بمجرد أن أبصر "البوستر الرسمي" لمسلسل "القاهرة كابول" النور حتى انهالت التعليقات حوله بين من استوقفه "اللوك" الذي يطل به الفنان طارق لطفي في العمل، وآخرين توقعوا أن يحظى بمتابعة كبيرة خلال الشهر الفضيل، لاسيما أنه يضم كل العناصر والمقومات المطلوبة لنجاح أي عمل فني؛ لكن ما استوقفني بعيداً عن كل ما سبق هو تعليق صفحة "أفغانستان بالعربي" المعبر على البوستر، والذي أراه جديراً بالتوقف عنده ملياً؛ حيث نقرأ فيه "أفغانستان تحاول الآن بكل ما لديها أن تفتح صفحة جديدة، ولكن يؤسفنا أن إخواننا العرب يصرون على لصق اسم (الإرهاب) مع أفغانستان حتى تغشش أذهان شعوبهم".
وختمت: "نوجه رسالتنا للإخوة المصريين، بأن تشاركوا رسالتنا بقدر استطاعتكم حتى تصل أصواتنا للقائمين بهذا العمل السينمائي ليعرفوا أنهم يظلمون إخوتهم الأفغان بأبشع الصور!".
هذه الرسالة الأفغانية لصناع المسلسل جعلتنا نعود بالذاكرة للوراء قليلاً كي ننبش في علاقة وطريقة تعاطي الدراما العربية مع القضية الأفغانية، وهل فعلاً هناك تجنّ على هذا البلد؟ ولعل أشهر مسلسل اقتحم هذا العالم "المظلم" بالنسبة للمتابع العربي كان هو "الطريق إلى كابول" الذي لم ينجح في إيصال رسالته كما اشتهى صناعه، حيث توقف كما يعرف القاصي والداني بعد عرض ثماني حلقات منه، وهو من إنتاج مؤسسة ذات باع طويل، وهي "المركز العربي للإنتاج الإعلامي"، التي قررت في تلك الفترة فتح هذا الملف الشائك من خلال سلسلة أعمال متتالية رغم "نكسة" العمل السالف الذكر الذي مازال سبب إيقافه الحقيقي غير معلوم في ظل ضبابية الرؤية بين تهديدات من جماعات إسلامية وضغوط غربية، وغير ذلك، رغم أن ما شاهده الجميع خلال الثماني حلقات الأولى يؤكد بجلاء أننا أمام مسلسل مهم ويناقش حقبة زمنية غاية في الأهمية بجرأة وشجاعة غير مسبوقة في تاريخ الدراما العربية، ومن المعروف أن كاتبه هو الراحل جمال أبوحمدان، بينما أخرجه محمد عزيزية، وضم نخبة من ألمع نجوم الشاشة العرب، من عابد فهد ومنى واصف إلى فرح بسيسو وآخرين، ورغم أن العمل أنتج سنة 2004 فإن الكثيرين مازالوا يتساءلون: ألم يحن الأوان كي يعرض العمل كاملاً الآن؟
وبعد "الطريق إلى كابول" الذي أنصف "المأساة الأفغانية" وتسلل للجرح النازف هناك من خلال ما كان يعرف "بالمجاهدين العرب الأفغان"، جاء الدور على مسلسل "الطريق الوعر" الذي واصل من خلاله نفس الشركاء تقريباً ممثلين بالمركز العربي والكاتب جمال أبوحمدان العمل على المضي قدماً في نفس المشروع، وهذه المرة تولى الإخراج التونسي الراحل شوقي الماجري، والبطولة كانت لعباس النوري وغسان مسعود وباسم ياخور والراحل ياسر المصري وإياد نصار وآخرين، وتدور أحداثه حول صحفي وثق الحرب الأفغانية وأيضاً تحول من كانوا يسمون "المجاهدين العرب" إلى جماعات متطرفة تفتك بالأبرياء، مما جعله مطلوباً لدى هؤلاء قصد إسكات صوته.
وفي السنة الموالية، أي 2006، أسدل المركز العربي الستار على هذا الملف الضخم من خلال مسلسل "دعاة على أبواب جهنم" الذي كتبه كل من عادل الجابري وياسر قبيلات، وأخرجه الثنائي رضوان شاهين وإياد الخزوز، وشارك فيه كل من سلوم حداد وغسان مسعود ونسرين طافش وعابد فهد ولارا الصفدي واللبناني جهاد الأطرش والمصري أحمد ماهر والمغربي محمد مفتاح، وآخرون من جنسيات عربية مختلفة، ويرصد أيضاً تأثير تجربة أفغانستان على الشباب العربي وما تلا مرحلة العودة من هناك.
كما شاهدنا الحديث عن هذا البلد في أعمال أخرى متفرقة مثل مسلسل "تورا بورا" الكويتي للمخرج وليد العوضي حيث يتحدث عن والدين سافرا لأفغانستان من أجل البحث عن ابنهما المنضم لأحد التنظيمات المتطرفة، وأنتج سنة 2015، كما شاهدنا الفنان محمود عبدالعزيز يعود من الحرب، لكن دون أن يذكر صناع العمل اسم البلد العائد منه، رغم أن اللباس والاسماء و لهجة الابن ترمز لنفس البلد في مسلسل "باب الخلق" الذي أنتج 2012، دون إغفال فيلم مغربي اسمه "أفغانستان لماذا؟"، تم تصويره سنة 1984 للمخرج عبدالله المصباحي وبطولة النجمين المصريين عبدالله غيث وسعاد حسني واليونانية إيرين باباس، والأمريكي شون كونري والمغربي حميد بنمسعود، ويتحدث عن أستاذ جامعي يعمل بجامعة كابول يجاهر برفض الاحتلال السوفييتي لبلاده، وكان يدعو لإدانة الاستعمار ويصفه بأنه هجوم على حرية شعب مسالم، لكن هذا العمل لم يبصر النور حتى هذه اللحظة رغم وجود كل الأسماء السالفة الذكر ضمن طاقمه.
إذاً بين تكريس "صورة نمطية" عن بلد يطوقه الإرهاب من كل حدب وصوب، وكونه سبباً رئيسياً في انحراف الأبناء و"مقص رقيب مجهول" جاهز بالمرصاد لمحو أعمال تتحدث عن نفس البلد بأسلوب مختلف وتسعى لتقديمه بصورة مغايرة للمشاهد العربي؛ بهذه الصورة يمكننا اختصار علاقة الدراما العربية بأفغانستان، بانتظار أعمال أخرى يمكن أن تتحلى بالشجاعة لاقتحام أسوار هذا المكان المثخن بالجراح والحكايات التي تستحق أن تُروى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.