عند القيام بأي تغيير جذري أو راديكالي في أي من مجالات الحياة أو العمل، من الطبيعي أن تنقسم الآراء بين مناصر للفكرة ومعارض لها. وعادةً ما يملك كلا الطرفين بعض التحفظات المنطقية والصحيحة، ولكن وحده الزمن والمتغيرات كفيلة بإثبات أي الطرفين كان على حق.
موسم 2013-2014 الكروي كان آخر موسم يشارك فيه فريق آي سي ميلان في بطولة دوري أبطال أوروبا، ورغم حالة الانحدار التي لم تتوقف إلا الموسم الحالي نوعاً ما، فلا يزال المشجع الميلاني يبدأ أي نقاش "حتى لو لم يكن كروياً" بكلمة "7 أبطال" في إشارة لفوز فريقه ببطولة دوري أبطال أوروبا 7 مرات.
بينما انتقل إنتر ميلان من فريق فائز بالثلاثية ويمتلك أحد أفضل التشكيلات في العالم إلى فريق يتظاهر مناصروه بعد 3 مواسم أمام مقر الإدارة موسم 2013-2014 لمنع انتقال لاعبهم، الذي لا يتذكره كثيرون، الكولومبي فريدي غوارين إلى يوفنتوس، في صفقة مبادلة مع المونتيغري ميركو فوتشينيتش.. من ويسلي شنايدر وديان ستانكوفيتش وصامويل إيتو إلى الخوف من بيع غوارين!
مع جميع الممارسات الخاطئة التي قام بها الرئيسان سيلفيو بيرلسكوني وماسيمو موراتي، والتي كان للاتحاد الأوروبي لكرة القدم يد بها لم نشهد في يوم ازدياد شعبية أندية أتلانتا أو نابولي على حساب قطبي ميلانو، ولم يصل روما أو لاتسيو لمكانة الفريقين رغم السنوات الطويلة التي كان بالإمكان استغلالها بشكل أفضل، ما يدفعنا لطرح السؤال الأهم: ما هي قيمة الدوري الإيطالي بدون الأسماء الاعتيادية الكبيرة؟ دوري يفوز به "اليوفي" بسهولة مطلقة 9 سنوات متتالية، وحتى عندما كان يوفنتوس يعاني لم يجد منافساً قوياً يخطف الدوري منه، وكان ثمن رؤية بطل جديد هو تدمير فريق يوفنتوس بالكامل في صيف 2006. فما الذي فعلته أندية إيطاليا بصفها الثاني بعائدات المشاركات الأوروبية وعوائد البث في إيطاليا بغياب قطبي ميلانو؟ ولماذا يجب استمرار إعطائهم الفرصة على الرغم من فشلهم في آخر 10 سنوات؟
ما الذي فعله ليستر سيتي بعد الفوز بلقب الدوري الإنجليزي غير التخلي عن نجومه؟ أين بوروسيا دورتموند، وأين عائدات بيع النجوم المستمرة؟ كيف يتم استثمارها؟ شراء مواهب وبيعها بعد موسمين لناد كبير. كرة القدم منذ دخول عهد الاستثمار بالبريمير ليغ وتحديداً موسم 2004-2005 تم اختزال معظمها بالأندية الكبيرة، وتحولت من لعبة الفقراء (المقولة الأكذوبة) إلى لعبة تحكمها رؤوس الأموال.
السوبر ليغ وقتل المنافسة؟
المنافسة لن يتم قتلها على يد "السوبر ليغ"، ولكن سيتم حصرها بمن هو أهل لها، منذ شراء مانشستر سيتي (المتّهم بمحاولة الالتفاف على قوانين اللعب المالي النظيف) لم نشاهد تجربة مماثلة في استحواذ جهة معينة على ناد والنهوض به، القوانين الحالية لا تسمح بذلك، وبالتالي حصر "السوبر ليغ" بمراحله الأولى بـ 15 نادياً هي الأكبر من حيث الشعبية هو الخيار المنطقي والعادل، معجزة ليستر سيتي جاءت من تفوقه على كبار البريمير ليغ في أحد أسوأ مواسمهم، ولم نكن لنشاهد اهتماماً كبيراً بالخبر لو قام نادي (ريو آفي) بإنهاء سطوة بورتو أو بنفيكا على الدوري البرتغالي.
باريس سان جيرمان وبايرن ميونخ
برأيي الشخصي، فإن موقف نادي باريس سان جيرمان المعارض للسوبر ليغ نابع من حقيقة سيطرة شبكة قنوات beIn Sports على حقوق بث دوري أبطال أوروبا والبريمير ليغ لسنوات قادمة بقيمة عالية، في أكثر من منطقة جغرافية، وأي بطولة جماهيرية خارج هاتين البطولتين تعني خسائر كبيرة لهم، ودعاوى قضائية قد تطول سنين في حال حاولت beIn Sports التهرب من العقود الملزمة. وبالتالي فإن موقف باريس، ناد وحكومة، هو تجسيد حرفي لحرب المصالح والأرباح، والحديث عن "لعبة الفقراء" لا يستقيم مع نادٍ صاحب أكبر صفقة انتقال بالتاريخ الكروي.
موقف بايرن ميونخ والأندية الألمانية مختلف ومتشعب، فالنادي البافاري لا يقف مع الأندية الألمانية بالشكل الذي يتصوره البعض (وربما لاحقاً أتحدث عن أسباب رفض الألمان للفكرة)، ولكن بالنسبة للبايرن فهو كمن يمسك العصا من منتصفها. بايرن ميونخ يعرف أنه في حال إقامة "السوبر ليغ" فسيكون أحد فرقها بكل تأكيد، ولكن بتاريخ ناصع من التهرب الضريبي ودفع جزء من رواتب اللاعبين عن طريق عقود رعاية مع شركة "أديداس"، وتسهيلات ضريبية (رمادية) للاعبيه، فهو لا يريد الدخول في حرب إعلامية داخل ألمانيا، وينتظر أن تهدأ العاصفة لا أكثر، ومن الممكن أن يكون حلقة الوصل بين "السوبر ليغ" واليويفا.
أما حديث إداريي بايرن ميونخ عن أن كرة القدم هي لعبة الفقراء فهو كلام للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، لأنه لم تمر فترة طويلة منذ أن حاول بايرن ميونخ الاستفادة من أحد القوانين في ألمانيا، الذي يمنح تسهيلات ضريبية بسبب الجائحة، وتعرض لهجوم حاد من الإعلام الألماني.
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (بعد الإعلان) كان موقفهم ضعيفاً جداً، وهم مدركون لذلك، ويعرفون أن شخصيات مثل رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز ورئيس يوفنتوس آندريا آنيللي لا ترضخ للضغط، ولن تتراجع عن موقفها، لذلك حركوا ماكينتهم الإعلامية والأبواق التي من الممكن شراؤها لترسيخ فكرة أن "السوبر ليغ" يعني نهاية البريمير ليغ، لوضع ضغط على الأندية الإنجليزية من قبل حكومتهم.
أما احتجاجات جماهير تشيلسي ومانشستر سيتي فهي من أعجب وألطف الأمور التي شاهدتها، أندية قامت بالصرف المجنون على مدار سنين طويلة، تقوم جماهيرها بالاحتجاج على نزاهة اللعبة الآن. أما تهديدات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والحكومة البريطانية، فهي لتحقيق نقاط سياسية بين الناخبين لا أكثر، بمعنى أنهم لا يستطيعون منع السوبر ليغ أو مشاركة الأندية الإنجليزية به عملياً.
ما الذي سيحصل لأندية الصف الثاني والأندية الصغيرة؟
كل تغيير راديكالي يذهب ضحيته العديد ممن لا ذنب لهم، ومن المتوقع أن تعاني هذه الأندية وخاصة المجتهدة، ربما بعضها سيواجه خطر الإفلاس لأنهم ليسوا أندية كبيرة أو أندية ذات شعبية، ولكن هذا هو الحال في العالم الرأسمالي، بعضها يمكن أن يتعافى من الأزمة وينجح في الدخول لعالم السوبر ليغ لموسم أو موسمين، ومن الممكن أيضاً أن يفوز بدوري الأبطال إذا تصادف موعد مباراتهم مع باريس سان جيرمان مع موعد عيد ميلاد أخت نيمار، ويمكن في يوم ما أن تقتنع هذه الأندية بضرورة الانشقاق عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وتشكيل بطولتها الخاصة.
معارضة اللاعبين
ماذا عن اللاعبين المعارضين للفكرة؟ باختصار هم أشدهم نفاقاً – برأي الشخصي -، يفاوضون الأندية على عشرات الملايين ويرفضون الاقتطاع من مستحقاتهم أو تقديم دعم يتناسب مع الضائقة بسبب الجائحة الحالية، ويخرجون ليتحدثوا عن جمال اللعبة وبساطتها.
لماذا لا يذهب هيريرا أو نيمار أو لوك شو للعب مع نابولي أو مرسيليا، أو حتى فناربخشة، ويتذوقوا طعم كرة القدم من دون أموال، كلام اللاعبين هو لزيادة شعبيتهم، وبالتالي الحفاظ على أي عقود رعاية يملكونها أو ربما رفع قيمتها لاحقاً، بحجة أنهم أبطال الشعب والناطقون باسمه.
كشخص عمل بكواليس الرياضة الأوروبية (الألمانية) بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، وشاهد الصناعات المرتبطة بها وكمية الأموال المهولة الناتجة عن هذه الصناعات، والتي لا يعرف المشجع العادي قدرها، ولا يمكنه حتى تصورها، والقادرة على تحويل أكبر إعلامي لبوق مطبل ناطق أقول:
مقولة "كرة القدم لعبة الفقراء" هي مقولة سارية المفعول في الشارع فقط، وكمشجع لا يملك نادياً خاصاً به ويريد الاستمرار بالاستمتاع بمشاهدة اللعبة فالسوبر ليغ هو الحل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.