يُجمع المختصون والنقاد الرياضيون على اعتبار المنتخب الجزائري لكرة القدم هو الأفضل بين نظرائه العرب في الوقت الحالي، ولكن من المؤكد أنه ليس الأفضل في تاريخ الكرة العربية، لكنه قد يصبح كذلك بعد 15 شهراً من الآن، في حال تحقيقه الأحلام التي تراود المدرب بلماضي وكتيبته وكل الجماهير المشجعة لفريق "محاربي الصحراء".
من الصعب تحديد أفضل منتخب عربي لكرة القدم في التاريخ، حيث تختلف معايير الاختيار من ناقد لآخر، ومن مشجع بسيط لمشجع آخر، أما أنا ومن جهتي، فقد اخترت ثلاثة منتخبات، قد يكون أحدها هو الأفضل، وإني أترك لكم القرار الحاسم من خلال نوعية الإنجازات التي حققها كل منتخب.
3 منتخبات تركت بصمتها في الذاكرة الجماعية العربية
من الأحسن أن ألتزم عند الكشف عن أسماء هذه المنتخبات الثلاثة بالتسلسل التاريخي للإنجازات المحققة، حتى لا يتم اتهامي بالانحياز وعدم الموضوعية، ولذلك فإني أشير أولاً إلى المنتخب الجزائري الذي خاض نهائيات مونديال 1982 بإسبانيا، ومونديال 1986 بالمكسيك، والذي يعتبر أول منتخب عربي وإفريقي يشارك مرتين متتاليتين في دورة نهائية لكأس العالم لكرة القدم، والذي كان يضم في صفوفه أحد أفضل أجيال الكرة الجزائرية، على رأسهم لخضر بلومي ورابح ماجر وصالح عصاد ونور الدين قريشي.
وقاد ذلك المنتخب المدرب القدير رابح سعدان، كعضو في الجهاز الفني في سنة 1982، وكمدرب رئيسي في عام 1986، ونجح الفريق في تحقيق فوزين في مونديال إسبانيا أمام منتخبي ألمانيا الغربية (2-1) وتشيلي (3-2)، مقابل هزيمة واحدة على يد المنتخب النمساوي (0-2)، ليخرج من الدور الأول بكل شرف وبحسرة كبيرة أيضاً، حيث كان الكثير من المتابعين يرون أنّ فريق "الخضر" كان قادراً على الذهاب بعيداً في المسابقة العالمية.
المنتخب الثاني هو الفريق المغربي، الذي شارك في نهائيات مونديال 1986، ونجح في بلوغ الدور ثمن النهائي، ليكون بذلك أول منتخب عربي وإفريقي يتجاوز الدور الأول لدورة نهائية لكأس العالم لكرة القدم.
وتصدّر منتخب المغرب المجموعة السادسة للدور الأول لمونديال المكسيك، بعد تعادلين سلبيين (0-0) مع منتخبي بولندا وإنجلترا، وفوز واحد على المنتخب البرتغالي (3-1) بقيادة المدرب البرازيلي جوزيه مهدي فاريا، وبمجموعة من اللاعبين الممتازين على غرار حارس المرمى بادو الزاكي، ومتوسط الميدان عبدالمجيد الظلمي، وصانع الألعاب محمد التيمومي، والمهاجمين عزيز بودربالة وعبدالكريم كريمو.
أُقصي المنتخب المغربي في الدور ثمن النهائي لمونديال مكسيكو بعدما أبلى البلاء الحسن أمام منتخب ألمانيا الغربية، وتلقى هدفاً وحيداً في الدقيقة الـ87 من المباراة بقدم الأسطورة لوثار ماتيوس، النجم السابق لناديي بايرن ميونيخ وإنتر ميلان.
المنتخب الثالث هو المنتخب المصري للنصف الثاني من العشرية الأولى للقرن الحالي، ونعني به المنتخب الذي نال لقب كأس أمم إفريقيا لكرة القدم في ثلاث مرات متتالية، في أعوام 2006 على أرضه، و2008 بغانا، و2010 بأنغولا، بقيادة المدرب "المعلم" حسن شحاتة، ونجوم كبار كقائد الفريق أحمد حسن، والمدافع الفذ وائل جمعة، ومحبوب الجماهير العربية محمد أبوتريكة.
ولم ينقص ذلك الجيل الذهبي للكرة المصرية سوى بلوغ نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا، حيث أُقصى في الدور الأخير للتصفيات الإفريقية على يد منتخب الجزائر في مباراة فاصلة تاريخية (0-1) بمدينة أم درمان السودانية.
6 لاعبين من الجيل الحالي شاركوا في مونديال 2014
قد يعتقد البعض أنّ الجيل الحالي لمنتخب الجزائر هو نفسه الذي بلغ الدور ثمن النهائي لمونديال البرازيل 2014، وانهزم بصعوبة أمام "البطل المستقبلي"، منتخب ألمانيا بعد الوقت الإضافي (2-1)، لكن الأمر في الواقع ليس كذلك، إذ لا يوجد من قائمة الفريق المُتوّج بلقب كأس أمم إفريقيا 2019 سوى 6 لاعبين فقط شاركوا في نهائيات كأس العالم لسنة 2014، ويتعلق الأمر بكلٍّ من حارس المرمى رايس وهاب مبولحي، والمدافع عيسى ماندي، ومتوسطي الميدان سفيان فيغولي وياسين براهيمي، والمهاجمين إسلام سليماني ورياض محرز.
ولكي يصبح المنتخب الجزائري الحالي هو الأفضل عليه أن يقترب من تحقيق نفس إنجازات مصر حسن شحاتة، وجزائر رابح سعدان، ثم تحقيق نتائج أفضل في مونديال قطر 2022.
ولكي أكون واضحاً أكثر، أرى أنه يكفي المنتخب الجزائري الحالي التتويج بلقب كأس إفريقيا القادمة، المقررة في يناير/كانون الثاني 2022 بالكاميرون، والتأهل إلى نهائيات المونديال القادم، وتحقيق إنجاز تاريخي كبير، بحيث يكون أول منتخب عربي يبلغ الدور ربع النهائي، أو المربع الذهبي، وحتى نكون متفائلين أكثر نقول: "أول منتخب عربي يُتوّج بكأس العالم لكرة القدم".
إنجاز تاريخي مرتقب في مونديال قطر 2022
أعتقد عزيزي القارئ أنك قد تفاجأت عندما قرأت هذه الجملة الأخيرة "أول منتخب عربي يُتوّج بكأس العالم لكرة القدم"، وأنك قد تساءلت تلقائياً: "هل يملك منتخب الجزائر مقومات تحقيق ذلك؟".
لا تقلق ولا تتعجب، سأجيبك عن تساؤلك المشروع وسأتحدث عن تركيبة المنتخب الجزائري الحالي والروح المعنوية الكبيرة الموجودة لديه بعد تحقيقه لسلسة مميزة بـ24 مباراة دولية دون هزيمة، إضافة للجرأة والطموح الكبيرين اللذين زرعهما المدرب الوطني جمال بلماضي لدى اللاعبين، انعكاساً لطموحه هو شخصياً، عندما لمح في إحدى المناسبات أنه يستهدف التتويج بكأس العالم.
ويضم المنتخب الجزائري الحالي في صفوفه العديد من النجوم الذين ينشطون في أندية أوروبية كبيرة، على غرار رياض محرز، مهاجم مانشستر سيتي الإنجليزي، ورامي بن سبعيني، الظهير الأيسر لبوروسيا مونشنغلادباخ الألماني، وإسماعيل بن ناصر متوسط ميدان ميلان الإيطالي، وعيسى ماندي مدافع ريال بيتيس الإسباني، وسعيد بن رحمة مهاجم وست هام الإنجليزي، وإسلام سليماني مهاجم ليون الفرنسي.
ويُضاف لهؤلاء اللاعبين المميزين زملاء لهم ذوو تجربة دولية كبيرة كرايس وهاب مبولحي، حارس مرمى نادي الاتفاق السعودي، وسفيان فيغولي، متوسط ميدان فريق غالاتا سراي التركي، وياسين براهيمي، قائد عمليات نادي الريان القطري.
والتتويج بكأس العالم لا يكون من خلال الفوز بلقاء واحد أو لقاءين، بل بحُسن تسيير دورة نهائية يخوض خلالها المنتخب 7 مباريات على الأقل، أي 3 مواجهات في دور المجموعات ثم مباراة واحدة في كل من الدور ثمن النهائي وربع النهائي ونصف النهائي والنهائي.
ومع توالي المباريات في الدورات النهائية للمونديال يتعرض المنتخب لغيابات اللاعبين غير المنتظرة والاضطرارية بسبب الإصابة أو العقوبة، ما يتطلب من المدرب إيجاد البدائل دون التأثير على انسجام وتكامل التشكيلة الأساسية، وهو الأمر الذي نجده لدى المنتخب الجزائري الذي يتوفر على كرسي احتياط "ملكي"، بحيث نجد تقريباً لاعبين اثنين مميزين في كل مركز، وفي بعض الأحيان 3 لاعبين من المستوى العالي في مكان واحد، كبن سعيني وفارس وغلام في مركز الظهير الأيسر، وبونجاح وسليماني وديلور في مركز المهاجم الصريح.
شخصية المدرب تصنع الفارق
ولا يتطلب التتويج بكأس العالم فقط تشكيلة متكاملة من اللاعبين الممتازين بقيادة جهاز فني ذي كفاءة عالية، بل تتطلب أموراً وجزئيات كثيرة، وأبرزها شخصية المدرب.
فإذا كان المدرب طموحاً ويملك لغة وأدوات تواصل فعالة تسمح له بزرع نفس درجة طموحه لدى لاعبي فريقه، فهو قادر على الذهاب بعيداً بكتيبته، مثلما كان الشأن مع بلماضي لما صرح قبل بداية نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019 بمصر، أنه سيذهب إلى البلد الشقيق من أجل التتويج باللقب القاري، فنجح في رفع التحدي بعدما رفع من معنويات لاعبيه وجعلهم يُخرجون أفضل ما بجعبتهم لخوض المباريات بروح جماعية وقتالية لا مثيل لها.
وأريد التوضيح أنّ جمال بلماضي كثيراً ما لمح في تصريحات سابقة لطموحه الكبير إلى تحقيق إنجاز تاريخي مع منتخب الجزائر في مونديال قطر القادم.
فقد قال مدرب "الخضر" مثلاً في حوار لصحيفة "ليكيب" الفرنسية يوم 29 يوليو/تموز الماضي: "تبدو القصة خيالية، فإذا توقع أحدهم، من قبل، أنّ بلداً مثل قطر سينظم نهائيات كأس العالم لكرة القدم، وأنه بإمكاني التواجد هناك كمدرب لمنتخب الجزائر، فإني أقول إنّ نسبة إمكانية حدوث ذلك هي 0.1%، المهم يجب أولاً التفكير في التأهل حيث لن تكون المهمة سهلة، ثم إذا حالفنا الحظ في التواجد هناك فإننا لن نذهب من أجل المشاركة فقط، بل يجب الإيمان بالمستحيل وامتلاك الطموح، أرى أن خوض دورة نهائية لكأس العالم في البلد الذي شهد ميلادي كمدرب هو بمثابة إشارة على القدر".
ولكن قبل تحقيق "الحلم المستحيل" يجب على منتخب الجزائر التأهل أولاً إلى نهائيات مونديال 2022، بالمرور عبر التصفيات الإفريقية، حيث سيبدأ المشوار الطويل والشاق في شهر يونيو/حزيران القادم، بمواجهة منتخبات كل من جيبوتي وبوركينا فاسو والنيجر، لحساب المجموعة الأولى، ثم ملاقاة أحد المنتخبات المتأهلة على رأس المجموعات التسع الأخرى في الدور الحاسم، ذهاباً وإياباً، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
ولأكون منصفاً مع المنتخب الجزائري الحالي فأنا لا أطالبه بنيل كأس العالم، فيكفي بلوغه الدور ربع النهائي لمونديال قطر والتتويج للمرة الثانية توالياً باللقب الإفريقي، لكي أصنفه كأفضل منتخب في تاريخ الكرة العربية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.