اليوم، 21 أبريل/نيسان 2021، هو أول عيد ميلاد للملكة إليزابيث لا يحتفل به معها زوجها الأمير فيليب، الذي توفي بعد زواج دام 74 عاماً، واجهتهما فيه مشاكل وأزمات كأي زوجين بالكون، لكن تجاوزاها وحققا نجاحاً مميزاً نتعلم من "أسراره". ويتضح ذلك النجاح بالمقارنة بين نجاحهما وطلاق الأمير تشارلز وديانا، ونجاحه بزواجه من كاميلا، ونجاح زواج الأمير وليام -حتى الآن- والتوقعات بفشل زواج الأمير هاري وميغان.
حظيت إليزابيث وزوجها الراحل بأهم سبب لنجاح الزواج وهو حسن الاختيار وقضاء الوقت الكافي للتعرف على شريك الحياة، بعيداً عن الانبهار بالشكل أو بالمكانة. بدأ التعارف بينهما وإليزابيث طفلة صغيرة، وتحابّا ببداية شبابهما، واقتربا وتعارفا جيداً قبل الخطبة والزواج، وساعدهما على ذلك تقارب النشأة والتكافؤ؛ فالأمير فيليب كان من أسرة ملكية دنماركية، وبسبب انقلاب تم نفيه وعاش ببريطانيا. بينما تعرف هاري على ميغان ماركل وهي ممثلة أمريكية بلقاء "مدبر" من صديق مشترك، ورفض نصائح شقيقه الأمير وليام وصديقه المقرب بالتريث قبل خطبتها، وأخبرها بما قالاه عنها وقاطعهما!
خطأ شائع
اختار تشارلز ديانا لصغر سنها ولجمالها ولصداقته بأسرتها، وتجاهل اختلاف الاهتمامات. وصرّح مؤخراً بشعوره أثناء الخطبة بأن زواجه منها لن ينجح، ولكنه استمر وتزوجها، وهو خطأ شائع، حيث يتجاهل البعض -من الجنسين- مؤشرات وجود اختلافات "عميقة" بين الطرفين، ولا نتحدث عن تطابق، فهذا غير واقعي، وغير مطلوب، فبعض الاختلافات تنعش الحياة وتقتل الملل والاعتياد، لكن نقصد التنافر، فديانا كانت تركّز على جمالها ورشاقتها بشكل مَرَضي، فتأكل ثم تتعمد القيء لتمنع زيادة وزنها، وتفعل ذلك أمام تشارلز، كما ابتعدت عن العفوية، فكانت تتعمد التقاط الصور بوضعية خاصة تخفي كبر أنفها.
وفعلت ذلك بكل الحالات حتى بحزنها، ما يعني الهوس المرضي بالجمال، ولو فكرت قليلاً لأدركت أن تشارلز ليس مهووساً بالجمال، وأحبَّ كاميلا التي لا تمتلك رصيداً جيداً من جمال المظهر، وتشاركه اهتماماته بالقراءة بالتاريخ، وتمتلك مثله حس الدعابة، ولذا نجح زواجهما، رغم رفضنا بالطبع للخيانة الزوجية فلا يوجد ما يبررها.
حزم وذكاء
نجح زواج إليزابيث وفيليب لأنه كان ذكياً، ولم يتنافس معها في دورها كملكة، ولم يقترب من صلاحياتها، ولم يعش "بالظل" كزوج للملكة، وصنع لنفسه دوره الخاص، فترأس مئات المنظمات خلال حياته الطويلة وكان نشيطاً، وحرص على إبداء الاحترام للملكة علناً، وكانت ذكية، فحرصت كثيراً على إظهار أهمية دعمه لها، ووصفته بأنه مصدر قوتها ومرشدها الدائم.
وروت أنهما تشاجرا يوماً فذهبت إليه في حجرته وطرقت الباب، فقال: من بالباب، قالت: أنا ملكة بريطانيا، فردّ: لا تدخلي.
فعاودت الطرق فقال: من بالباب.
ردت: زوجتك.
قال: ادخلي.
وهذا درس واقعي ورائع للجنسين، فمن يعتمد على منصبه، أو ثروته، أو جماله لإنهاء خلاف زوجي أو للضغط على شريك حياته سيخسر ولو بعد حين، وكان فيليب حازماً بلا عدوانية، وقوياً عندما رفض دخول زوجته بصفة الملكة، رغم شدة حبه لها، وهذا من أهم أسرار نجاح الزواج، فلا يسمح طرف للطرف الآخر باستغلال حبه لفعل ما يكره أو ما يؤثر بالسلب على علاقتهما أو على تقديره واحترامه واعتزازه بنفسه.
ابتزاز عاطفي
غاب كل ذلك عن هاري، الذي تمارس ميغان عليه الابتزاز العاطفي بصورة واضحة، وتستغل تأثره بوفاة والدته، وتُقلدها بارتداء ملابس تشبه ما كانت ترتديه ديانا، وتحاول العيش بإطار الضحية -كما يرى هاري أمه ديانا- ولم تكن ضحية مصوري الصحف الشعبية، كما يروج البعض؛ فالثابت اتصالها بهم أحياناً لتصويرها لإغاظة تشارلز أو الطبيب الباكستاني الذي ارتبطت به بقصة حب وتركها.
وكما يقال: لا نستطيع استدعاء "العفريت" عندما نريد وإعادته عندما نرغب.
تبتز ميغان هاري بادعاء الشعور بالضعف وبالحاجة لحمايته، حتى لا تتعرض لمصير ديانا، والمؤكد أنها أقوى من ديانا، فلم تنهَر نفسياً خلال مشوارها الطويل كممثلة "عادية"، ولا لفشل زواجها السابق، وأعلنت انهيارها بسبب ملحوظة قالتها الأميرة كيت، زوجة وليام، حول فساتين الأطفال بحفل زفاف هاري وميغان!
ورغم أن كيت أرسلت لها زهوراً لتصالحها فذلك لم يخفف من شدة جرحها، وكأنها صبية بالرابعة، وليست سيدة في نهاية الثلاثينات.
تنافس وفراغ
نجح زواج إليزابيث وفيليب لحرصهما على التدليل، ولإفساح كل منهما المساحات الخاصة لشريكه، وللاحترام المتبادل العلني بينهما، بينما شوهدت ميغان وهي تصرخ في هاري، وقاطعته بحدة عندما تكلم عن شيء فعله لتقول فعلناه معاً، وننبه لأهمية تجنب التنافس بين الزوجين، فهو من أسباب فشل الزواج والمسارعة بالطلاق أو باستمراره كزواج تعيس.
قالت ديانا إن تشارلز كان يغار من اهتمام المصورين بها، وتناست أنه كان أشهر عازب بأوروبا لسنوات طوال، ولديه اهتمامات ومسؤوليات كولي للعهد، تجعله لا يتنافس مع زوجته.
نصل للفراغ، فهو أكبر قاتل للعلاقات ومسبب لفشلها -من الجنسين- فيتصيد من يقع ببراثن الفراغ لشريك حياته لأقل هفوة ويبالغ بالتفكير بها "وقد" يتألم بشدة، وأحياناً "يدعي" التألم للابتزاز وللمضايقات وللسيطرة على شريكه.
بينما من لديه اهتمامات "يفرح" بها، وتشبعه نفسياً يرفض المبالغة بالتوقف عند الأمور البسيطة من شريك الحياة، ولا يتجاهل تكرارها، وينبهه بلطف وبحزم حتى لا تصبح عادة، وعندما لا يستطيع تحملها ينفجر بشريك حياته، وهنا يتهمه -وهو محق- بتصيد الأخطاء فلن يفكر أنه تحمله بأكثر مما يطيق، وسيرى أنه لم يخطئ سابقاً، فلا يوجد مبرر بعدم تنبيهه، ونوصي بعدم تجاهل ما نكره من كلام أو تصرفات من شريك الحياة وننبهه أولاً بأول، مع عدم المبالغة والتعامل بحساسية زائدة.
ونرفض بكل العلاقات، وبالزواج خاصة المثلَ القائل: "حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط".
صداقة ورومانسية
قال فيليب بذكرى الخمسين لزواجهما إن التسامح سبب سعادتهما، وتزداد أهميته بالأمور الصعبة، وامتدح تسامح إليزابيث وتقديرها لهداياه لها، وحرصها على ارتدائها بأهم المناسبات، وكان يناديها بلقب "ليلبيث" وهو لقب أطلقه والدها عليها، لأنها لم تنطق اسمها جيداً وهي صغيرة، وعرف فيليب شدة حبها لوالدها فكان يناديها مثله، وكتبت له إليزابيث رسالة وضعتها على نعشه "أحبك ليلبيث".
نجح زواجهما لأنهما تعاملا كصديقين مقربين، وهو سر نجاح زواج تشارلز وكاميلا.
ارتدت إليزابيث "بروش" شهر العسل عند زيارتها لفيليب في المستشفى، واحتفظت بخاتم الخطبة الذي ساهم فيليب في تصميمه ووضع به مجوهرات لأمه، وأعادت ميغان تصميم خاتم الخطبة الذي صممه هاري، ووضع به مجوهرات لديانا، وأخرى اشتراها من مكان أول رحلة لهما معاً لتضيف مجوهرات أكثر للخاتم!
ومن اللمسات الرومانسية اللطيفة احتفاظ الأمير فيليب بالحذاء الذي ارتداه يوم زفافه، وحرصه على تجديده وارتدائه بالمناسبات الهامة طوال زواجهما.
سيطرة وهجوم
تنعش اللمسات الرومانسية "الخاصة" الزواج، وتجعل الطرف الآخر أكثر رضا عن شريكه، وتزيد رغبته في تدليله والتجاوز عن المضايقات العابرة التي لا يخلو منها أي زواج، شرط أن يكون هذا التدليل متبادلاً، ويقدره الطرف الآخر، ولا يتعامل معه وكأنه مضمون، وسيفوز به، وإن أساء للطرف الآخر أو لأسرته أو تجاهل إرضاءه، وهو ما تفعله ميغان، التي أفسدت علاقة هاري بأسرته لتحكم السيطرة عليه، وادعت كراهيتها للالتزام بتقاليد الأسرة الملكية، وكأنها فوجئت بها، ولم يعرف عنها أي انتقاد لأي مخرج تعاملت معه، ومن المعروف أن لكل مكان تقاليده، ومن يذهب للأوبرا بأي مكان يلتزم بملابس معينة أو لا يذهب.
يدفع الزواج الناجح الشريكين بعضهما لبعض ليكونا أفضل، وهو ما يفعله الأمير وليام وزوجته كيت، اللذان يشتركان ببعض الاهتمامات، ويتطوعان بمنظمة تهتم بالصحة العقلية، وقاما -سراً- بتقديم مساعدات نفسية لبعض مرضى كورونا ببريطانيا، في الوقت التي انشغلت فيها ميغان بالهجوم على أسرة هاري، ولم تكتفِ بانهيار علاقتها بوالدها وشقيقها.
فرح ومرونة
الزواج الناجح بمثابة السكن الذي يصنع الفرح والراحة النفسية والإشباع العاطفي، ويتبادل الطرفان الرغبة في ذلك. كما يلتزمان بالاحترام والود والحرص على التفاهم وعلى إزالة الشوائب بعلاقتهما أولاً بأول، فلا يتعكر الزواج ولو بعد سنوات، ويدركان مسؤوليتهما عن إنجاح الزواج، ولا يوجد به غالب ولا مغلوب، بل ناجحان يتبادلان المرونة الذكية ويقدرانها، ويفهمان أهمية نجاح الزواج، وليتمكن طرفاه من النجاح بباقي أدوارهما في الحياة. وليكون إضافة جميلة لهما تساعدهما على تحمل صعوبات ومشاق الحياة، ومتاعب تربية الأبناء، وتحديات العمل، والمفاجآت غير السارة التي لا تخلو منها أي حياة، وحتى لا يكون الزواج خصماً من قدرات الشريكين أو أحدهما، وتجعله فريسة سهلة للمشاكل، ويصنع خسائره بيديه، وهو ما نجا منه إليزابيث وفيليب، وتشارلز وكاميلا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.