على وقع الاستنفار الخارجي الحاصل عبر القناصل والسفراء محلياً، واتصالات ولقاءات وزراء الخارجية ومبعوثي القادة في أنحاء المنطقة المترقبة، يعود ملف اللبناني للواجهة.
تحرك سفير السعودية نحو القصر الرئاسي في بعبدا حاملاً معه تمسكاً واضحاً بمطالب بلاده، وبعيداً عما شكلته الزيارة استفزازاً مباشراً للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري والذي بات مهجوراً سعودياً، ما استدعى منه الدعوة لاجتماع رؤساء الحكومات السابقين ولقاءاته السنية والتي شملت حتى الآن الجماعة الإسلامية ونواب سابقين وشخصيات سنية حاضرة في المشهد السياسي كمحاولة "حريرية" لتثبيت سنية حضوره السياسي عقب الهجر السعودي لبيت الوسط.
لكن ما يبدو في الأفق حراكاً دبلوماسياً متقدماً بدأته سفيرة فرنسا "آن غريو" ثم التحقت به سفيرة واشنطن "دورثي شيا" والتي تنسق مع نظيرتها الفرنسية ويلتقيان بشكل دوري وغير منقطع. وحراك سفراء واشنطن وباريس معطوف عليه تحرك لسفراء مصر وقطر وسيلتحق بهما سفير تركيا الجديد والذي سيباشر نشاطه مطلع الشهر القادم بشكل أكثر فاعلية.
حراك البخاري ولقاء عون
لم يكن لقاء السفير البخاري مع رئيس الجمهورية ميشال عون مفاجئاً، البخاري كان قد التقى مستشار عون الوزير السابق سليم جريصاتي، وسمع منه استعداد تياره السياسي بالذهاب للإطاحة بالحريري "المهجور سعودياً"، لأن عون لا يريد أن يكرر تجربة حسان دياب الذي لم تفتح له أبواب العرب ولا يستقبله أي مسؤول سعودي. وعليه فإن عون جاهر للسعوديين بأنه يحب أن يحظى رئيس حكومته بدعم المملكة، كما وجَّه عون للبخاري عبر مستشاره دعوة لزيارة القصر للنقاش مع الرئيس حول آخر مستجدات المشهد الحكومي المضطرب، وبحسب ما نقل عن اللقاء حينها فإن البخاري أبدى استعداده لزيارة القصر بعد مراجعة الرياض وهذا ما كان.
وبعيداً عما نوقش في القصر بين البخاري وعون، فإن ما صرح به سفير الرياض كان لافتاً، وهو التمسك باتفاق الطائف، وهو موقف سعودي رافض لكل محاولات إلغاء الطائف أو تعديله، وخاصة أن دعوات الذهاب لاتفاق أو تعديل الطائف كانت محور الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ولاقت دعماً من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل .
كما جاء خطاب البخاري متضمناً لتأكيد السعودية على القرارات الدولية حول لبنان وتحديداً القرارات "1701" و"1680″ و"1559″. ووفق الصحفي جوني منير فإنه قد يكون مضى وقت طويل قبل أن يستذكر أحدهم القرار "1559" نظراً لاعتبار صدور القرار "1701" كان الأحدث والذي يتجاوز القرار "1559" وفي ذلك رسالة سعودية واضحة.
فيما حفل الملف اليمني بحصة من خطاب البخاري والحديث عن المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار، وهنا بيت القصيد وفق منير. ففي اليمن هنالك حرب تدور رحاها منذ أكثر من 6 سنوات. وخلال المراحل الأخيرة تصاعدت هجمات الحوثيين على أهداف حيوية داخل السعودية من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، والتي جاءت ذروتها مع استهداف منشآت شركة "أرامكو" النفطية العملاقة. ولأن هنالك من يعتقد أن طيف "حزب الله" موجود في مأرب، وأن شبحه يرخي بثقله على الأزمة الحكومية في لبنان. وبالتالي، قد لا يكون من باب الخطأ الاستنتاج من كلام السفير السعودي وجود استعداد للربط بين مأرب اليمنية والحكومة اللبنانية.
حراك أمريكي ورغبة فرنسية ودور مصري
بحسب المحلل السياسي الدكتور خلدون الشريف، فإن الدول الأربع المعنية بشكل لصيق بلبنان لا تلتقي على أهداف متطابقة بل لكل منها رؤيتها:
فالأمريكيون بحسب الشريف، يفضلون عدم "انهيار لبنان"، ولكن إذا حصل، فيحصرون دورهم بتأمين المواد الأساسية للجيش ولفقراء لبنان. لا يهمهم كيف وممن تتشكل الحكومة ومن يمتلك ثلثاً ضامناً ومن يتمثل أو لا يتمثل في الحكومة وهم لا يشعرون بأي خوف من تدافع موجات نزوح من لبنان صوب الأطلسي. هم يريدون فقط أن تكون حكومة أفعال تطبق بعض البنود الإصلاحية من دون إبطاء ويفضلون حكومة من دون حزب الله. لكن سبق أن تعاملوا منذ 2005 مع حكومات تمثل فيها الحزب وكانوا ينأون ببرامجهم عن وزارات الحزب.
لكن الأساس لواشنطن هو الالتزام بأمن إسرائيل وترسيم الحدود البحرية معها، وهم حريصون على تأمين مناخ تفاوضي إيجابي مع إيران التي يشكل حزب الله أهم وأفعل أذرعتها الإقليمية.
فيما الفرنسيون كما الأوروبيون جميعاً، تؤرقهم موجات الهجرة في ظل جائحة عالمية استهلكت موارد معظم الدول. فهم ما زالوا متمسكين بمبادرتهم اللبنانية ويحملون عاطفة بلا شك لكيان ساهموا بإنشائه، ويريدون للبنان حكومة قادرة على التحرك واتخاذ القرارات الإصلاحية الضرورية، وهم حريصون على التواصل مع كل الأطراف ومن ضمنهم وفي مقدمهم حزب الله. وذلك على النقيض من الأمريكيين والسعوديين. بالسياسة، يحتاجون لموطئ قدم في منطقة فقدوا النفوذ والمصالح فيها بالإكراه، أي سوريا والعراق وإيران ولبنان موطئ قدم جيد لفرنسا.
ووفق الشريف، فإن المصريين، يمارسون الدبلوماسية التقليدية والمحافظة والمتحفظة؛ حيث يعتقدون أن وجود الدولة واستمرارها أهم نقطة ارتكاز وأن الفرقاء المنتخبين هم من يمثلون الحضور الوازن، وأن رئاسة الحكومة مقام يجب أن يحفظ من خلال احترام إرادة الأكثرية النيابية التي سمّت سعد الحريري مكلفاً كما تم رفد هذه التسمية بدعم من نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي بات يشكل رافعة يعتد بها لموقع رئاسة الحكومة. المصريون، وبرغم اختلافهم مع الرئيس السوري بشار الأسد حول ملفات عديدة، لم يقطعوا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وبرغم صراعهم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يجاروا اليونانيين في ترسيم حدود بحرية تتجاوز الحدود التركية القانونية.
الأتراك والمرحلة اللبنانية العصيبة
لا تخفي تركيا الدولة والحزب الحاكم اهتمامها المتزايد في لبنان المنهار، فهم حاضرون عبر طاقمهم الدبلوماسي الذي أتى بسفير جديد للبنان وهو "علي بارش أولوسوي" والأخير شغل لسنوات نائباً للمدير العام في وزارة خارجية بلاده لشؤون سوريا ولبنان، ومن ثم رئيس قسم سوريا ولبنان في الوزارة عينها ومن ثم عين قنصلاً عاماً لبلاده في العاصمة البلجيكية بروكسل ورئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة خارجية بلاده. وبحسب ما يبدو ومنذ وجوده منذ اليوم الأول في بيروت فهو يدير "خلية نحل" في بعثته الدبلوماسية ويلتقي بكل مسؤولي الملفات داخل السفارة وكل المعنيين، كما التقى بفعاليات تركمانية ومخاتير، كما حظي حضوره لتقديم أوراقه الدبلوماسية بتغطية إعلامية كبيرة.
لا تود تركيا حتى الآن اللعب في الورقة اللبنانية إلا عبر القنوات الرسمية أي دعم للجيش ومساندة إنسانية في ظل الانهيار والارتطام الاجتماعي المتوقع وتأييد جهود تشكيل الحكومة المنتظرة والذهاب باتجاه مساعدة البيئة التركمانية والتي توليها أنقرة اهتماماً كبيراً في كل الأقطار العربية والإسلامية. دون ذلك لم يُلق الأتراك بالاً لأي محاولة استجلاب لهم في البيئة اللبنانية المعقدة، فلبنان ضمن ساحات الصراع الإيراني والأمريكي لكن تركيا تنسق مع القطريين والكويتيين في الواقع اللبناني المتأزم وقد تذهب بتنسيقها قريباً مع السعوديين والمصريين في حال أدت المصالحة غرضها ووجدت من أنه من الضروري التدخل لمنع أي أزمة هجرة متوقعة. فالأتراك كما الأوروبيون يعيشون هاجس الهجرة، فلبنان قنبلة موقوتة تحمل نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين وشعباً لبنانياً ينتقل من مصيبة إلى أخرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.