في الوقت الذي تعبث فيه كل من فخاخ التطبيع الفاشلة بين الصهيونية والأنظمة العربية لتزيين عضلات الكيان الصهيوني التي اهترأت جهوده وضعفت خطواته بسبب انهزامات أمام المقاومة وأزمات داخلية، وفي الوقت الذي يستغل فيه التطبيع حالة فقراء المغاربة ويتسلل من بوابة الإعانات المادية والقفة الرمضانية، وتزامناً مع سفر المطبع المغربي عبدالرحيم بيوض إلى الكيان الصهيوني كممثل دبلوماسي في تلك الأرض المغتصبة، فإن الشباب الفلسطيني يبدد أحلام المطبعين وأساطير جيش الأسطورة بانتصار حقيقي في الميدان بعد اشتباك حقيقي ونفير صدم المحتل والمختل العربي المستبد.
ظهرت قوة الحدث خصوصاً بعد دعوة "منظمة لاهافا" الإرهابية الصهيونية مؤيديها إلى التطرف والعنصرية تجاه المقدسيين وإعدامهم أمام باب العامود، فكان الجواب من شباب القدس بفتوة وشجاعة.
فشل الرواية الصهيونية
لا أرغب بالغوص في الحدث وفصوله الوقائعية البطولية، لكن أحببت النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، كيف نستفيد من النصر ونحيا به ونجدد به المفاهيم ونرفع به الهمم، وذاك من خلال الدلالات الآتية:
الملاحظ أن نفوس الأمة والشعوب العربية والإسلامية فرحت من أجل هذا الحدث، وابتهجت له المهج بطبيعة الحال، لأن الآلة الصهيونية الدعائية مارست منذ مدة "بروباغندا" خبيثة لقلب الحقائق في الشعوب العربية والإسلامية لدفع الفلسطيني والأمة للتفكير بأن الفلسطيني انتهى أمره بعد صفقة القرن، وبعد تطبيع متصاعد بين مجموعة من الدول، خصوصاً بعد هيستريا التطبيع المغربي وقمع الاحتجاجات ورسم نصر مزيف ولو من قفة وإغاثة مسمومة.
أراد المشروع الصهيوني بناء وصناعة رؤية مزيفة حول حقيقة القضية الفلسطينية وروج بأنها ضعفت وتهمشت من قبل الحكام العرب، بل والشعوب تخلت عن القضية، لكن من فضل الله أنه كلما أراد الساعي إلى خراب المسجد الأقصى ومساجد الأمة أن يحجب نور الله بإطفاء، إلا وأتمه الله حين يرى في أمته رجالاً يعملون بالأسباب، ويقتفون أثر سنن الله ومنها السببية وطرد الخوف والوهن والغثائية.
نحو نظرة تفاؤلية
هذه ليست المرة الأولى التي يكشف لنا القدر قوة في القدس أو غزة تقوض من مشاريع التطبيع والصهيونية، بل كانت هناك معارك الأسباط وباب الرحمة، ومعركة صلاة الفجر حققت الانتصارات.
لكن الرسالة التي يمكن استخلاصها هي تمكين شبابنا وأمتنا من تلك النظرة التفاؤلية التفاعلية لمصير فلسطين، وأن ندفع الناس إلى النظر إلى الأحداث من الأعالي دون الانزلاق في نظر وإعلام المطبعين والمثبطين، وأن نخبر العالم أن الكيان الصهيوني منهزم ما دامت في الأرض المقدسة خيرة شباب ومجاهدون من هذه الروح والنوعية، وما دام هناك بناء فهناك عطاء، وما دام هناك اقتحام للعقبة هناك إمداد.
بطبيعة الحال يقوم المشروع الصهيوني في كل خطوة بصناعة رؤيته الصهيونية وترويجها إلى المجتمعات العربية والإسلامية، وإلى صفوف الشعب الفلسطيني، وأن "الفلسطيني باع أرضه"، لكن الرؤية الحقيقية هي التي كشفتها اشتباكات الشباب ضد "منظمة لاهافا" المتطرفة، بل وأمام الأمن والجيش الصهيوني.
فآن الأوان لنبني رؤيتنا وفق نظرة صناعة الفعل لا ردود الفعل، لنوصل رسالة أن موازين القوة في الأرض تغيرت، وأن في القدس قوة وأن هذه القوة تتصف بالنمو والزيادة، وهذا من فضل الله.
العطاءات الثلاثة هي بواعث في الإرادة الشبابية
الرسالة الثانية هي إلى المقدسيين أنفسهم، أن الله منحكم قوة، وقدرة، تمتزج ببركة المكان، وبركة النيابة وبركة دعاء الأمة لكم، لأنكم الطليعة، هذه البركات المكانية والنورية تحقق الخيرات حين تجتمع ببركة الميدان والواقع ورصد محطات انتصار.
"القوة المقدسية" بسوادها العددي مع "الفطرة الإيمانية المقدسية والحماسة الشبابية" يلزم أن يمتزجا بمشروع تحرير واقعي، وهذا سينتج فيوضات وإرادة يخشاها الاحتلال الصهيوني.
ولن ننسى أن سر خروج هذه الإرادة المقدسية هو بسبب بواعث وأسباب، أجملها في عطاءات ثلاثة:
- عطاء السواد العددي، مقابل غثاء صهيوني عددي أمني ضعيف، يعيش تحت اسم جيش الأسطورة، أما الأول فيعيش تحت عطاء الله وغطاء كنف البركات المقدسية، وأما الثاني الصهيوني فيعيش تحت سياج الأنظمة العربية المستبدة والولايات المتحدة الأمريكية وكلاهما جهاز هش.
- عطاء القيادة الراشدة من العلماء والمفكرين والنشطاء الصادقين وأرباب المقاومة، ممن كانوا عوناً وسنداً، وقوة نفير وتعبئة للشباب، ولهم يقين وثقة في شبابهم، ولم يخذلوا من شباب تربى على الصدق والإيمان أولاً، ثم على الفعل والتدافع ثانياً، هي قيادة عبأت وأعدت واستغلظ شبابها باستواء، فأعجبت بزرع مبارك مغروس في أرض مباركة.
- عطاء التحول الإرادي للشباب وهو مؤشر مبارك، وتحول جديد في التحرك الميداني بظهور قوة شبابية يمكنها قلب الموازين، بل وتجاوزت إرادة وقرارات الدولة العظمى أمريكا وتجاوزت أنظمة التطبيع وصفقات القرن، فضلاً عن باقي المقدسيين من مختلف المشارب والأعمار.
هزيمة التطبيع والأنظمة العربية وقرارات أمريكا
أليست هذه الأنظمة الديكتاتورية بمعية أمريكا والكيان الصهيوني خططوا لصفقة القرن لتصفية الشعب الفلسطيني وتسوية القضية بسياسة الأنظمة وقرارها، فمن أين خرج هؤلاء الشباب الذين قلبوا الطاولة وقالوا: إن جهودكم فشلت، وإن للبيت رباً يحميه.
هذه الثلاثية هزمت قطعان الصهاينة بجيوشها يوم نصر باب العامود، ودفعت السفارة الأمريكية إلى طلب إنهاء "التحريض وتحكيم العقل" بسبب مأزق الصهاينة وحشرهم في الزاوية، هذه الثلاثية المباركة في العطاءات دفعت الصهاينة إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأمريكية لوقف الاشتباكات، هذه الثلاثية في نفس الوقت يمكنها تحقيق ثلاثة أهداف إن استمرت:
– إيقاف زحف المقتحمين.
-منع التطرفات العنصرية الجماعية الصهيونية التي سوف تحسب الحساب قبل التخطيط.
– فرض قوة عددية واستراتيجية صانعة للفعل وتقلب الموازين في كل خطوات تنزيل قوانين وصفقات صهيونية لاستهداف المقدسي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.