أكاد أجزم أن أكثر الناس ثراءً بعد مباراة مثل تلك المباريات هم أطباء الجهاز التنفسي لعشاق متعة كرة القدم وأطباء القلب لمشجعي الفريقين.
مباراة كانت محققة لطموحات كل المشجعين بمختلف قمصانهم ولم يكن هذا الأداء مفاجأة في مباراة بمثابة نهائي مبكر "بل وتكرار لنهائي النسخة الماضية من دوري الأبطال".
فلا عجب إذن أن يتحول ملعب الأليانز أرينا إلى صالة مغلقة وتتحول المباراة بدلاً من كرة القدم لكرة اليد في تحولات سريعة بين مرمى الفريقين أتعبت المشاهدين والحكام قبل اللاعبين والمدربين، بل وتصديات من الحارسين تطابق تصديات حراس كرة اليد. وزيادةً على هذا لم يترك مانويل نوير هذا الأمر دون إبداع فيسمح لمبابي بإحراز هدف بين أقدامه فيخيل لك أنك تشاهد أحمد الأحمر أسطورة كرة اليد في طريقته المفضلة لإحراز النقاط.
مباراة دراماتيكية وسيناريوهات اعتدنا أن نراها في ليالي الأبطال المثيرة للأعصاب. فبعد هدف مبكر في الدقائق الأولى تحرز هدفاً في الدقيقة الثانية عشرة في بايرن ميونيخ، بل وعلى أرضه؟ لا لن تسمح لك كرة القدم بهذا، ستتدخل تقنية الفار لتضع حداً لهذا التفوق وتمنع رفعاً للراية البيضاء كان على وشك الحدوث من كل لاعبي بايرن ميونيخ.
ولكن بعد إصرار باريس سان جيرمان على إحراز الهدف الثاني فلا بد إذن من معاقبتك لتشتعل المباراة ويصاب قائد الفريق ماركينيوس وتضطر لاستبداله.
حينها يمكن للبايرن أن يعود للمباراة فيحرز الهدف الأول، بل ولا مشكلة حينها في التعادل فهذا ربع نهائي دوري الأبطال.
تخيل معي أنك الآن تقف مكان هانز فليك، مدرب بايرن ميونيخ، على خط الملعب وبدأت ترى تنفيذاً لكل تعليماتك من اللاعبين رغم غياباتك المؤثرة ورغم استغلال الفريق الباريسي لكل الهجمات الممكنة، ولكن على الرغم من هذا تستغل كل نقاط ضعف الخصم من الجبهة اليمنى أو حتى غياب فيراتي وضياع خط الوسط، وفوق كل هذا أدركت أهمية الكرات العرضية وسوء تعامل الخصم معها واستغل لاعبوك هذا بشكل جيد جداً وعدت في المباراة.
ولكن هل لشرايينك قدرة على تحمل تفوق باريس سان جيرمان مجدداً عليك بهدف عكس سيطرتك؟ وعكس كل ما في الملعب من هجمات بكل الأشكال وتصديات من كل أركان المرمى تألق بها كيلور نافاس ليمنع جميع أنواع الهجمات التي قام بها البايرن. حينها لن يمكنني إذَن انتقادك رغم أن هذا أكثر ما برع فيه.
كم كنت أتمنى أن أصف فليك مثلاً بسوء اتخاذ القرارات.. لم يكن هنالك ما يمكن اتخاذه. أو أكتب عن بوتشيتينو، مدرب باريس سان جيرمان، فأصفه بالجبن وعدم استغلال تراجع البايرن. ولكن هل كان سيتحمل ما سيحدث حينها؟
وهل كان متاحا لكلا المدربين أن يقوما بأكثر مما قاما به؟ هل أعطتهم الغيابات فرصة لفرض السيطرة على المباراة بشكل أفضل؟ ربما كانت الرياح في صف الباريس وكان البايرن على متن السفن. ولكن من ناحية أخرى هل ذلك هو بمثابة نهاية الرحلة للسفن الألمانية؟
قطعاً لم تكتمل الرحلة بعد وما زال هنالك نصف المعركة. ربما تأذت السفن، ولكن ربما لا يزيدها هذا إلا إصراراً. فبعودة ليفاندوسكي المنتظرة سيكون بمثابة القبطان المنقذ للسفن الألمانية لإيصالها لبر الأمان والوصول لنصف النهائي.
ما زال في القصة فصل آخر لم يكتمل، ما زال للحديث بقية في حديقة الأمراء.
فكما اعتدنا مع مباريات دوري الأبطال لا يمكن الاعتداد أبداً بمباراة ذهاب أو إياب أو حتى بفارق الأهداف. وكما تعودنا خصوصاً مع باريس سان جيرمان أن المباريات تنتهي بعد صافرة مباراة العودة، فالفريق الفرنسي دائماً ما يبدع بسيناريوهات لمغادرة دوري الأبطال كل عام تتفوق على ما قبلها في الدراما.
فهل يقع بوتشيتينو وأولاده أمام فريق مثل بايرن ميونيخ لن يعترف باسم فريق أو اسم مدينة. هل يكتبون فصلاً جديداً يمكننا عرضه في الدراما الرمضانية هذا العام؟ أم هل تعود بعض الغيابات فتعطي بوتشيتينو بعض الأفضلية في التعلم من أخطاء الماضي وإثبات أنه مختلف عن كل المدربين السابقين؟
خصوصاً أن كل ما حدث في الماضي تم تفسيره على أنه خطأ مدرب أو خطأ في تسيير الأمور وعدم وجود شخصية البطل. فما سيحدث في مباراة العودة لن يكون فقط عودة لمباراة في دوري الأبطال، بل سيكون عودة لمشروع باريس سان جيرمان الذي لم ينل مراده حتى الآن، أو سيكون زيادة تأكيد على هيمنة الـ"بعبع" البافاري وأنه ما زال لا يقهر وأن فقدانه سلسلة اللاهزيمة هي مجرد خسارة معنوية مؤقتة وليست فعلية.
لن تقل مباراة العودة حماسة عن مباراة اليوم، فلم تكن نتيجة اليوم بالقدر الكافي من السوء الذي يجعل لاعبي بايرن ميونيخ يشعرون بالهزيمة، ولم يكن أداء البايرن بالضياع الكافي الذي يجعلهم يخرجون عن تركيزهم في الحرب القادمة.
كل ما يلخص هذا هو ما قاله مولر بعد المباراة "لم تنتهِ بعد".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.