الأول من مايو (أيار) هو عطلة رسمية عالمية مدفوعة الأجر؛ احتفالاً بكل عامل يُسهم في نهضة بلاده.
بيد العمال تُبنی البلاد والحضارات، وبسواعدهم تصل الدول لأقصی مراحل الازدهار والتطور. ولعل هذه العطلة الرسمية تظل إحدى مباهجي في الحياة، الحصول علی إجازة مدفوعة الأجر أمر سعيد لا يعرفه إلا من لا يعملون، ولكني كنت أتساءل دوماً عن سر هذا اليوم المقدس لدی كل العالم، الذي يدعی عيد العمال (Labour Day) أو يوم العمال العالمي (International Workers' Day).
في البداية، علينا أن نعرف أن هذا اليوم تم تحديد تاريخ الاحتفال به في المؤتمر السادس للأممية الاشتراكية الثانية عام 1904. أما تاريخه فله حكاية أخری.
تاريخ يوم العمل في أستراليا
في أستراليا، التي كانت من أوائل الدول التي تحتفل بعيد العمال، والذي سعى إليه عمال المقاطعات العديدة بها، بالتفاوض مع سلطات المستعمرات البريطانية ذاتية الحكم، قاد البناؤون حركة العمال، وكانت المفاوضات تحمل طلب العمل لمدة ثماني ساعات فقط، وتُسمى العديد من النقابات العمالية بـ"888″، حيث تشير الأرقام إلى 8 ساعات للنوم، و8 ساعات للراحة والتنزه، و8 ساعات للعمل، حيث إن العمال وقتها كانوا يعملون من 10 إلى 12 ساعة يومياً. وتحتفل كل ولاية في أستراليا باليوم الذي تم فيه الرضوخ لمطالبهم، فبعض الولايات مثل عام تازمانيا وفيكتوريا تحتفل في ثاني يوم إثنين من شهر مارس/آذار، وفي غرب أستراليا يكون الاحتفال في أول يوم إثنين من نفس الشهر، بينما في ولايات نيوساوث ويلز ومقاطعة كانبرا وفي جنوب أستراليا يكون الاحتفال في أول يوم إثنين من شهر أكتوبر/تشرين الأول، وفي كوينزلاند والمقاطعة الشمالية يكون الاحتفال في أول يوم إثنين من شهر مايو/أيار.
البداية الكندية
في عام 1870 بدأت النقابات العمالية بإعلان رغبتها في تقليص عدد ساعات العمل، ليكون 9 ساعات فقط، وكان من المتعارف عليه في مواعيد العمل أن يبدأ العامل عمله من شروق الشمس حتی غيابها، وكان هذا في مقابل أجر زهيد يكفي لأسوأ أنواع الطعام وأرخصها، ناهيك عن موت الكثير من العمال جوعی بعد نفاد طاقتهم في الثلاثينيات، وموت الكثير من الأطفال الرضع وحتی خمس سنوات من الأمراض المزمنة، بسبب عدم توفر أقل سبل الرعاية وأقل تكاليف العلاج. لاقت الحركة رواجاً واسعاً في كندا، ومن ثم أمريكا وباقي الدول.
بداية العطلة دموية!
بدأت الاحتفالات بيوم عيد العمال في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً من عام 1881، حينما اجتاحت المظاهرات بعض دول العالم، ومنها "أمريكا، كندا" بينما كان عيد العمال يتم الاحتفال به في أستراليا قبل ذلك بنحو 25 عاماً، وبالتحديد من 21 أبريل/نيسان عام 1856.
في مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1886، اندلعت المظاهرات لتخفيض عدد ساعات العمل لثماني ساعات فقط، بعدما نجحت المظاهرات في عام 1882 في إقرار 5 سبتمبر/أيلول عيداً للعمال.
ذكری هايماركت
في 1 مايو/أيار عام 1884 انطلقت المظاهرات في مدينتي شيكاغو الأمريكية وتورنتو الكندية، اضطراب عام بقوة 400 ألف عامل تقريباً، وذلك لتخفيض عدد ساعات العمل، تظاهرات حدث فيها شد وجذب بين العمال وأفراد الأمن وأحداث شغب أدت لفتح النيران من الشرطة علی المتظاهرين والقبض عليهم وإعدام عدد من قادتهم. الأمر الذي أشعل الرأي العام والمجتمع الدولي بأكمله، وأدی في النهاية لإقرار 1 مايو/أيار عيداً للعمال.
إضراب بولمان
في عام 1893، الذي يُسمی عام الذُّعر، حدث كساد كبير في الحركة الاقتصادية لمدينة بولمان، التي أنشأها "جورج بولمان"، والتابعة لشركته، والتي كان يقيم فيها عمال الشركة، وكانت تقوم علی أكتاف أولئك العاملين الذين لا يمتلكون حق امتلاك المنازل، بالإضافة لارتفاع أسعار الماء والغاز، وفي 1894 قررت الشركة تخفيض أجور العاملين بالشركة دون تخفيض قيمة أجور السكن أو الماء والغاز؛ ما جعل العمال يدعون لإضراب عام، في 11 مايو/أيار عام 1894. إضراب استمر حتی 20 يوليو/تموز من العام نفسه، بدعم من نقابة عمال السكك الحديدية بقيادة "يوجين فيكتور دبس"، الذي قُبض عليه بعد فشل الإضراب، واتُّهم بعصيان أوامر المدعي العام، الذي كان أمر بفض الإضراب فوراً. وبعد خروجه بدأ مسيرته من أجل الدفاع عن حقوق العمال باسم الاشتراكية.
بعد فضّ الإضراب بـ6 أيام قرّر الرئيس الأمريكي "غروفر كليفلاند" إقرار عيد العمال، لمصالحة العمال الذين كانوا يُضربون من أجل عدم تخفيض الأجور، وخفض أجور السكن، والاعتراف بالنقابة.
تاريخ عيد العمال في مصر
بدأ الاهتمام بتاريخ عيد العمال في مصر بداية من عام 1924، الذي بدأ فيه العمال إطلاق المظاهرات وإلقاء الخطب، رغم حظر الحزب الشيوعي المصري، الذي كان داعماً بشكل أساسي لمطالبات العمال بحقوقهم، وظلت الحركة النقابية في مصر تحتفل بيوم 1 مايو/أيار، وتلقي الخطابات، وتنظم المظاهرات، رغم حظرها في ثلاثينيات أربعينيات القرن الماضي، وصولاً لتولّي جمال عبدالناصر الحكم، الذي سعی لتأميم المنشآت الكبری لصالح الدولة. وتم اعتماد أول مايو/أيار إجازةً رسمية في مصر في عام 1964.
سنوات من العمل المستقل
ورغم كل هذا التاريخ الطويل لنضال العمال والنقابات للحصول علی حقوقهم، فإننا مازلنا حتی الآن تحت رحمة الآلات. في دول العالم الثالث لا يقتصر يوم العمل علی ثماني ساعات فقط، بل إنه يمتد في المصالح الخاصة ليكون من 12 إلى 14 ساعة، كما كان في السابق، ناهيك عن اتجاه الكثيرين للعمل المستقل، الذي لا يقل في الغالب في يوم عمله عن 10 إلى 12 ساعة. وقد ظهرت سيطرة الرأسمالية في ذروة جائحة كورونا، التي جعلت بعض الشركات تُسرح عُمالها بلا أي تعويض، والبعض الآخر جعل نظام العمل من المنزل ولساعات طويلة دون أي زيادة.
ويبدو أن سيطرة النظام الرأسمالي، في ظل انسحاب الحكومات من مسؤوليات تعيين الموظفين وخريجي الجامعات في العالم الثالث، تحتاج لإضرابات جديدة، بل تحتاج لثورة عالمية، هدفها التنديد مرة أخری بالرغبة في العمل لثماني ساعات فقط، ووجود تأمين اجتماعي وصحي، وقائمة مطالب تطول، من أجل الحصول علی حياة كريمة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.