لم يعانِ الاحتلال الصهيوني في فلسطين كما يعاني هذه الأيام من جيل التحرير الذي بشر به الشيخ أحمد ياسين يوماً ما، وجيل التحرير الذي تقوده المقاومة الفلسطينية في غزة يمتد عملياً في أنحاء العالم، حيث التأييد الواسع لحقوق الفلسطينيين في وطنهم، ولم تعد سيطرة الصهيونية العالمية على وسائل الإعلام القوية هي المؤثر الوحيد وسط عالم الإنترنت، وما يتفرع منها من خدمات.
في فترة رئاسة "ترامب"، جاء اليهودي الأمريكي جاريد كوشنر إلى المنطقة العربية حاملاً خطة عمل مبنية على أفكار خاطئة عن حقيقة الصراع في فلسطين، وعمل جاهداً على تحقيق ما يسمى "صفقة القرن"، وقد كان حديثه في مؤتمر البحرين في حينه عن فساد السلطة الفلسطينية من نواحٍ مالية وإدارية، وأن معاناة الفلسطيني هي معاناة مالية، وأن صفقة القرن ستجعل الفلسطيني يعيش في ظروف مادية وخدمات أفضل.
الحقيقة أن الفلسطينيين قدموا آلاف الشهداء من أجل تحرير الأرض المقدسة من المحتل الصهيوني، وهذا هو الهدف، وليس تحسين ظروفهم المالية في وجود الاحتلال! وهذا ما تجاهله عامداً أو بجهل حقيقي "كوشنر" ومعه قيادات الصهيونية التي ما زالت رغم مرور ثلاثة أرباع القرن تخوض معركة خاسرة حتى لو استطاعوا إطالة عمرها.
الهتاف التاريخي المستمر من الفلسطينيين والأحرار في العالم "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، هو الفكر الحقيقي لهذه القضية، الذي يعلن من خلاله صاحب الحق "الفلسطيني" أن روحه ودمه هما فداء من أجل تحرير فلسطين، والقضية في مرجعيتها الحقيقية قضية إسلامية تم اختزالها بمرور السنوات إلى قضية فلسطينية!
الفكر الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع الموضوع لا يختلف باختلاف الإدارات، الرئيس الأمريكي "بايدن" قالها بوضوح "إسرائيل" لديها الحق الكامل في الدفاع عن نفسها في وجه الصواريخ التي تطلق عليها من غزة. إذاً هذا الفكر لا يريد أن يرى الحقيقة، ولن يرى حقوق الفلسطينيين في وطنهم بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية؛ وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي فعلاً من تعاملت كما ينبغي باستمرار القتال؛ لأن القتال وحده هو ما يغير المعادلة، وهذا ما يحدث حالياً، وأيضاً هنالك عوامل مؤثرة أيضاً لابد من الحديث عنها.
الجيل الفلسطيني الحالي الذي يواجه الاحتلال هو الجيل الثالث منذ بداية الاحتلال، ويمكن رؤية الفارق بينه وبين من سبقه من أجيال من خلال عدة مشاهد على أرض الواقع، فالمقاومة في غزة هي واجهة هذا الجيل، وقد تطورت قدراتها بشكل هائل؛ منذ عام 2001 والبداية بصواريخ قسام (1) ومداه 3 كيلومترات واستمر التطور إلى قسام (2) وقسام (3) ومن ثم M75 الذي وصل مداه إلى 75 كيلومتراً.
عام 2014 تنوعت الخيارات بداية من صاروخ سجيل S55 ويصل إلى 55 كيلومتراً وصاروخ J80 ومداه 80 كيلومتراً وR160 بمدى 160 كيلومتراً ومن ثم A120 و SH85.
التطور الأكبر بدأ في الحرب الحالية، حيث أحيت المقاومة ذكرى الشهيد المهندس يحيى عياش، الذي قض مضاجع الاحتلال في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وذلك بصاروخ عياش 250 الذي يبلغ مداه 250 كيلومتراً بقوة تدمير ضخمة، وتحدث أبوعبيدة الناطق باسم المقاومة بأن الصواريخ الأكثر تدميراً لم تستخدم بعد!
على الجانب الآخر لتطورات الجيل الفلسطيني هو حضور الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 1948 والذي أصبح مؤثراً للغاية، إضافة لفلسطينيي الشتات المنتشرين في العالم أيضاً وهم مؤثرون جداً في المقاومة أو معركة التحرير بأشكال عديدة، ومنها قد يكون الدعم التقني والمادي، ومنها ما لم يسمع بتفاصيله أحد، ولذلك فإن الكيان الصهيوني أصبح فعلياً يعاني أزمة وجود، وهو الذي كان سعيداً ببعض اتفاقيات التطبيع التي لم تكن إلا هدايا لتعزيز موقف الليكود ورئيسه في الانتخابات، ولكن ما هو مصيرها بعد انحسار موقف الليكود؟! مجرد حبر على ورق ليس أكثر.
المعادلة على الأرض تغيرت فعلاً، وحل الدولتين ونظريات السلام مع الاحتلال قد تكون هدفاً مرحلياً في نظر من سعى لها في حينها، ولكنها خطأ استراتيجي من وجهة نظر جيل التحرير بقيادة المقاومة المدركة جيداً بأن الاحتلال لن يقدم شيئاً على أرض الواقع من خلال المكاتب والمفاوضات.
الرهان القادم يأتي من خلال إدراك تأثيرات ما يحدث حالياً في فلسطين بغض النظر عن النتائج الحالية على الأرض، لأن الفلسطيني اليوم تغير كثيراً، ويمتلك أكثر من إرادة التحرير، فالسلاح أصبح صناعة محلية، وهنالك الكثير من الخبرات التي تقوم بتطويره، وقيادة المقاومة جريئة جداً وتمتاز بالحيوية والتجدد، فإذا استشهد البعض، فإن هنالك الكثير من المؤهلين لحمل راية التحرير.
في المحيط العربي يجب أن تصغي القيادات للواقع الحالي، وأن يتم البناء على مكتسبات الأحداث الحالية، المقاومة هي مصدر القوة التي يجب دعمها سواء علناً أو سراً، ويجب أن تعود القيادات لإرادة الشعوب، لأنها ستنتصر لا محالة، فالمقاومة الفلسطينية التي توهم الاحتلال أنه قد فتك بها في حرب 2014 عادت أقوى مما توقع الجميع؛ وأظهرت قدرات عسكرية هائلة غير مسبوقة في الصراع مع المحتل، ولذلك هي التي ستتحكم باتجاهات المرحلة القادمة، ورهان بعض العرب على العلاقة مع المحتل رهان خاسر، وأثبتته سابقاً نتائج اتفاقيات كامب-ديفيد ووادي عربة على مصر والأردن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.