لم تكن مفاجأةً زيارةُ رئيس جهاز الاستخبارات السعودية خالد الحميدان لدمشق ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه علي مملوك، كل المؤشرات كانت تشي بقرب فتح صفحة جديدة بين الجانبين المتخاصمين منذ عقود من الزمن؛ حيث بدا الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الأخيرة كرئيس للجان صلح إقليمية وليس طرفاً ينازع محوراً إقليمياً بأمه وأبيه.
خيارات المملكة الجديدة.. الداخل المنضبط والخارج المتصالح مع محيطه
فيما المحادثات السعودية الإيرانية مستمرة، إذ إنه وبعد اللقاء الأوّل الذي عقد في بغداد برعاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عُقد لقاء ثان في بغداد الأسبوع الماضي، وبقي محاطاً بسرية تامة بعد عملية تسريب اللقاءات التي جرت بين السعوديين والإيرانيين، ووفق المصادر المطلعة، فإنه جرى البحث عن التهدئة وتخفيف الصراعات في الشرق الأوسط والخليج، ووفقاً للمصدر، فإن الجانبين مصران على أن ينتهي هذا الحوار بنتائج إيجابية عملية مهمة تضع حداً للنزاعات الحاصلة.
فالمملكة، وفق كل المؤشرات، حصدت خسائر كبيرة في معارك اليمن، وفي التقديرات الأولية، تكلفت نحو 100 مليار دولار حتى الآن بسبب الحرب الدائرة هناك. ومعه ووفق المعطيات الجديدة، كان لا بدّ من حصول انعطافة في السلوك السياسي السعودي، طالما أنّ فيينا تؤشر إلى تفاهم حاصل بين واشنطن وطهران حيال الملف النووي، وطالما أنّ إسرائيل قد سلّمت بأنّها لن تستطيع أن تؤثر على الموقف الأمريكي، رغم سعيها بقوة في هذا الاتجاه، ولو وفق مسار حذر هذه المرة، وليس متهوراً كما خاطرت عام 2015.
لذا فإن الخيار السياسي للسعودية هو الميل إلى تخفيف النزاعات والحروب، لذا فإنها لم تتردد بالموافقة على العرض المقدم من رئيس الوزراء العراقي للحوار السعودي ـ الإيراني المباشر في المنطقة الخضراء في بغداد؛ حيث حملت المملكة معها مجموعة هواجسها المتعلقة بضرورة وقف الحرب في اليمن، وتحديداً وقف التمدد الحوثي في مأرب، ووقف العمليات والاستهداف في الداخل السعودي عبر المسيّرات والصواريخ التي تُطلق في اتجاه العمق السعودي من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
لقاء الأسد – الحميدان.. من مهد الطريق؟
حصل اللقاء السعودي-السوري فعلاً في دمشق، وهو بحسب مصدر دبلوماسي غربي مطلع، حصيلة الدور التي تلعبه أبوظبي لإعادة رسم تحالف عربي جديد في ظل الخشية السعودية من أن ينعكس أي اتفاق أممي تغيب المملكة عنه سلبياً عليها، وأن يكون على حسابها، لذا فإن المملكة حريصة على نسج تفاهماتها، لأن تجربة 2015 بين واشنطن وطهران كانت على حساب السعودية وحضورها، وغابت تباعاً عن طاولة اللاعبين الإقليميين المؤثرين في المشهد.
ووفق المصدر الدبلوماسي، فإن الزيارة مهد لها منذ عام ونيف مدير المخابرات الإماراتية علي الشامسي الذي يزور دمشق بشكل متكرر، وأنه وقبيل حضور الوفد السعودي للشام أجرى علي مملوك عدة زيارات إلى السعودية في الأشهر الأخيرة، التقى خلالها مسؤولين سعوديّين في إطار التنسيق الأمني وتبادل المعلومات.
ويرى المصدر أن الرغبة الإمارتية بدفع السوريين والسعوديين للتواصل والتنسيق تأتي في إطار حربهم المفتوحة على الأتراك والقطريين والإخوان المسلمين في السنوات الماضية.
ويؤكد المصدر أن الحميدان حضر إلى دمشق عصر الأحد الفائت، يرافقه وفد مكون من ثلاثة مسؤولين، حيث استقبلهم اللواء علي مملوك وأقام على شرفهم حفل إفطار، فيما اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد بدأ صباح الإثنين الفائت في تمام الـ9:30 صباحاً في قصر الأسد بحضور علي مملوك وفيصل المقداد.
وخلال اللقاء طلب الأسد من الحميدان إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، كان الحميدان إيجابياً، لكنّه ترك توقيت فتح السفارة لموعد تحدده وزارة الخارجية لاحقاً. وتمّ تحديد موعد جديد في شهر يونيو/حزيران المقبل لاستكمال مباحثات تضمّنت، إلى جانب الملفّات السياسية، ملفّات أمنيّة تتعلّق بعمليات تهريب المخدّرات، ومكافحة الجماعات الجهادية المتطرفة.
فيما هنالك من يقول إن دمشق تفضل أن تحصل هذه الخطوات قبل الانتخابات، وهو ما أدّى إلى التفاهم على فتح القنصلية السعودية بعد عيد الفطر، على أن تُفتح السفارة بعد الانتخابات، وسيلي ذلك إعادة احتضان سوريا في جامعة الدول العربية.
كما تم التركيز على ملفات المنطقة العالقة، وتحديداً الحرب في سوريا وضرورة إيجاد حل سياسي مشترك، الوفد السعودي وعد بنقاش الحل السياسي مع معارضين مقربين من الرياض.
في الشأن المخابراتي المشترك، تم الاتفاق على معاودة التنسيق الأمني بشكل كامل لمواجهة التحديات المشتركة، وأن الملف يتابع بينه وبين مملوك، ووفق المصدر، نوقشت ملفات متعلقة بإدلب وعودة التبادل التجاري ورحلات مشتركة بين البلدين، كما تم التطرق للملف اللبناني بشكل مقتضب، حيث اتفق الطرفان على إيجاد آلية مباشرة لوقف التدهور الحاصل.
الأسباب السعودية والسعي الإماراتي
وفق الكاتب والمحلل اللبناني جوني منير، فإنه وفي إطار السياسة السعودية الجديدة، جاءت الخطوة السعودية باتجاه سوريا. في السابق حاولت الإمارات إقناع السعودية بالانفتاح على دمشق لأسباب عدة، أهمها:
أولاً: وجود تسليم دولي ببقاء بشار الأسد رئيساً لسوريا خلال السنوات المقبلة، ما يعني أنّ من الحكمة التسليم بالأمر الواقع.
ثانياً: ترك الساحة خالية في دمشق يعني تسهيل مهمة إيران في إحاطة النظام، وبالتالي وجوب ملء الفراغات للحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا.
ثالثاً: الخطر المقبل هو من تركيا، بسبب دعمها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يعني، وفق منير، أنّ حماية دول الخليج من خطر الإخوان المسلمين تستوجب مواجهته في سوريا ولو إلى جانب النظام، من أجل حماية أمن أنظمة دول الخليج، لذلك عمدت الإمارات في اتجاه إعادة فتح سفارتها في دمشق، لكن السعودية لم تتجاوب.
فيما يرى المصدر الدبلوماسي الغربي أن التوجه السعودي باتجاه الأسد ينطلق من هواجس السعودية من الحوار التركي-المصري، الذي قد يحرز تقدماً نتيجة المصالح المشتركة التي تجمع المصريين والأتراك، ومحاولات الروس المتكررة لمصالحة حكومة العدالة والتنمية التركية مع النظام السوري، وهو ما أدى منذ فترة لخرق جرى في موسكو في لقاء جمع رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان مع نظيره السوري علي مملوك، ما قد يمهد لفتح علاقة ثلاثية بين الأتراك والسوريين والمصريين على حساب مصالح الخليج.
دمشق وإعادة الإعمار.. والعودة للبنان
وفق مطلعين، فإن السوريين يفكرون باستجلاب الدعم السعودي لدى الشروع في مرحلة إعادة إعمار سوريا، حيث يشكّل التمويل أحد أبرز تحديات النظام.
ووفق المصدر الدبلوماسي الغربي، فإنّ الحديث عن إعادة إعطاء الملف اللبناني لسوريا إنما هو من باب التخيلات، لسبب بسيط، هو أنّ المشكلات التي تعيشها الساحة السورية أكبر بكثير من تلك الموجودة على الساحة اللبنانية، فيما الرغبة الروسية تكمن في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب فرصة متاحة بالتفاهم مع لبنان، بالإضافة للتفاهم على عودة مقاتلي حزب الله إلى لبنان عندما تصبح الظروف جاهزة لذلك.
خطوة باتجاه أنقرة.. استعادة زعامة السنة من الأتراك
في إطار سياستها الخارجية الجديدة عقب المقابلة الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتجه الرياض لإعادة فتح العلاقة مع تركيا، حيث ستستقبل وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو في زيارة تستغرق يومين سيلتقي خلالها نظيره السعودي، وليس واضحاً إذا ما كان سيلتقي بولي العهد أو الملك السعودي، وتهدف الزيارة لإعادة تصويب العلاقة التي تأزمت كثيراً عقب قيام السعوديين باغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
صحيح أنّ تركيا هي من طلبت الزيارة، لكن شقيق ولي العهد السفير السابق في واشنطن خالد بن سلمان، هو من يتولى إعادة العلاقة بين أنقرة والرياض، عبر سلسلة زيارات قام بها للقاء المسؤولين الأتراك، فالسعودية تشعر أن تركيا بزعامة أردوغان سحبت منها بساط الزعامة السنية في العالم، نتيجة السعي التركي لاحتضان القضايا الإسلامية والعربية، فيما الرياض باتت غائبة عنها، لذا فإن تصويب العلاقة من الجانب السعودي يهدف لاستعادة التوازن في زعامة العالم الإسلامي الذي يعيش مرحلة صعبة، والسعودية التي تقود حملة مقاطعة غير رسمية للبضائع التركية من الواضح أنها أزالت تحفظاتها ووافقت على فتح أبوابها للأتراك بعد المصالحة مع القطريين.
وعليه، فإن إعادة العلاقة ستكون لها نتيجة ملموسة على صعيد الاقتصاد التركي من جهة، وصورة الرياض المهزوزة من جهة أخرى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.