مع بداية العام 2021، بدأ الحديث الجدي في لبنان بأن الانهيار الحلزوني قد بدأ فعلاً مع المؤشرات الاقتصادية والتقارير الدولية لواقع العملة المحلية، فاحتياطي الدعم بلغ الحضيض، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة يقول لكل من يلتقيهم محلياً ودولياً إنه لن يستخدم احتياطي الودائع، ما جرى أن الحاكم ومعه فريقه ذهبوا باتجاهات مختلفة، عبر لعبة زيادة رساميل المصارف المحلية، فيما التدقيق الجنائي يراوح مكانه دون جديد.
وما بات مؤكداً هو أن المصرف المركزي حدّد موعده لرفع الدعم نهائياً، في شهر يونيو/حزيران القادم، وكان يمكن أن تبدأ خطواته منذ شهر مارس/آذار، لكنّ يداً خفية حددته فعلياً في يونيو/حزيران، لتمرير الأعياد ورمضان وعيد الفطر، لأنه عندما يُرفَع الدعم سيكون صعباً ضبط أي شيء؛ الدولار والتضخُّم ونقمة الناس. ويقال إنّ السقوط المدوّي للبلد سيقع حتماً في هذه الحال، وسيكون آنذاك موعد الدخول في الانهيار الكامل.
حكومياً لم يسجّل أمس أي تطور ملموس يشي بحصول لقاءات تدفع في اتجاه تشكيل الحكومة، رغم بعض المعطيات التي ترشح من هنا وهناك، وتبعث على توقع ولادة الحكومة في موعد أقصاه نهاية الشهر الجاري، لاعتبارات تتعلق بالأخطار التي تُهدد البلاد مالياً واقتصادياً، في حال رفع الدعم عن بعض المواد والقطاعات الأساسية قبل نهاية الشهر المقبل، الموعد الذي يحدده البعض لنفاد الاحتياطي المالي من الدولار في مصرف لبنان.
الحوار السعودي-الإيراني.. وطهران تحتجز الملف اللبناني
في السياسة الإقليمية المرتبطة بلبنان ما بدا جديداً ومتطوراً هو انعقاد جلسات حوار سعودية- إيرانية، برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في المنطقة الخضراء في بغداد، وأنها تأتي عقب سلسلة من الاجتماعات التي عُقدت في وقت سابق من هذا العام، والتي جمعت بين عدد من الأطراف الفاعلة الإقليمية الأخرى، كتلك التي جمعت الأتراك والمصريين، والسعوديين مع الأتراك، وأن هذا المسار الموازي جمع بين مسؤولين أمنيين من إيران والإمارات والأردن ومصر. فيما ما هو مؤكد حتى اللحظة أن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني قد التقى بالفعل برئيس الاستخبارات العامة السعودية خالد الحميدان في بغداد، وأفيد أن الكاظمي مقتنع بأن هذه اللقاءات تُعزز وتتوافق مع رؤية "المشرق الجديد"، خاصة التي تشمل تفاهمات أمنية وسياسية بين الأطراف الرئيسية في المنطقة.
فيما تؤكد مصادر أن الجولة الأولى من هذه المحادثات قد جرت في 9 أبريل/نيسان الحالي، وأن خمسة اجتماعات على الأقل قد جرت قبل هذا التاريخ بين مسؤولين إيرانيين وعرب، خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين.
ووفق مصادر فإن الاجتماع سبقته اجتماعات جمعت بين مسؤولين إيرانيين وإماراتيين، في يناير/كانون الثاني. وبعد انتهاء المباحثات بين إيران والإمارات في العراق التقى مسؤولون أمنيون إيرانيون وسعوديون للمرة الأولى على مستوى ضباط استخبارات، فيما الاجتماع الثالث ضمَّ وفداً إيرانياً وآخر أردنياً، إلى جانب السعودية والإمارات، وانضم ممثلون من مصر إلى الاجتماع الرابع.
وبحسب ما يُنقل فإن الاجتماع الذي جرى في بغداد بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين حضره من الجانب الإيراني مسؤولون من هيئات حكومية متعددة، بالإضافة إلى أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، ومسؤولين من وزارتَي الخارجية والاستخبارات، ومن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
لبنانياً، وبحسب الصحفي منير الربيع، فإن هناك من لا يزال يعوِّل على المفاوضات السعودية- الإيرانية التي عُقدت في العراق، ويبدو أن هنالك جولة جديدة منها في المرحلة المقبلة. ولا شك في أن التفاوض الإيراني- السعودي سيكون طويلاً جداً، وهناك سلسلة قضايا ومسائل تحتاج إلى مناقشات مسهبة ومديدة، في ظل فقدان مقومات الثقة بين الطرفين.
ولهذه المفاوضات مستويان: الأول يتعلق بالمفاوضات الإيرانية- الأمريكية، والثاني المفاوضات السعودية- الإيرانية المباشرة. فالمفاوضات الأولى تخلق جواً ملائماً للثانية، التي تهدف إلى حلّ المشاكل الإقليمية، وتتوازى مع مفاوضات الاتفاق النووي.
الجو الأمريكي يشجع على الحوار، لاسيما في ظل معادلة الخروج الأمريكي من أفغانستان والعراق. وهذا يحتم الحاجة إلى جملة تفاهمات إقليمية ودولية حول الوضع العام في المنطقة، بعد الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي.
ولطالما كانت السعودية تريد أن تكون حاضرة في مفاوضات الاتفاق النووي، وبما أن التفاوض مع طهران بدأ فهذا يعني أنها حجزت موقعها، ولو لم يتم توسيع عدد الدول المتفاوضة نووياً من 5 زائد واحد إلى 6 أو 7 زائد واحد. فبموازاة المفاوضات النووية بدأ التفاوض على النفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا التفاوض تقوم به السعودية.
والمؤكد أن المفاوضات السعودية- الإيرانية تضع الأولوية لنقاش ملف اليمن، وهذا ما تُظهره مشاركة أحد المسؤولين العسكريين عن التحالف العربي في اليمن في المفاوضات، إلى جانب رئيس المخابرات العامة السعودية خالد الحميدان.
والطرفان الإيراني والسعودي يريدان الانتهاء من الحرب في اليمن. أما الأولوية الثانية في المفاوضات فهي العراق، نظراً لموقعه ودوره في ظل رئاسة مصطفى الكاظمي للحكومة العراقية، وهو يحاول أن يوازن موقف بلاده بين المتفاوضين، فيما تستثمر طهران بموقف الكاظمي لالتقاط أنفاسها عراقياً وفتح نوافذ للحوار.
وبحسب الربيع فإن لبنان ليس في أولوية المفاوضات حالياً. فلا السعودية تبدي اهتماماً به، ولا إيران جاهزة أو مستعدة لمناقشة الملف اللبناني إلا مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولبنان هو تقاطع إيراني- أمريكي، وفق النظرة الإيرانية، وهو المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله التأثير على إسرائيل سلماً أو حرباً، ومن خلاله يمكن الحصول على الكثير من واشنطن، ولا ينفصل لبنان عن سوريا، على الرغم من احتلال الثانية أهمية استراتيجية أكبر، وموقف السعودية واضح من الأزمة السورية: "لا يمكن انفتاحها على نظام بشار الأسد من دون تقليم النفوذ الإيراني".
والمعضلة السورية ستكون حاضرة في المرحلة المقبلة من المفاوضات، فإيران تعلم ألّا قدرة لأي طرف على إعادة الإعمار في سوريا من دون دول الخليج، وعلى رأسها السعودية؛ لذلك تسعى إيران للحصول على ما يشبه الغطاء السعودي أو الاعتراف بدورها ونفوذها في سوريا.
والسؤال الأساسي الذي تطرحه السعودية، وكذلك واشنطن والمجتمع الدولي، على طهران حول لبنان، هو عن دور حزب الله، وموقعه وأسلحته وصواريخه الدقيقة. هذه مسائل تحتاج إلى مسار طويل من التفاوض، قد ينطوي على تغيير في الصيغة السياسية اللبنانية مستقبلاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.