تعتبر العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل استراتيجية منذ عام 1967، وقد أكدت إدارة بايدن من جديد الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري المطلق؛ حيث أشار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، مؤخراً، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، في تل أبيب، إلى "أن شراكة الولايات المتحدة أساسية مع إسرائيل والتزام واشنطن بدعمها مستمر"، وهو الأمر الذي يؤكد استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية.
يلحظ المتابع تجاوب الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل كحاجة جوهرية في قلب المنطقة العربية، التي تساهم بنحو 30% من إجمالي إنتاج النفط في العالم، فضلاً عن استئثارها بحوالي 60% من احتياطي النفط العالمي.
وتبعاً لذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بترسيخ علاقاتها مع إسرائيل في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك في انحياز الإدارات الأمريكية إلى جانب الرؤى والتصورات الإسرائيلية إزاء القضايا الفلسطينية الجوهرية؛ كقضية القدس التي تعتبرها إسرائيل بقسميها المحتلين خلال عامي 1948 و1967 العاصمة الموحدة والأبدية لها، فضلاً عن المستوطنات لفرض الديموغرافية التهويدية القسرية، وقضية اللاجئين الفلسطينيين التي ترى إسرائيل أن حلها يجب أن يتم عبر توطينهم، حيث يتركزون، أو استيعابهم في دول الجذب الاقتصادي ككندا وغيرها من دول العالم.
وذهبت الإدارات الأمريكية إلى أبعد من ذلك، حيث استخدمت قرار النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يدين ممارسات إسرائيل العدوانية والتعسفية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد اتضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل خلال فترتي الانتفاضة الأولى والثانية، وقبل ذلك الضغط الأمريكي على المنظمة الدولية، التي ألغت بدورها القرار الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل برزت بكونها الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية، أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأمريكية المتطورة.
وفي هذا السياق، قُدرت قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الفترة (1967 – 2020) بنحو (137) مليار دولار، منها نحو 60% هي قيمة المساعدات العسكرية، في حين وصلت قيمة المساعدات الاقتصادية إلى 40% من إجمالي قيمة المساعدات الأمريكية خلال الفترة المذكورة، ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى نحو (167) مليار دولار حتى عام 2030، هذا فضلاً عن المساعدات السخية من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، وكذلك عوائد مبيعات الأسلحة الإسرائيلية المستهلكة لبعض الدول الإفريقية والآسيوية عبر السوق الأمريكية لبيع السلاح.
لم يخلُ تاريخ العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية من تناقضات ثانوية، ففي عام 1956 عبر الرئيس الأمريكي آنذاك دوايت أيزنهاور عن غضب بلاده من استيلاء إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في حملة مع فرنسا وبريطانيا، بتهديده بتعليق الدعم المالي الحيوي لإسرائيل ما لم تنسحب، وقد يكون مرد الموقف الأمريكي الخوف من ازدياد النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من موقف الولايات المتحدة المنحاز لإسرائيل في حربها ضد الدول العربية المجاورة في عام 1967، فإن العلاقات خيم عليها التوتر أثناء هجوم إسرائيل على سفينة التجسس الأمريكية (ليبرتي) في المياه الدولية.
وقد هددت إدارة الرئيس الأمريكي جيرالد فورد في عام 1975 بإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل ما لم توقع إسرائيل على اتفاقية "فك اشتباك" مع مصر لتنسحب من سيناء.
وأدانت الولايات المتحدة قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في عام 1981، حيث دعمت الولايات المتحدة العراق إبان حرب الخليج الأولى ضد إيران.
وفي عام 1982 عبر الرئيس رونالد ريغان، في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحم بيجن، عما وصفه متحدث بـ"الغضب" من قصف إسرائيل لبيروت خلال اجتياح لبنان وأجبره على وقف إطلاق النار.
وفي عام 1990 قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جيمس بيكر إن غضب الولايات المتحدة يزداد بسبب تباطؤ إسرائيل في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ودعا الجانبين "إلى الاتصال بنا عندما يكونان جادين بشأن السلام".
ورغم التعارضات المشار إليها، أكدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة دعم إسرائيل والحفاظ على أمنها وتفوقها العسكري، وهو ما أكدته إدارة بايدن من جديد.
أما عن مستقبل العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية فهذا مرهون ومرتبط إلى حد كبير بدور إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، ومدى ارتباطها بالمصالح والرؤى الأمريكية من جهة، وبنفوذ اللوبي اليهودي الواسع في مراكز القرار الأمريكي والدعم الكبير من قبل الصهاينة المسيحيين في أمريكا من جهة ثانية، وهذه الحقائق المائلة ستبقي على مكانة هامة لإسرائيل في إطار العلاقات الأمريكية – الدولية في المدى البعيد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.