يلعب المجتمع المدني دوراً مهماً في الغرب، بعيداً عن عامل الدين والعرق واللون والجنس، فأصبح العالم قرية صغيرة، بل أصبح حارة. ففي سبعينيات القرن المنصرم كان دور المجتمع المدني يقوم في المجتمعات الريفية على المساعدات البسيطة من جمع بعض الحبوب الزراعية عند جمع التبرعات لمساعدة بعض الكوارث والحرائق داخل القرية، أو بالقيام بالمساعدات في بناء مشاريع صغيرة من بناء مدارس أو بناء دور عبادة.
وقد تطور واتسع المجال في حقوق الإنسان والتنمية البشرية، وأخذ شكلاً آخر من توسيع مجاله في المجال العام، وقد استغله البعض في التربح والكسب من وراء المساعدات والتمويل الخارجي، والبعض استغل اسم منظمات حقوقية في عمل "كرنيهات" بمقابل مادي، تحمل صفات مثل "مستشار" و"دكتور" في جمع الأموال فقط، والآخر للبحث عن هوية له داخل المجتمع الذي يعيش داخله؛ لإعطاء صفة رجل الخير من صفوة المجتمع بجمع التبرعات. واعتقادهم جميعاً أن هذا العمل يرتبط فقط بالمسلمين، ولم يعلم أن ميادين أوروبا يومياً تقدَّم فيها وجبات للمحتاجين والفقراء، ومعظمهم من الدول الإسلامية، من طعام وملبس وشراب، ويمرون يومياً للبحث عن المشردين في الشوارع والميادين لإيوائهم في منازل حتى الصباح، والقائمون على هذه الأعمال جميعهم متطوعون بلا مقابل مادي، وتوجد مكاتب من مهن مثل الطب والمحاماة متطوعة لخدمة الفقراء، حتى بالكشف والدواء على الأجانب المقيمين غير الشرعيين على أراضيهم.
المجتمع المدني يشير إلى إطار العمل الجماعي الذي يتسم بالمشاركة وليس حكراً على أفراد بعينهم بالإكراه، والذي يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة.
يضم المجتمع المدني عادة التنوع من حيث مجال العمل، ولا يقتصر على جمع التبرعات فقط، ويضم المجتمع المدني في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات مثل " الجمعيات الخيرية" المسجلة، ومنظمات التنمية غير الحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات والمؤسسات النسائية.
إن دور العمل الخيري المتمثل في الجمعيات الخيرية يعتبر من الأدوار التي يعول عليها الكثير من المتطلبات التي تتبلور في عمل واقعي دائماً، ويساهم إلى حد كبير في تحجيم المعاناة التي تعانيها الفئات الأكثر فقراً والأكثر معاناة، فالكثير من الجمعيات الخيرية تعتبر طوق النجاة للفقراء والبسطاء، فتستطيع هذه الجمعيات أن تطور أعمالها وهدفها، ولا يقتصر دورها فقط على جمع المال والمواد الغذائية والتبرعات العينية وغيرها، وتوزيعها حسب المصلحة والمعرفة. المجتمع المدني هو مجتمع المبادئ والقيم والفضيلة والأخلاق التي تستدعي الطبيعية الخيرة والطيبة للإنسان بعيداً عن قيم الرذائل والحقد والكراهية وهي تنسجم وتتناغم مع مبادئ وقيم كل الأديان السماوية. كما يعتقد البعض أنها مرتبطة بالدين الإسلامي فقط ، ففي الغرب تلعب دوراً كبيراً في حماية المهاجرين من طالبي حق اللجوء والهاربين من جحيم الحروب والاضطهاد بجميع ألوانة.
إن منظمات المجتمع المدني تقدم خدماتها ونشاطاتها مجاناً وبدون ثمن لأفراد المجتمع، مثل رعاية النساء من الأرامل والثكلى والمطلقات والاهتمام بالأيتام والأطفال والمرضى، إضافة لدعم الطلاب والشباب، وأغلب هذه المنظمات منظمات غير حكومية، وقسم منها أهلية في مجال الرعاية والإغاثة الإنسانية والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والرياضية والتراثية والبيئية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والمعوقين من ذوي الاحتياجات الخاصة والطلاب والشباب، وأي مجتمع بدون منظمات مجتمع مدني وبدون مؤسساته المشار إليها أعلاه ونشاطها وفعالياتها يكون ناقصاً وفيه خلل.
يستلزم قيام المجتمع المدني وجود مجموعة من المنظمات والمؤسسات والهيئات التي تعمل في ميادين مختلفة، باستقلال عن حكومة الدولة، مثل النقابات التي تدافع عن مصالح أعضائها الاقتصادية، وتسعى لرفع مستوى المهنة، واتحادات الكتاب والجمعيات العلمية والثقافية التي تسعى إلى نشر الوعي بأفكار وآراء معينة، والجمعيات الخيرية التي تسهم في أغراض التنمية الاجتماعية، والمنظمات التي تهتم بالدفاع عن قضايا معينة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، والأندية الرياضية والترفيهية… وغيرها.
هذا الركن المادي في تكوين المجتمع المدني يعكس الانقسامات المختلفة والمتعددة في المجتمع، كما يسعى إلى تحويلها إلى علاقات تعاون وتكامل وتنافس سلمي شريف بدلاً من الصراع والتناحر الذي يؤدي إلى تقسيم المجتمع وتفتيت وحدته. هناك مصلحة أو أهداف مشتركة اجتمع عليها الأفراد كأرضية مشتركة بينهم لتأسيس الجمعية، إلا أنه تبقى مصالح وأهداف شخصية وخاصة لدى كل منهم. هذا التنوع والاختلاف داخل المجموعة لا بد أن يتم التعامل معه على أنه مصدر للثراء يزيد من قوة العمل ككل إذا ما سمح له بالتعبير عن نفسه علناً بدلاً من كبته أو إخفائه أو التظاهر بعدم وجوده. ولا بد أن تستمع القيادة داخل كل منظمة أو جمعية إلى بقية الأعضاء، وأن تستشيرهم فيما تتخذه من قرارات بشأن الجمعية، وأن تتقبل ما يوجهونه لها من انتقادات تساعدها على تصحيح الأخطاء، والأهم من ذلك أن تأتي تلك القيادة باختيار أعضائها من خلال انتخابات حرة ونزيهة تتيح المنافسة المفتوحة والشريفة أمام الجميع، بحيث يتمتع أعضاء أي منظمة داخل المجتمع المدني بحق التصويت والترشيح والمشاركة في صنع القرار الداخلي لتلك المنظمة أو الجمعية.
أما التعامل بأسلوب الكبت والقمع وغياب الديمقراطية داخل الكيانات بحجة الحفاظ على تماسكها فإنه قد يقود المختلفين إلى الانفجار، ويصبح البديل الوحيد المتاح لهم هو الانفصال الكامل عن الكيان، الدال على الخير كفاعله، هكذا تعلمنا منذ الصغر بالمدارس، وحفظنا عن ظهر قلب الكثير من أقوال معلمنا الأول سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، التي تدعو إلى فعل الخير والسعي من أجله طلباً للثواب والأجر.
ولكن أن يصبح فعل الخير في هذا الزمان سلعة للكسب غير المشروع، ويصبح من يستحقون فعل الخير دعاية ومصدراً لجلب الرزق للكثير من أصحاب النفوس المريضة، التي تمتهن التسول على رقابهم تحت مسمى نأسف له، وهو الجمعيات الخيرية، فكرة التربح واستغلال الفقراء والمتاجرة بالآهات والألم بطرق احتيالية ومبتكرة أصبحت تجارة الواقع، بما يشهد من حداثة وتقنيات متطورة أصبحت من الظواهر الخطيرة، ومن الأمراض التي تنتشر في كافة أنواع المجتمعات كمرض من الأمراض الاجتماعية الجديدة، فمن المعروف أن ظاهرة الفقر من الظواهر المنتشرة في كل أنحاء الوطن، وهناك سعي حثيث من الجميع لمحاصرتها والقضاء عليها، إلا أن ضحاياها يتعرضون لمخاطر كثيرة قد تؤدي بهم إن لم يتم دعمهم وتقديم ما يحتاجونه ولسد حاجاتهم التي تتزايد وتتصاعد مع الزيادة الطبيعية في الأعداد ونقص الموارد في كل المواقع وزيادة البطالة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.