"المثير للدهشة أن تكون فلسفتك حزينة ووجهك بشوش، وتحب الصباح ولا يفوتك سهر الليالي، قلبك يغلي وأفعالك باردة".
– الروائي الشهير دوستويفسكي
إن آخر ما قد تفكر فيه عندما ترى شخصاً مبتسماً هو أنه مريض بالاكتئاب.
عندما نفكر في الأشخاص المصابين بالاكتئاب فإننا نفكر في الأفراد الذين يشعرون بالحزن العلني، الوجه العبوس دائماً محفور على ملامحهم، نفكر في الأشخاص الذين لا يستطيعون النهوض من الفراش ويواجهون صعوبة في العمل وأداء المهام، الناس الذين يبدون مرهقين، الأشخاص الذين ينسحبون ويعزلون أنفسهم. يكون هذا دقيقاً في بعض الأحيان، هذا ما يظهر في معظم حالات الاكتئاب، لكن لا يعاني الجميع من الاكتئاب بنفس الطريقة.
هناك صور أخرى للاكتئاب قد لا يدرك البعض فيها أنهم يعانون من الاكتئاب، خاصة إذا بدا أنهم يديرون حياتهم اليومية بشكل سلس، وتعاملهم مع الناس مثالي، أعلم أنه من الصعب إدراك أن يبتسم شخص ما ويعمل بشكل مثالي وفي نفس الوقت هو مكتئب.
كيف يصل الشخص لهذه الحالة من الاكتئاب؟
كما هو الحال مع الأنواع الأخرى من الاكتئاب، يمكن أن يحدث الاكتئاب المبتسم بسبب موقف، مثل علاقة فاشلة أو فقدان وظيفة أو ضياع فرصة، لكن ما ينقلنا للاكتئاب "المبتسم" أسباب أخرى، أهمها ثقافة المجتمع.
التعامل مع حالات الاكتئاب أنه تظاهر غير واعٍ لأسباب داخلية، على سبيل المثال قد يُنظر إلى التعبير عن المشاعر على أنه "طلب الانتباه" أو إظهار الكسل عن أداء المهام المطلوبة من الفرد. إذا أخبرك أحدهم بـ"تجاوز الأمر فقط" أو "أنك لا تبذل جهداً كافياً" لتشعر بتحسن، فمن غير المرجح في المستقبل أن تعبر عن هذه المشاعر، وبالتالي تكتم هذه المشاعر داخلك حتى لا يصل إليك المزيد من المشاعر السلبية، وبكل هدوء تبتسم كأسلوب دفاعي.
وسائل التواصل الاجتماعي
في عصر يستخدم فيه ما يصل إلى 4.33 مليار من سكان العالم وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن ننغمس في واقع بديل، حيث تسير حياة الجميع هناك بشكل جيد، لكن هل يسيرون على ما يرام حقاً؟
قد لا يكون العديد من الأشخاص مستعدين أو غير قادرين على نشر الصور عندما يكونون في أسوأ حالاتهم، وبدلاً من ذلك يختارون مشاركة لحظاتهم الجيدة فقط مع العالم، يمكن أن يخلق هذا فراغاً من الواقعية، وهذا يمنح الاكتئاب المبتسم مساحة أكبر للنمو.
التوقعات
لدينا جميعاً في بعض الأحيان توقعات غير واقعية عن أنفسنا بأن نكون أفضل أو أقوى، نتأثر أيضاً بالتوقعات الخارجية من زملاء العمل أو الآباء أو الأشقاء أو الأصدقاء.
سواء كانت لديك توقعات غير واقعية لنفسك أو كانت التوقعات من الآخرين، فمن المرجح أن ترغب في إخفاء مشاعرك إذا كانت لا تخدم تلك التوقعات. قد يكون الشخص الذي يسعى إلى الكمال أكثر عرضة للخطر، بسبب المعايير العالية المستحيلة التي يلتزمون بها.
ما هو علاج الاكتئاب المبتسم؟
إن علاج الاكتئاب المبتسم يكون على مرحلتين، التحول من الاكتئاب المبتسم إلى الاكتئاب المتعارف عليه، إن مريض الاكتئاب المبتسم قد لا يدرك من حوله أنه مريض، وحتى هو يتجاهل فكرة أنه مريض!
إن علاج مشاكلك النفسية هي مسؤوليتك في المقام الأول، فقبل أن يشارك الناس في حلها عليك أن تكون صاحب الخطوة الأولى، أنت الوحيد الذي تدرك الحزن داخلك والحالة السيئة التي تكون عليها بعيداً عن الناس؛ لذا أولى خطوات العلاج أن تكفّ عن الابتسام ولا تتجاهل حقيقة أنك مكتئب.
والخطوة العلاجية الثانية تكون علاجاً للاكتئاب المتعارف عليه، وبالتالي تذهب لطبيب نفسي، وتبدأ رحلة علاج ورحلة حياة جديدة.
ما مستقبل الاكتئاب المبتسم إذا تجاهلناه؟
النتائج سلبية للغاية في حالة التجاهل قد تصل إلى الانتحار!
ليس للاكتئاب وجه أو مظهر واحد فقط، عندما يموت الناس بالانتحار، يصاب الكثير من الناس بالذهول بسبب الأقنعة، أو الابتسامات التي كانوا يرتدونها، على سبيل المثال عندما انتحر الممثل الكوميدي روبن ويليامز أصيب الكثيرون بالصدمة.
يمكن أن يكون الاكتئاب، بغض النظر عن كيفية ظهوره، حالة صعبة ومرهقة، من المهم أن نتذكر، بغض النظر عن أي شيء: هناك أمل، يمكنك أن تجد المساعدة.
إذا كنت تعاني من اكتئاب مبتسم فيجب أن تبدأ بالتحدث إلى شخص ما حول هذا الموضوع، قد يكون المكان الآمن غير الخاضع لإصدار أحكام هو مكتب الطبيب النفسي.
ويمكنك الحصول على استشارة نفسية قبل الذهاب للطبيب من أماكن مثل
– موقع شيزلونج
الذي يوفر نخبة من الأطباء النفسيين الخبراء، كما يوفر اختبارات لمعرفة ما إذا كنت مريضاً بالاكتئاب أم لا.
– موقع علاج نفسي
برنامج علاج نفسي يقدم جلسات مجانية لمعالجة حالات الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، جلسات متخصصة مجانية عبر الإنترنت.
– نفسك
مجموعة عبر فيسبوك تستطيع من خلالها الحصول على إرشادات، يجب أن تتخذها للتعامل مع حالتك، في حين أنه يمكنك أن تنشر مشكلتك دون الإفصاح عن هويتك.
هذه الخطوات يمكن اتخاذها قبل الذهاب للطبيب إن كنت متخوفاً من تجربة الذهاب للطبيب.
وفي النهاية، كما هو الحال مع أي نوع آخر من المرض، يجب أن تطلب العلاج، لا تستخفّ بمشاعرك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.