لست من دراويش برنامج رامز جلال بأي حال من الأحوال، لكن فضولي حيال ضيوفه كان يدفعني لمشاهدة حلقة وراء أخرى، هؤلاء الذين قبلوا أن يحصلوا على مقابل للإهانة والإيذاء البدني والنفسي مقابل سخاء الجهة المنتجة للبرنامج الأشهر في شهر رمضان، والمذاع على قناة MBC هذا العام "رامز عقله طار".
يتردد عبر تتر المقدمة صوت الكورس "رامز عقله فوت.. رامز عقله طار" لتتوالى الكلمات العامرة بالنرجسية الشديدة "ومعنديش خواطر ومعنديش هزار.. فوق واعمل حسابك إنك باختصار انت يا دوب تمامك هنا دوسة زرار!".
قبل أن يظهر رامز بملابس غريبة، وتسريحة شعر أغرب بكثير، معلناً أنه هذه المرة على أرض المملكة العربية السعودية، يدبر المقالب من الرياض "قلب السعودية والسعوديين" ويخبر مشاهديه في البرومو: "الرعب أنواع وأنا بفضل أقوى نوع.. الخطر مستويات وأنا دايماً بختار أعلى مستوى.. واللي هايعصلج ويقول لأ.. هايتزق".
هل كان "رامز عقله طار" حقاً؟
بدأ الهجوم على برنامج رامز مبكراً هذا العام، صحيح أن أحداً لم يقاضيه كما هو الحال في كل عام، ربما لأنه تم أخذ الاحتياطات القانونية كاملة، لكن هذه المرة بدأ الاعتراض منذ تسريب الاسم المبدئي للبرنامج، قبيل العرض بفترة قصيرة، حيث أشيع أنه سيحمل اسم "رامز مريض نفسي"، كان ذلك قبل ظهور البرومو الخاص بالبرنامج.
لا أحد يعرف حقيقة هل كان اسم البرنامج بالفعل يحمل الاسم المذكور أم لا كما تداولت وسائل الإعلام المصرية، لكن رامز الذي يحرص على الابتعاد التام عن الصحافة والتعليق على أي مما يتعلق بالبرنامج في كل عام، لم يعلق كالعادة، ولم يكن ليغير شيئاً في العموم ما دام يثير الغضب والهجوم، الذي يعني بدوره زيادة في نسب المشاهدة، لذلك أظن بشكل خاص أن البرنامج لم يكن يحمل ذلك الاسم من الأساس، ربما كانت محاولة مبكرة للفت الأنظار لا أكثر.
فنون الإهانة
اختلفت الإهانات الموجهة من رامز لضيوفه هذا العام، فمن التلميح والجمل المحتملة إلى الإهانات المباشرة والعنيفة والمخزية أيضاً، والتي انقلبت في أوقات عديدة إلى تحرش صريح بالسيدات، كما جرى مع سمية الخشاب التي وصفها بأنها تتزوج من أجل المال، متحرشاً بقوله: "الاستكاوزاية والوحش الإسكندراني، الجسم بلطي والوسط لباني، إسكندرية ياما حدفت علينا مواهب، معانا ناقة تائهة في مجال الفن، وفي خامس جوازة لها افتكرت إنها صغيرة على الحب، وبثت الفرح على السوشيال ميديا والفرح اتقلب طهور، معانا بطروخ الفن العربى وبكلاويز الغناء".
قام رامز بتأليف أغنية ساخرة بعنوان "سمية زمانها جاية"، قال فيها "سمية ست قوية جوازاتها حوالي 100 وعملت قرشنات، بس آخر جوازة اضربت لما عرف انها نايمة على خميرة درهم على جنيه، هنرميها قوام في المية وتبقى من الأموات".
السخرية امتدت لمحافظات مصر في تلك الحلقة بالذات، حيث سخر من ملابسها قائلاً: "رايحة أسبوع الموضة في الدقهلية، وعاملة تسريحة مها صبري في بين القصرين، وبتصبغ شعرها كركديه عند العطار". في المقابل علقت سمية عقب عرض الحلقة بأنها استمتعت، وحين عاتبها المعلقون على ظهورها بصحبة رامز قالت "لسانه عاوز قطعه ربنا يهديه".
البعض احترف الإهانة مقابل المال كما هو الحال مع "ويزو"، التي تظهر مع رامز عاماً بعد آخر، وصفها هذا العام بـ"عدوة الدايت الأولى، الحاصلة على براءة اختراع في ساندوتش الكشري بالمفتقة"، وقال "الحمل تقيل والشيلة كبيرة.. بس المهم الضحك.. والناس اللي بتلوم علينا وبتقول إننا بنتنمر بيها.. أقولهم زمايلها مسمينها لاظليظلو.. والتيشيرت اللي هي لابساه ده 12 إكس لارج، ومفيش كادر على مقاسك".
لكن أحداً لم يُصمت رحاب الجمل، والتي بدت مقيدة بسبب العقد الملزم بيها وبين البرنامج استاءت من المقدمة المهينة التي وصفتها بـ"رنجة الشاشة وطرشي الفن، طلتها تفكرك بريحة المغربلين، لسانك طويل وغاوية شتيمة وسباب، يا خبر أسود على الخدين، دي منجداهم، عايزة قلمين على الخدين دول يطروشوكي" قررت أن تثأر لنفسها ولو بالوعيد قائلة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "أنا طرشي الوسط الفني يا برص.. إنت مقالبك فيها جنان.. لكن أنا مقالبي فيها غباوة لازم أردلك المقلب إنت وفريق الإعداد اللي عاملين أصحابي وسلموني".
الأرقام خذلته!
في مثل ذلك التوقيت من العام الماضي كان رامز يباهي بنسب المشاهدة الضخمة للبرنامج "رامز مجنون رسمي" في العام الماضي، الذي تحظى صفحته الرسمية بأكثر من 19 مليون مشترك، لم يحظَ بالإقبال الذي شهده على مدار السنوات الماضية، في الواقع راح المعلقون يعربون عن استيائهم من البرنامج وفكرته ووصفوه بـ"الممل".
حظي تتر رامز مجنون رسمي في العام الماضي بـ24 مليون مشاهدة، وحصد تتر رامز تحت الصفر قبل عامين أكثر من 22 مليون مشاهدة، بينما تتر هذا العام لم يتخط الـ13 مليون مشاهدة، الانخفاض الحاد والواضح في نسب المشاهدة انسحب أيضاً على حلقات البرنامج، حتى إن أهم ضيف استضافه هذا العام وهو محمد هنيدي لم تتخط مشاهدات الفيديو الخاص به 3.4 مليون مشاهدة، بينما حظيت حلقة هنيدي في برنامج رامز عنخ آمون قبل خمس سنوات بـ8.3 مليون مشاهدة.
خطأ هيئة الترفيه الفادح
مدينة الرياض واحدة من أبرز المدن، كونها عاصمة المملكة، تضم العديد من وسائل الترفيه، كان لدي فضول خاص أن أعرف هل تلك التي ظهرت بالبرنامج مدينة ملاهٍ حقيقية أم مجرد ديكور ضخم!
راجعت البيان الرسمي الصادر عن الهيئة العامة للترفيه السعودية، بشأن البرنامج الذي ترعاه الهيئة هذا العام، لكنها لم تذكر اسم الملاهي فقط، قالت "أحد المواقع في مدينة الرياض".
فيمَ كان يفكر السيد تركي آل شيخ حين أقدم على تلك الخطوة؟ في الواقع كان ذلك الدعم سقطة حقيقية، وبلا نتيجة تذكر، فإن كان الهدف هو الترويج للسياحة في الرياض، أدعو القائمين على الهيئة إلى مشاهدة الحلقات من جديد، بدا المكان موحشاً وكئيباً ومتصحراً، لم تظهر خلاله المدينة بشكل لائق يغري بزيارتها.
هل كان الهدف الترويج لمدينة ملاهٍ جديدة طور التأسيس؟ في الواقع لم يظهر سوى ثلاث لأربع ألعاب فقط بكل الحلقات، كأنما المكان فقير حقاً، ناهيك عن أن أكبر مخاوف المرء في الحياة هو ما حدث بالضبط، أن تركب لعبة ملاهٍ ثم تفقد السيطرة عليها، ترسخ في لا وعي المشاهدين أن المكان غير آمن، حتى وإن كان الأمر مدبراً، صارت حالة من عدم الأمان ترتبط بـ"باز لاند".
المكان الذي لم يقل اسمه الحقيقي بشكل واضح لن يعرف الزوار عنه شيء أبداً، في الواقع لا توجد ملاهٍ في الرياض باسم باز لاند، هناك الكثير من الملاهي مثل الحكير لاند والبعيجان، لكن لا ملاهي تحمل الاسم المذكور، لذا لا أظن أن الأمر دعاية لمدينة ملاهٍ بعينها، لأن باز لاند مجرد مكان خيالي، لكن يظل السؤال بذهني: ما هو الهدف؟!
لم يتم الإفصاح صراحة عن حجم الأموال التي تم إنفاقها في إنتاج العمل، لكن الحلقة 29 من البرنامج أعطت فكرة لا بأس بها عن كم الأموال المهدرة في صنع الماسك الخاص بشخصية بهجان -الرجل الهندي الذي يتقمصه رامز- في الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بحفر حمام سباحة على مساحة 30 متراً وعمق 6 أمتار استغرق العمل عليه 10 أشهر، ناهيك عن رافعات ناطحات السحاب التي جرى الاستعانة بها، نتحدث عن إنتاج خرافي ومبالغ وهمية، لكني مازلت أتساءل عن الهدف منها، إن لم يكن الدعاية لمدينة الملاهي فما الهدف؟
إساءة تركي آل الشيخ
"شكر خاص لمعالي المستشار تركي آل شيخ رئيس الهيئة العامة للترفيه" ترد الجملة في التتر الخاص بالمقدمة، سبقها ظهوره قبل عرض البرنامج في كواليس التصوير، ما دفع البعض للاعتقاد بأنه وقع ضحية لرامز قبل أن يتبين أنه داعم وممول للبرنامج.
أتساءل: هل شاهد تركي آل الشيخ الحلقات قبل عرضها، كيف وافق على فقرة البيت بول، تلك الفقرة التي تتركز فيها كاميرات التصوير وعيون ملايين المشاهدين على مؤخرة الضيف لتصيبه بندقية رامز، وسط ضحكات الجميع، لا تختلف الفقرة في حالة وجود سيدات أو فتيات، مصريات أو خليجيات، الكل حظي بتلك الإهانة بالتساوي، وسط ذهول شديد من صمت السلطات السعودية عن خروج فقرة مماثلة عامرة بالتحرش والإساءة الجسدية والنفسية من أرض سعودية!
لماذا فشل برنامج رامز هذا العام؟
الانهيار العنيف للبرنامج يأتي في رأيي بسبب تحول الإهانة من مجرد جمل عابرة ترد على سبيل تسخين الحلقة إلى نهج معتمد مقابل كميات الأموال المدفوعة للضيوف، السبب الثاني هو المبالغة الشديدة فعلى عكس المواسم السابقة التي حظيت بحضور نجوم كبار مثل أنطونيو بانديرس وشاروخان وباريس هيلتو، ونبيلة عبيد وغادة عادل وأمينة خليل ومحيي إسماعيل، لم يجد رامز هذا العام سوى وجوه من عالم الكرة لا يعرفها الأشخاص الذين لا يتابعون هذا العام، فضلاً عن وجوه خليجية غير معروفة في الوسط المصري مثل ريم عبدالله وعلي العلياني، شعرت أن ذلك الأخير جاء بغرض الإذلال فقط، هو الذي كان يهاجم رامز وأسلوبه الفج، صار فجأة ضحية يسخر منه رامز ومن وقوعه، شعرت في تلك اللحظة كأنما الإهانة وجهت للسعوديين عموماً، وليس لمذيع سعودي محترم يجله الجميع ويخبرونه رغم الإهانة بكلمات مثل "مرعوب بوقار، أنيق راق متزن" بأن مكانه مازال خالياً وأنهم بانتظاره ليعود لهم عبر الشاشة عبر هاشتاغ بعنوان علي العلياني مكانك خالي، في الواقع طلقات رامز لم تلطخ ثوب الإعلامي السعودي وحده، ولكنها لطخت أشياء أخرى كثيرة.
في الواقع تشوهت هوية البرنامج، فلا هو بقي مصرياً يضحك المصريين ومعهم العرب الذين يعرفون هويته جيداً ولا هو أصبح خليجياً، الأذواق تختلف ومحاولة المواءمة لم تبدُ ناجحة.
من عوامل الفشل الأكيدة هذا العام تلك اللحظة التي يظهر الضيف على الشاشة، فيبالغ رامز في الترحيب بطريقة مفتعلة "فلان جه.. فلان جه"، فلان الذي يوافق على الدعاية لمكان يزوره لأول مرة ولا يعرف عنه شيئاً يوافق على ارتداء زي غريب ويمسك بمطرقة شكلها أغرب، ليقول "تعالوا باز لاند".
في الواقع تأثر الطرفان بشدة، من ناحية أن البرنامج برأيي إساءة لهيئة الترفية السعودية، ومن ناحية أخرى تأثر البرنامج نفسه، والذي حظي بتراجع نسب المشاهدة لبرنامج المقالب الأشهر للمرة الأولى منذ بدء عرضه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.