هناك 3 ظواهر قامت بثورات في كرة القدم: قانون التسلل و"ميلان ساكي" و"بارسا – غوارديولا"
المدرب الإيطالي المخضرم، فابيو كابيلو
سنخصص هذا المقال للحديث عن أسطورة التدريب العالمية أريغو ساكي، الثائر الكروي، المتمرد على ثقافة الطليان، أول من تحرَّر من تقاليد "الكاتيناتشو". ابن صانع الأحذية الذي صار محطة من محطات كرة القدم عبر تاريخها.
ورغم أن المديح ينهال على رأس ساكي لإسهاماته في تطوير كرة القدم الهجومية، فإنني قرأت رأياً في أحد قواميس كرة القدم يقول إن أريغو ساكي لم يطور كرة القدم على مستوى الهجوم بالأساس بل على مستوى الدفاع. وبعد بحث وتفكير، وجدت أن هذا الرأي صحيح. أريغو ساكي كان صاحب أفكار دفاعية رائدة فهو من طوّر وحوّل الدفاع من نظام المراقبة الفردية "رجل لرجل" إلى دفاع المنطقة. دافع أريغو ساكي من وسط الملعب ومن منطقة جزاء الخصم بدلاً من تكتيك الخفاش والتشبث بالعارضة خوفاً من استقبال هدف، هذا النظام الدفاعي بصدده انعكس إيجابياً على الهجوم؛ لأنه فيما بعد تم استخدام أسلوب الضغط ذلك كصانع لعب وخالق للفرص. إذاً، أريغو ساكي طوّر كرة القدم دفاعياً بشكل مباشر وطوّرها هجومياً، ولكن بشكل غير مباشر.
"في كل مرة يقابلني فيها بيب غوارديولا يقول لي: بعد 25 سنة أريد أن أبقى في ذاكرة الكل مثلك
أريغو ساكي متحدثاً عن نفسه
حديث بيب غوارديولا يعطينا الفرصة للتعرّف على القيمة الحقيقية للمدرب، ألا وهي الإضافة إلى اللعبة الشعبية الأولى في العالم. ربما الغالبية العظمى من متابعي كرة القدم لا يعرف عدد البطولات التي فاز بها ساكي على وجه الدقة، لكن أفكاره وتطبيقاتها الناجحة جعلته عالقاً في الأذهان حتى الآن، حتى بعد اعتزاله التدريب لربع قرن كامل، القيمة الحقيقية تكمن في الإضافة.
لم ألتقِ بأريغو ساكي من قبل، لكني تعلمت كل شيء منه
يورغن كلوب متحدثاً عن منبع فهمه للعبة
كم من يورغن كلوب في هذا العالم لم يلتقِ بساكي ولكن تعلم منه الكثير؟
"البطولات تدوَّن في الدفاتر، إنما أسلوب اللعب يظل عالقاً في الأذهان".. ربما لن تصدق بأن صاحب تلك الجملة رجل من بلاد البيتزا والبراغماتية، هو بالفعل إيطالي لكنه إيطالي الجنسية وليس الفكر، يأكل الباستا والبيتزا بينما يهرطق بفلسفات كروية تدحض تقاليد بلاده.
نعم أريغو ساكي قال ذلك التصريح عندما تم سؤاله عن الشهرة الواسعة التي كسبها المنتخب البرازيلي في كأس العالم 1982 رغم تحقيق إيطاليا للقب كأس العالم في آنذاك.
يقول ساكي: "في إيطاليا نعتقد أننا نفهم كل شيء، ومع ذلك ندافع بـ10 لاعبين ونهاجم بلاعب واحد. دائماً ما تسمعهم يرددون بأن النتائج هي الأهم، حقاً النتائج تكتب في التاريخ، لكن الأداء يظل عالقاً في الأذهان وإلى الأبد. جُلنا نتذكر هولندا السبعينات أكثر من إيطاليا الثمانينات، كرة القدم تشبه المسرحية من الأفضل أن تنتهي بشكل جيد، لكن هذا لا يعني التغاضي عن السيناريو كامل".
أريغو ساكي ثائراً
نعم كان ثائراً على ثقافة كروية قابعة تحت تأثير النتائج، ولم يمر ذلك مرور الكرام على عشاق التقاليد وتكتيك "الخفاش،" سخروا منه لمجرد أنه لم يمارس اللعبة كلاعب في مستوى عالٍ، لكنه جاء بجملته الشهيرة "لكي أكون فارساً، لا يجب أن أكون حصاناً". انتصر ساكي بمسيرته للمنطق على أحد أكبر التابوهات في اللعبة، كهنوت "الفانلة والشورت".
أنا أذهب إلى الفرن من أجل الخبز وليس الخباز
أريغو ساكي
تلك جملة ساكي التي مثلت انتصاراً آخر للمنطق، فكم من لاعب مارس التحليل أو التدريب معتمداً فقط على اسمه كلاعب، حتى وإن لم يكن مؤهلاً لذلك، كم من الأندية ومنصات التحليل ذهبوا للفرن من أجل الخباز لا الخبز.
في إحدى الحصص التدريبية، جاء لاعب إلى ساكي وقال له: إذا تحركت بدون كرة فإن التلفاز لا يلاحظ ذلك.
ردَّ عليه: لقد اخترت المهنة الخطأ، كان عليك أن تعمل كممثل أو مغنٍّ.
هذا الحوار يوضح مدى أهمية التحرك بدون كرة، وعن قيمة من يعملون في الكواليس، وأن كادر الشاشة لا ينصف الجميع، فهناك جنود مجهولون لا يظهرون في المشهد، ولولاهم ما انتصرت جيوشهم في المعركة.
مدرب الأشباح
يحكى أن قبل مواجهة آي سي ميلان وريال مدريد في دوري أبطال أوروبا أرسلوا من مدريد جاسوس لمتابعة تدريبات ساكي مع ميلان، وعندما عاد الجاسوس قال لهم: لقد ذهلت مما رأيت، كانوا يتدربون بدون كرة كأنهم يرونها، حقا كانوا يتدربون مع أشباح. ومن هنا أتى مسمى "تدريبات الأشباح" الذي اخترعه ساكي. تدريبات تنمي مهارة التخيل والوعي التكتيكي لدى اللاعبين، في النهاية انتهت المباراة بخماسية لصالح ميلان وفازوا باللقب في نهاية المطاف.
عام سعيد لأحد الثوار على التقاليد، للأول من نوعه في إيطاليا، لأحد أكبر المطورين في تاريخ اللعبة، لمن رحل عن دكة المدربين وظلت أفكاره عالقة هناك، لأجمل موضة في بلاد الموضة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.