لماذا يتزايد حب العنف بين الشباب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/17 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/17 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
A shadow of a hand holding a gun in his hand.

ربما صادفك أحدهم في الشارع أو السوق أو الجامعة، يجادلك ويحاول استفزازك وإهانتك أمام الآخرين، ممنياً نفسه فرض سطوته عليك. لا تقلق.. كلنا تقريباً واجهتنا هذه المواقف، وتساءلنا: لماذا يتزايد العنف لدى الشباب؟

قد تكون الإجابات غريبة، ولكن ما يهمنا هو سبر أغوار الحقيقة لنكتشف عالم العنف لدى هذه الشريحة، لأن هذه النوعية من الشباب تأخذهم خيالات الوحدة وأوهام السراب إلى حيث لا يعلمون، فيكون شرودهم وعدم استقامتهم سبباً من أسباب الشقاء لنا ولهم.

وتتبدى المظاهر التبريرية للممارسة العدوانية في أشكال مختلفة؛ فمنهم من يراها وسيلة مشروعة تحقق غاية نبيلة، ومنهم من يراها نموذجاً جاذباً يحقق مكانة مجتمعية متصورة، ومنهم من يستلذ ويستمتع بإيذاء الآخرين، ومنهم من يعتقد أنها أداة فعالة تأخذ نسق المحاكمة وتريحهم من شعور الضعف والانهيار.

فكيف يتزايد العنف لدى الشباب؟

مبدأ تقديس القوة

تقوم الثقافة العنيفة على فرض الأمر الواقع بالقوة، واستغلال كل الوسائل الممكنة لتحقيق غرض الهيمنة على الآخر. وتعكس هذه المشهدية شبه اليومية واقعاً مأزوماً لدينا، فقد باتت المحاكاة سمة بارزة في تصرفات الشخصية العدوانية. محاكاة تنسج خيوطها من أطلال مرويات شعبية متوارثة تقدس العنف وتشرعنه، وتضخم الذات الفحولية لديه وتفصلها عن القيم الإنسانية. وهذه الرؤية ليست اختزالية، لأن من عاش في مجتمع يسوده الفقر والظلم والتباغض يعلم تماماً أن الرؤية كاملة وصادقة، ويعلم أن تقديس القوة نابع من نموذج المحاكاة الذي نراه ماثلاً أمام أعيننا، مثل المصارعة الحرة وألعاب الفيديو.

والشخص العنيف لديه هوية ذاتية تنطوي على تصورات تعميمية، فيكون فيه شغف متصاعد، ولذة غامرة، وإحساس طاغ يشعره أن وجوده لا يتحقق إلا من خلال العنف، فتصبح محاكاة القوة لديه دافعاً أساسياً، تعطيه الزخم المطلوب لاستمرار إرهابه على الآخرين، لا سيما إذا لقي تأييداً من أقرانه، وإعجاباً من أهله وعشيرته من باب أن "البيت الذي لا يحتوي على أزعر حقه ضائع"!

دماء على ضفاف الدراما

أمام شاشات التلفزة التي تترشح احمراراً وهي تبث الممارسات الإجرامية، يقف المرء حائراً متسائلاً: هل هذا هو الواقع فعلاً؟ وإن كان كذلك فلماذا نزيد من ترسيخه لدى الشباب؟ أم أنه تشجيع مبطن للشباب لارتكاب الجرائم؟

إن أكثر ما تقدمه شاشات التلفزة هو نموذج التناقض في الشخصيات الدرامية، إذ تقدم هذه النماذج من زاويتين مختلفتين، زاوية هجومية عدوانية متسلطة، وأخرى متسامحة وخفيفة الظل. ولذلك، فهذه الشاشات تعتبر أداة هدامة للمجتمع، وتتجاوز قضية العنف الموجودة حقاً إلى خلق تصورات سلبية تشجع على مأسسة الإجرام وقبوله.

ولذا، أصبحنا نرى المسلسلات الموجهة والأفلام العابرة للقارات تشجع المظلوم على تحصيل حقه المهضوم من خلال الوسائل غير المشروعة، سواء بالنصب والاحتيال أو الحرق والضرب. فهي تشجعه على أخذ حقه بيده، وتعدم أمامه كل الوسائل المشروعة، وتصور له المحاكمة القانونية على أنها مسرحية هزيلة لا تنفع إلا للضعفاء! وهكذا تتولد فكرة المظلومية، فتحدث بداخل الإنسان انقلاب مروع، واحتجاج على حياته ككل.

الفراغ وعدم اكتشاف الذات

تتبلور الممارسة العدوانية لدى الشباب كلما زادت أوقات فراغهم، وقلت فرص اكتشاف ذاتهم. فالفراغ وعدم اكتشاف الذات ينهشان الجسد كالسرطان، ولا يتركان آلية عقلية تحاكم، وتتصور، وتتساءل، فتتولد لديه العدمية واللامبالاة، ويستغل ما عنده من سلاح أو عضلات لإثبات وجوده.

ومع زيادة شعور الإنسان باليأس، خصوصاً عندما يكون فقيراً، يتزايد ميله نحو اتهام الآخرين أو ما يسمى "مبدأ إلقاء اللوم"، فيستغرق الظلم عقله وقلبه، مما يؤدي به إلى توجيه سهامه النارية المؤذية ضد الآخر، وضد من يعترض طريقه حتى لو كان بريئاً.

طريق النجاح السهل

تعتقد الشخصية العنيفة أن طريق النجاح ليس سهلاً، ويحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، خصوصاً في بلدان تنتشر فيها الشللية والمحسوبية. ولذا، فإن إخضاع الآخرين وترهيبهم هو مشروع ناجح بامتياز – حسب اعتقاد الشخصية العنيفة – لا سيما إذا ترافق مع ذلك فرض إتاوات على الناس. والأمر لا يحتاج إلى عناء كبير، فهو يقوم بضرب شخص أو شخصين ويجعلهما عبرة لمن لا يعتبر، ثم يبدأ بترويج هذا الحدث على الناس وبشكل تداولي!

وعلى ذلك، يبزغ نجم الشخصية العنيفة بين الشباب، ويحلق اسمه بين أرجاء المعمورة، ويكتسب الاحترام والتبجيل منهم! وعندما يبرز أكثر فأكثر، يبدأ بعرض خدماته على الآخرين لتنفيذ مهامه السيئة، بل ربما ينضم لإحدى المافيات المشهورة، وبالتالي تتوفر لديه السيولة المالية اللازمة لإكمال مشروعه الإجرامي.

أخيراً، إن العنف المتزايد لدى الشباب تحركه عوامل كثيرة، من نزعة نحو القبلية الضيقة، وعدم رحابة صدر تجاه الخلافات والاختلافات، واتجاه متصاعد يفسر العنف على أنه سلوك اعتيادي لدى هذه المرحلة العمرية. 

والحقيقة أن الإنسان تتجلى قوته من خلال استقلاليته وإبداعه، وتحكمه بغضبه، والتزامه بالفضيلة وسمو النفس، ومغالبة الظروف الصعبة بالحكمة وليس باستعراض عضلاته على الآخرين، فالعنف لا يعبر إلا عن نفس ضعيفة وفاقدة للثقة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد كامل العمري
كاتب أردني
أردني الجنسية، المولود في مدينة "إربد" بتاريخ (٩/٤/١٩٩٥). حاصل على بكالوريوس في تخصص "العلوم المهنية" من "جامعة البلقاء التطبيقية" وحاصل على دورات في المجال الإنساني من "جمعية وقاص الخيرية".
تحميل المزيد