في 23 أبريل/نيسان من كل عام تحتفل إنكلترا بيوم القديس جورج، عيد يرفعون فيه أعلام ورموز القديس باعتباره القديس الحامي أو Patron Saint لإنكلترا، حتى إن الصليب الأحمر على علم إنكلترا، هو صليب القديس جورج، ويطلبون حمايته ويستنجدون به في وجه الصعاب والمشاكل، منذ أن أعلنه الملك إدوارد الثالث قديس إنكلترا في 1350، بعد أن وضع جده إدوارد الأول شعارات القديس على رايات خلال الحرب، وخلده شكسبير في مسرحيته الأشهر "Henry V"، فبها يختتم الملك هنري الخامس خطبته قبل المعركة أمام فرنسا، داعياً أن يساعده الله ويساعد إنكلترا ببركة القديس جورج.
كما يخرج سكان إسبانيا في نفس اليوم في موكب احتفالي بالشوارع، في مشهد مستمر منذ مئات السنين، محتفلين بالقديس الذي يُعرف عندهم بـSan Jorge، ويقدمون الورود لمحبوباتهم، وهو أيضا أحد القديسين الـ14 الذين ذاع صيتهم خلال طاعون الموت الأسود، وطلب الناس بركتهم ليرفع الرب عنهم البلاء، ولكن من هو القديس جورج؟ وما سر شهرته دون أي قديس آخر؟ وما قصته مع التنين؟
القديس جورج والتنين
اختلفت الروايات عن الأسطورة باختلاف المكان والزمن، لكن أكثرها دقة وشهرة أنه كان قد عاش تنين ضخم مصاب بالطاعون في بحيرة وقام بترويع أهل المدينة المجاورة، وبدأ بالتهام أهلها واحداً تلو الآخر وتسميم المياه، حتى قرر الملك أن يقدم للتنين خروفين يومياً كقربان ليتوقف عن إيذاء الناس، حتى انتهت الخراف من المدينة، فطار التنين باتجاه المدينة في غضب، وهدد بحرق الجميع، فقرر الملك إطعام الأطفال للوحش الضاري، وقام بعمل نظام قرعة لاختيار ضحية يومياً يقدمها للتنين، حتى وقع الدور على ابنة الملك، التي كانت أميرة محبوبة من العامة.
وبينما كانت في طريقها لبحيرة التنين، مر فارس شجاع بالصدفة على المدينة، وأقسم على إنقاذ الأميرة، وضرب التنين موقعاً به إصابة قوية، عندها سال دم التنين على الأرض، وخرج من مكان الدم وردة حمراء جميلة أهداها القديس للأميرة، ثم اقتاد الوحش إلى المدينة بصحبة الأميرة، وعرض على أهلها قتل التنين في مقابل اعتناق الديانة المسيحية، فوافق الملك وذبح القديس التنين وأنقذ المدينة من شره، وقام الملك ببناء كنيسة في مكان مقتل التنين، ودخل ما يقارب 15 ألف شخص المسيحية، ويقال إن نبع مياه مقدساً خرج من مصلى الكنيسة يشفي المرضى، ثم رحل القديس مكملاً رحلته حول العالم.
تشبه القصة إلى حد كبير الأسطورة اليونانية، الخاصة بالبطل "بيرسيوس" أحد أبناء كبير الآلهة زيوس، الذي أنقذ محبوبته "أندورميدا" من الوحش البحري "تايفون أو تايفوس"، والذي له رقبة طويلة تشبه تنين القديس جورج.
أصل الأسطورة
بالرغم من عدم توافر معلومات كافية عن حياة القديس، أو أدلة على أصل أسطورة التنين، إلا أنه من المثبت أن القديس جورج كان جندياً تابعاً للإمبراطورية الرومانية، وُلد في تركيا من عائلة مسيحية، وعندما بدأ الإمبراطور الروماني "ديوكلتيانوس" حملته ضد المسيحية واضطهادهم، تعرض القديس جورج للتعذيب والتنكيل وعُرض عليه المال والسلطة من أجل التخلي عند ديانته واعتناق الدين الوثني، لكنه رفض بشجاعة وتحمل التعذيب، حتى تم إعدامه في عام 303، وذاع صيته بعدها وقصص بسالته وقوته في أنحاء أوروبا والعالم، حتى تم اعتماده قديساً حامياً لعدد من الدول منها إنكلترا والبرتغال وليتوانيا ومالطا وجورجيا وصربيا وإثيوبيا وفلسطين، ومدن مثل موسكو وبيروت والبندقية وفرايبورج في ألمانيا.
في البداية كانت المدينة المقصودة "أنطاليا" في تركيا، ثم مع الوقت تحولت إلى المستعمرات الرومانية في شمال إفريقيا، أو حتى مدينة Montblanc في جبال الألب بالقرب من إيطاليا، تختلف المدينة باختلاف مكان من يحكي القصة، لكنها حُفظت في أشهر كتاب عن الأساطير في العصور الوسطى، يطُلق عليه "The Golden Legend أو الأساطير الذهبية"، والذي غالباً تم كتابته بين 1259–1266.
يُقال إن الاسطورة ظهرت مع القرن السادس، لكنها وصلت للشهرة في القرنين الـ10 والـ11، في أثناء الحملات الصليبية لتشجيع الجنود وإلهامهم، الذين اعتقدوا أن القديس يحارب بجانبهم، ثم عادت معهم إلى إنكلترا وانتشرت على نحو واسع، وأنه تم استخدام التنين على أنه رمز قديم للشر، على أن يقوم القديس الشجاع بمواجهة الشر وحده لينتصر للخير، وينشر نور المسيحية في كل مكان، وقد استخدمه الملوك فيما بعد لتحسين صورتهم أمام العامة، والتبرك بسيرته الطيبة، مما جعل الملك إدوارد الثالث يختاره قديساً لإنكلترا، ليحصل تعاطف الناس ويكسب صفات الشجاعة والقوة من القديس.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.