في أولى لحظات عمرك، الخوف هو أول ما تلتقي به حين تخرج من عالمك الصغير الذي اعتدت عليه داخل رحم أمك إلى العالم الأكبر، تصرخ اعتراضاً على الوضع الجديد وخوفاً مما لم تألفه، وتستمر حياتك على نفس المنوال أنت ورفيقك الأول في هذا العالم: "خوفك من المجهول وغير المألوف"، وفي كل موقفٍ جديد تلتقي به في ثوبٍ آخر لا تعرفه.
في طفولتك:
ابتعاد أمك عن محيط نظرك يصبح أكبر مخاوفك، واستيقاظك في الظلام وحدك من مضاعِفات الخوف بداخلك، شعورك بالألم الذي لا تعرف له سبباً أو تعريفاً غير أنه إحساس غريب عنك يتكرر من وقتٍ لآخر، أو وجهٍ غير مألوف يخترق مساحتك الآمنة ليداعبك ولكنك لا تعلم من هذا الدخيل القادم إليك جميعها صور للخوف تلتقي بها للمرة الأولى، ويتجدد اللقاء في أيامك القادمة لتترجم مشاعرك غير المفهومة تلك إلى خوفٍ من فقدان من تحب، وخوفٍ من مجهولٍ لا تعرفه، وخوفٍ من تغييرٍ لا تألفه.
تزداد سنوات عمرك قليلاً فيصبح الخوف هو المُحفز لما تقوم به كأن تخبرك أمك أنك إن لم تؤد واجباتك كما ينبغي ستُحرم من الترفيه هذا الأسبوع فتحرص على القيام بها خوفاً من نهاية أسبوعٍ مملة دون ألعابك المفضلة، ويخبرك والدك أنك إن لم تتوقف عن المشاغبة ستُعاقب على أفعالك فتلتزم الصمت وتفعل ما أخبرك به لتنال رضاه خشية أن يصب غضبه عليك، ويحذرك مُعلمك من أن تُخطئ في اختباره القادم حتى لا تخسر بضعاً من درجاتك فتحاول جاهداً أن تدرس بجدّ خوفاً من أن تلتقي بالفشل.
أما في مرحلة المراهقة:
مشاعرك تكون قد وصلت إلى أقصى حد لها، تختبر الحب لأول مرة فتخشى فقدانه، وتخسر حبك فتخشى تكراره، تثق بأشخاصٍ جدد تلقاهم لأول مرة وتكتشف أنهم كانوا اختياراً خاطئاً فتخشى الاختيار مرةً أخرى، تسير في الطرقات وحدك خشية الفراق، وتود لقاء رفيق العمر خشية أن تكمل الطريق وحيداً، تأتيك الفرصُ غير المناسبة أحياناً والتي وجدت خصيصاً لأجلك أحياناً أخرى فتقع في مصيدة الخوف من الاختيار وتصوراتك عن المستقبل إن لم تحسن الاختيار.
وفي شبابك:
يصبح من الواجب عليك مغادرة منزلك المُرتب وطريقك المُمهد لتبني منزلاً جديداً وتمهد طريقاً وعراً تملؤه الصعوبات، والخروج من دائرة العائلة لتصنع دائرتك الخاصة، ولا تنتهي الأمور عند هذا الحد فلا يتركك المجتمع لنفسك ومستقبلك في سلام ولا يكتفي بما قد تراكم عليك من واجبات، بل يضيف إلى مهامك مهمات أخرى كرغبة في السفر حول العالم، والتنقل في سياراتك الفارهة، بأزيائك الأنيقة، وهاتفك المُشترى من أحدث الإصدارات، وإن لم تُثقِل عقلك بشهاداتٍ من كل صوبٍ واتجاه سيتهمك البعض بالجهل والآخرون بالتكاسل، فتزداد حساسيتك تجاه العالم وتقل قدرتك على التعبير فلا تستطيع البكاء متجهاً إلى ذراعي والدتك لتمنع عنك أذى العالم ولا تستطيع طلب العون غير المحدود مِمن هم حولك أو الحصول على إجابة غير التي تَخُطها بحبر قلمك أنت فيتملكك الخوف من أن تتأخر في السباق المشتعل حولك، أو من أن تبحث عن إجاباتٍ في غير موضعها الصحيح فتضل الطريق دون إمكانية العودة.
وفي نهاية المطاف:
تجد أن العالم بأكمله حولك لتكون فيه كيفما تشاء، وفي داخلك تشعر أنك مقيدٌ بالكامل، لا تقدر على الحراك لخطوةٍ واحدةٍ.
وقعت سجيناً لأفكارك وأُسرت داخل خوفك، فجعلك ترى العالم من ثقبٍ صغيرٍ لا يتسع لشيء، تختنق بداخله ظناً منك أنك قد فقدت قدرتك على كل شيء.
خارج غرفتك تسكن الوحوش البرية وداخل عقلك يسكنك الخوف، أنت محاصر من كل اتجاه، تراودك أحلام الطموح فتخشى أن تصطدم بالفشل، وتنتابك رغبة في إيجاد من يشاركك عمرك فيرعبك أن يكون اختيارك الوحيد هو الاختيار غير المناسب لك كحال كل قرارٍ ذي خياراتٍ متعددة وُضع في طريقك خطأً واحداً يُكلفك عمراً من الندم، تخشى الخذلان، وتخشى الهزيمة، وتخشى أن تغيرك الأيام للأسوأ، فتتبدل أحلامك من الخروج عن المألوف وتغيير موازين العالم المختلة إلى هدنة سلام أبدية مرادفها الاستسلام للأيام والواقع، وما قد تأتيك به الحياة.
تراقب في توترٍ مرور كل شيء أمامك إلى أن يمر بك العمر مصلوباً على منصة الخوف تنتظر تنفيذ حكم الإعدام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.