ليس هنالك تفسير "للتعنت الإثيوبي" في عدم الرضوخ للتنازلات السودانية والمصرية في مفاوضات سد النهضة المتعثرة منذ 3 أشهر، وإصرار أديس أبابا على المضي قدما في عملية الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، سوى أن سيناريو الحرب هو المفضل لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتوحيد جبهته الداخلية.
وفي الرابع من أبريل/نيسان الجاري، قال آبي أحمد، إن الجيش الإثيوبي يحارب "على 8 جبهات" في بؤر توتر بينها إقليم تيغراي، مشيراً إلى اعتماد خصومه هناك تكتيكات حرب العصابات، وفق تقارير إعلامية.
ويحارب الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي وأيضاً مجموعة مسلحة في منطقة أوروميا.
ويواجه آبي أحمد ضغوطاً دولية متزايدة لتحقيق تسوية سياسية في إقليم تيغراي الذي تجددت فيه الحرب خلال الأيام الماضية على الرغم من مرور 4 شهور منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على إعلان الانتصار على "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، كما يطالب المجتمع الدولي بحسب القوات الإريترية من الإقليم.
ما الخطوات الإثيوبية المحتملة بعد إعلان فشل المفاوضات؟
تترقب الحكومة الإثيوبية التصعيد السياسي والدبلوماسي للسودان ومصر بعد فشل جولة المفاوضات التي عقدت في العاصمة الكنغولية كينشاسا حول سد النهضة الإثيوبي خلال يومي 4 و5 أبريل الجاري، كما أن لديها حلفاء أبرزهم الصين والإمارات لمواجهة أي قرارات من المؤسسات الدولية وأبرزها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتعمد إثيوبيا إلى أنها تريد حلاً سلمياً لكنها تتمسك بإصرار شديد على عدم خروج "مفاوضات السد" من الاتحاد الإفريقي وسط استياء سوداني ومصري من عدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لنحو 10 سنوات للأزمة المائية.
والخميس أبلغت إثيوبيا الولايات المتحدة الأمريكية بتمسكها برعاية الاتحاد الإفريقي لمفاوضات سد النهضة.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، ومستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان.
أشار مكونن إلى أن مفاوضات سد النهضة، برعاية الاتحاد الإفريقي، ضرورية بالنظر إلى كونه مراقباً محايداً ومنصفاً.
ومن المهم الأخذ في الاعتبار، خطوة أخرى يمكن لأديس أبابا استخدامها تتمثل في دعم مجموعات مسلحة أو سياسية معارضة للسودان ومصر، في إطار ترجيح سيناريو نشوب الحرب بين الدول الثلاث.
وفي 8 مارس/آذار الماضي اتهم السودان الحكومة الإثيوبية بتقديم دعماً لوجستياً لقوات "الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال"، ونائب قائدها جوزيف توكا في ولاية النيل الأزرق المجاورة لإثيوبيا، عبارة عن أسلحة وذخائر ومعدات قتال وصلت منطقة يابوس بتاريخ 27 فبراير 2021، وذلك وفق وكالة السودان للأنباء الرسمية.
ويقاتل الفريق جوزيف توكا الحكومة السودانية في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) منذ عام 2011.
وبررت الخرطوم اتهامها الذي نفته أديس أبابا بأن الحكومة الإثيوبية تعمل على "استخدام القائد جوزيف توكا لاحتلال مدينة الكرمك بغرض تشتيت جهود الجيش السوداني على الجبهة الشرقية".
ما الأوراق التي يمتلكها كل من مصر والسودان في اللحظة الراهنة؟
وعلى خلاف أديس أبابا، تمتلك الخرطوم والقاهرة أوراقاً متعددة يمكن استخدامها وفق القانون الدولي أو من خلال "الضربة الخاطفة" التي سيكون لها تأثير سالب على البلدان الثلاثة.
ولكل من السودان ومصر حلفاء في مجلس الأمن الدولي، الذي أصبح الخيار الدبلوماسي للدولتين في مواجهة التعنت الإثيوبي، ومن خلال الإفصاح عن تصعيد سياسي للموقف.
وفي مؤتمر صحافي بالخرطوم قال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس، الأربعاء، إن "كل الخيارات مفتوحة" أمام بلاده للتعامل مع أزمة "سد النهضة" الإثيوبي، ومن ضمنها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وأضاف عباس، خلال مؤتمر صحافي بالخرطوم: "كل الخيارات أمامنا مفتوحة في سد النهضة ومن ضمنها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، وعلى العالم أن ينتبه قبل فوات الأوان".
وبات من المحتمل جدا سيناريو "اندلاع الحرب" في مقابل الوصول إلى تسوية سلمية في مفاوضات السد.
ويبرز التفوق العسكري المصري والسوداني على الإثيوبي من خلال عدة وقائع أهما الشعور بالمخاطر والتأثير البارز من تحكم أديس أبابا في مياه النيل مستقبلاً على الأمن القومي لكلتا الدولتين من دون الاتفاق الذي يزيل تلك المخاوف.
ونفذ الجيشان المصري والسوداني خلال الأسبوعين الماضيين تدريبات مشتركة للقوات الجوية تحت مسمى "نسور النيل 2″، وشملت التدريبات إجراءات التلقين وأسلوب تنظيم التعاون لتوحيد المفاهيم، وصقل المهارات لإدارة العمليات الجوية المشتركة، بجانب تنفيذ العديد من الطلعات المشتركة لمهاجمة "الأهداف المعادية"، وحماية الأهداف الحيوية، بمشاركة مجموعة من المقاتلات المتعددة المهام، بجانب تمارين الإبرار الجوي.
وكشفت صور بثها الجيش المصري امتلاك مقاتلات ميغ-29 المصرية المتواجدة في السودان صواريخ روسية متطورة، كما يمتلك السودان صواريخ وراجمات حصل عليها من الصين يتجاوز مداها 300 كليومتر، وفق نشرات عسكرية سودانية، وهذا ما يمكن من قطع خطوط الإمداد للجيش الإثيوبي بالقرب من السد الذي لا يبعد كثيراً عن الحدود السودانية.
هذا التفاهم العسكري ما بين البلدين لديه أهداف واضحة للدفاع عن المصالح المشتركة أو تنفيذ أي ضربة عسكرية للسد، عند صدور قرار سيادي من الخرطوم والقاهرة.
والأربعاء الماضي، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن بلاده لن تسمح بالمساس بحصتها المائية، وإن جميع الخيارات مفتوحة للتعامل مع أزمة سد "النهضة" الإثيوبي، وفق التلفزيون الرسمي.
كما أشار إلى أن مصر تواصل التنسيق مع السودان والتواصل مع العالم للتحذير من تداعيات استغلال الأنهار الدولية "بشكل غير مدروس".
وجاءت جولة كينشاسا عقب 3 أشهر من تعثر المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي، وبعد تصريحات للسيسي في 30 مارس/آذار الماضي، حملت أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات.
وقال السيسي آنذاك إن "مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".
وتصر أديس أبابا على ملء ثانٍ للسد بالمياه، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي يحافظ على منشآتهما المائية ويضمن استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب.
وتمتلك الخرطوم ورقة ثانية يمكن أن تضغط من خلالها على أديس أبابا بتقديم الدعم للمجموعات المعارضة للحكومة الإثيوبية وأبرزها جبهة تيغراي، وذلك لقرب المسافة ما بين الحدود واتساعها لنحو 750 كيلومتراً.
هنالك ورقة أخرى تحاول القاهرة امتلاكها بإقامة قاعدة عسكرية في دولة جنوب السودان بالقرب من الحدود الإثيوبية.
وفي الثامن من يونيو/حزيران الماضي نفت دولة جنوب السودان موافقته على طلب مصري بإنشاء قاعدة عسكرية في باجاك.
وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية أن سفير جنوب السودان لدى أديس أبابا جيمس بيتيا مورغان أكد للخارجية الإثيوبية أن جوبا لن تنطوي على خطوات تضر بمصالح إثيوبيا.
هل أبدت إثيوبيا جموداً وعدم مرونة في المفاوضات؟
ما زالت إثيوبيا تتمسك بموقفها بعدم خروج مفاوضات سد النهضة من الاتحاد الإفريقي، وترى أن "الدعوة لرباعية دولية" للمشاركة في المفاوضات تخطٍّ لدور الاتحاد الإفريقي، وتنتقص من سيادة إفريقيا.
وتمضي أديس أبابا في كل خطواتها لتخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه خلال 3 شهور قادمة، ولا تقبل بتجاوز المراقبين في المفاوضات لدورهم، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية.
قد يفسر هذا الاصرار الإثيوبي بأن له هدفاً هو التحكم في مياه النيل بعد أن ضغطت إثيوبيا على تعديل اتفاقية تقسيم مياه النيل مع دول إفريقية قبل 11 عاماً.
وفي مايو/آذار 2010 وقعت أربع من دول حوض النيل (إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا) اتفاقاً في أوغندا لتقاسم مياه النهر، وسط مقاطعة مصرية وسودانية لهذا الاتفاق.
ويتيح التحكم في مياه النيل لأديس أبابا ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية.
وبدأت الخرطوم في مواجهة "التعنت الإثيوبي" بالترتيبات الفنية لمواجهة الملء الثاني للسد، وبدأت في تفريغ خزان "جبل أولياء" جنوب العاصمة السودانية للحد من "الآثار السلبية" المتوقعة جراء الملء الأحادي لسد النهضة، حسب بيان لوزارة الري والموارد المائية السودانية.
وخزان جبل أولياء، هو سد حجري على نهر النيل الأبيض بالسودان، يقع على بعد 44 كيلومتراً جنوب الخرطوم، وأنشئ عام 1937.
وفي 9 مارس/آذار الماضي، قال وكيل وزارة الري السودانية ضو البيت عبدالرحمن، في بيان، إن مهندسي الوزارة بإدارتي الخزانات ومياه النيل "يعملون للتحسب لكل السيناريوهات المحتملة جراء الملء الأحادي لسد النهضة".
وأضاف أن "ذلك للحد من الآثار السلبية المتوقعة ويشمل تعديلات في نظم تفريغ وملء خزاني الروصيرص، وجبل أولياء".
وتشمل التدابير الاحتفاظ بمخزون مائي ببحيرة سد الروصيرص بمعدل 900 مليون متر مكعب لاستخدامه في يوليو إلى جانب الاحتفاظ بمخزون مائي ببحيرة جبل أولياء ما بين 600 ـ 700 مليون متر مكعب.
الإمارات هل تصطدم وساطتها بالمخاوف السودانية المصرية؟
لم تصدر مواقف رسمية حول مآلات المبادرة الإماراتية بين السودان وإثيوبيا حول سد النهضة، ولكن في رسالة ضمنية لرفض المبادرة أعلن عضو مجلس السيادة السوداني مالك عقار رفضه القاطع لأي وساطة لحل النزاع الحدودي في منطقة الفشقة بين السودان وإثيوبيا.
وقال في ندوة يوم الأربعاء الماضي: "أي مبادرة تعني أن جهة ما تريد توزيع أرضنا لمن لا يملكها ولا يستحقها، من حقكم توزيع أرضنا".
وتابعت القاهرة تحركات أبوظبي في الوساطة بين الخرطوم وأديس أبابا بقلق تخوفاً من عقد اتفاق فني فقط وثنائي بين السودان وإثيوبيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.