تشهد أسعار النفط تقلبات كثيرة وكبيرة لأسباب شتى، بعضها اقتصادي والآخر سياسي، وقد تكون الأسباب صحية، وفي بعض الأحيان تكون اجتماعية.. فكيف تتقلب أسعار النفط، وما الضابط الذي يحكمها؟
بداية، النفط سلعة ومادة أولية حياتية، لذا فإن تقلب أسعاره بصورة كبيرة أمر عادي، لكن ولأنه سلعة استراتيجية فإن الضوء يُسلَّط على أسباب هذا التقلب أكثر من غيره.
هبوط أسعار النفط بعد إجراءات عزل عام في الصين وبيانات البطالة الأمريكية
وتتأثر أسعار النفط بمجموعة متنوعة من العوامل، لاسيما القرارات المتعلقة بالإنتاج التي يتخذها المنتجون، مثل دول منظمة أوبك، ودول النفط المستقلة مثل روسيا، والشركات الخاصة المنتجة للنفط.
والنفط مثل أي منتج تتأثر أسعاره بقوانين العرض والطلب، وهو ما جعل مزيجاً من الطلب المستقر والعرض المفرط يؤدي إلى الضغط على أسعاره.
أيضاً، فإن الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تُعطِّل الإنتاج، والاضطرابات السياسية في البلدان المنتجة للنفط، كلها تؤثر على الأسعار، وهو ما جعل أزمة كورونا، التي تعد بمثابة كارثة طبيعية تؤثر سلباً على الطلب، وبالتالي تتأثر الأسعار.
أيضاً هناك أسباب تتعلق بتكاليف الإنتاج، حيث تؤثر تلك التكاليف على الأسعار، إلى جانب سعة التخزين، رغم أنه أقل تأثيراً، أيضاً يمكن أن يؤثر اتجاه أسعار الفائدة على أسعار السلع، والنفط منها.
لكن تبقى منظمة "أوبك" من أكثر العوامل التي تؤثر في منحنى الأسعار بقراراتها ومواقفها.
أوبك، أو منظمة البلدان المصدّرة للنفط هي المؤثر الرئيسي لتقلبات أسعار النفط، وهي عبارة عن "كونسورتيوم" تكوّن اعتباراً من عام 2020 من 13 دولة، هي الجزائر وأنغولا والكونغو وغينيا الاستوائية والجابون وإيران والعراق والكويت وليبيا ونيجيريا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا.
ووفقاً لإحصاءات عام 2018، تسيطر منظمة أوبك على ما يقرب من 80% من المعروض العالمي من احتياطيات النفط.
فهي مَن تُحدد مستويات الإنتاج لتلبية الطلب العالمي من خلال زيادة الإنتاج أو خفضه.
عندما انهارت أسواق النفط
قبل عام 2014، تعهَّدت أوبك بالحفاظ على سعر النفط أعلى من 100 دولار للبرميل في المستقبل المنظور، ولكن في منتصف ذلك العام بدأ سعر النفط في الانخفاض، حيث انخفض من أكثر من 100 دولار للبرميل، إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل.
وقد كانت أوبك السبب الرئيسي للنفط الرخيص في تلك الحالة، حيث رفضت خفض إنتاج النفط رغم انخفاض الطلب على النفط في أوروبا والصين، ما أدى إلى انخفاض الأسعار.
وفي 2020، انهارت أسعار النفط إلى مستويات منخفضة تاريخية وغير مسبوقة، حيث كانت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط سلبية، في 20 أبريل/نيسان 2020.
وقد تم تقديم عدة أسباب لهذا الانحراف في الأسعار، منها أن عمليات الإغلاق لمكافحة جائحة كورونا حول العالم أدت إلى القضاء على الطلب على النفط.
وبينما يؤثر العرض والطلب على أسعار النفط فإن العقود الآجلة للنفط هي التي تحدد سعره.
والعقد الآجل للنفط هو اتفاق ملزم، يمنح المشتري الحق في شراء برميل من النفط بسعر محدد في المستقبل، على النحو المنصوص عليه في العقد، ويتعين على المشتري وبائع النفط إتمام الصفقة في تاريخ محدد.
وقد تعرَّضت أسواق العقود الآجلة للنفط لشذوذ تاريخي، في أبريل/نيسان 2020، عندما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط لشهر مايو/أيار إلى 40.32 دولار.
وتتمثل إحدى طرق فهم كيف يمكن أن يكون العقد الآجل سلبياً، في إدراك أن تكلفة تخزين النفط كانت في ذلك الوقت مرتفعة للغاية، بسبب شهور من زيادة العرض والنقص الكامل في الطلب الناجم عن جائحة كورونا.
فقد كان تجار العقود الآجلة على استعداد للدفع مقابل تفريغ عقودهم الآجلة، حتى لا يضطروا إلى التسلُّم الفعلي للنفط، حيث لا توجد مساحة كبيرة لتخزين النفط في شركات التجارة المالية.
سعر النفط اليوم
استيقظ العالم اليوم على خبر جيد، وهو نجاح جهود تعويم السفينة العالقة في قناة السويس المصرية، والاستعداد لعودة الملاحة في الممر الملاحي الأهم للتجارة العالمية.
هذا وقد شهدت أسعار النفط تقلباً كبيراً في الأيام القليلة الماضية، إذ حاول المتعاملون والمستثمرون الموازنة بين تأثير إغلاق نقطة عبور رئيسية للتجارة، والتأثير الأوسع نطاقاً لإجراءات الإغلاق الرامية لاحتواء الإصابات بفيروس كورونا.
ففي اليوم التالي لجنوح السفينة ارتفعت أسعار النفط لعقود تسليم مايو/أيار المقبل، بنسبة 4%، بالنسبة لخام برنت، أي 2.41 دولار، ليصل سعر البرميل إلى 63.17 دولار، كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الأمريكي بنسبة 4.2%، ليصل إلى 60.17 دولار للبرميل، بحسب موقع ماركت واتش.
هذا وقد هبطت أسعار النفط بأكثر من 2% صباح الإثنين 29 مارس/آذار 2021، بعد أنباء من قناة السويس مفادها أن طواقم الإنقاذ تمكنت من تحريك السفينة العملاقة "إيفر غيفن"، التي كانت تُغلق ممر التجارة العالمية الحيوي منذ قرابة أسبوع.
ليتراجع خام برنت 1.38 دولار، بما يعادل 2.1% إلى 63.19 دولار للبرميل، كما تراجع الخام الأمريكي 1.48 دولار، أو 2.4% إلى 59.49 دولار للبرميل.
ومن المرجح أن يتواصل تقلب سعر النفط في السوق نظراً للتوقعات بأن تُبقي منظمة البلدان المصدِّرة للبترول وحلفاؤها على خفض مستويات الإنتاج عند اجتماعهم المبرمج لهذا الأسبوع.
كما أن السعودية تسعى إلى خفض مخزوناتها النفطية للتعامل مع أسعار الخام، خاصة بعد الأزمة بينها وبين الهند، ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم، الذي طالب شركات التكرير بتسريع وتنويع الواردات وخفض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وسط مساعي شركات تكرير هندية لخفض الواردات من السعودية بنحو الربع، لترشيد الواردات والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.