتها إلى طرد الأقلية العربية. ولهذا يجب الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني التي تأكدت وترسخت إبان انتفاضة الأقصى المتجددة، والتي شارك فيها بشكل شاسع عرب الداخل الفلسطيني الذين يشكلون 11% من إجمالي الشعب الفلسطيني. بالوحدة الوطنية يستطيع الشعب الفلسطيني إفشال وإسقاط كافة السياسات التهويدية على امتداد الوطن الفلسطيني وخاصة في مدينة القدس وجنباتها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.