تسير تركيا في عدد من الملفات على أشواك ومخاطر، وهذا المقال يرصد هذه الأشواك، ومخاطر الانزلاق عن قواعد اللعبة التي تتقيّد باستمرار بسياسات تركيا الإقليمية، ولذلك اخترت أن أعالج الأطراف التي تتلامس معها تركيا، وليس الملفات والأزمات نفسها. وتحتفظ تركيا بتحالفات مع روسيا والولايات المتحدة وإيران في الساحتين السورية والليبية.
أولاً: مع واشنطن
1. في سوريا تطارد تركيا الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة، وإسرائيل ودول عربية أخرى، ولكن تركيا تحافظ على علاقاتها رغم هذا ورغم تورّط واشنطن في محاولة الانقلاب، في يوليو/تموز 2016، على نظام أردوغان، ولا تزال واشنطن تستخدم نفس القاعدة التركية التي انطلق منها الانقلابيون. ورغم عاصفة التسلح التركي من الصواريخ الروسية فقد تجاوزت علاقتهما هذه العاصفة، كما أن تركيا ترتبط بواشنطن في إطار حلف الناتو، الذي أدخلها ترومان إليه عام 1946، رغم وقوع تركيا خارج الرقعة الجغرافية للحلف، كما أن العلاقات التركية الأمريكية قد شهدت توترات عديدة طوال العقود الماضية، وكان أعنفها احتلال تركيا لشمال جزيرة قبرص، وفرض حظر السلاح الأمريكي عليها، فردّت تركيا بإغلاق 19 قاعدة أمريكية في أراضيها، ما أثر على العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وموسكو، ثم أعقبتها ضربة كبرى للاستراتيجية الأمريكية، وهي الثورة الإيرانية، وفقدان إيران الشاه وأكثر من 2500 كيلومتر من الحدود مع بطن الاتحاد السوفييتي والصناعات العسكرية، فضلاً عن تهديد المصالح الأمريكية في الخليج. ورغم انحياز واشنطن إلى إسرائيل خلال حادثة ما في مرمرة 2010 فإنها لم تؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة. وتدخر واشنطن تركيا لدور في الصدام مع موسكو كما حدث في حادث إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية.
2. أما في ليبيا فإن واشنطن تدعم الدور التركي حتى يبعد روسيا عن البحر المتوسط الملاصق لأوروبا والناتو. ولذلك لم تعترض واشنطن على التقارب التركي مع حكومة الوفاق، رغم الدعم الأمريكي الخفي لحفتر، خاصة أن حلفاء واشنطن الخليجيين يدعمونه، وربما إسرائيل أيضاً.
ثانياً روسيا
تحافظ تركيا على شعرة معاوية مع روسيا، رغم إسقاطها طائرةً عسكرية روسية بحجة أعلنتها تركيا، وهي دخول المجال الجوي التركي، وتربط تركيا بروسيا علاقات اقتصادية وسياحية هامة، بالإضافة إلى تصدير روسيا الغاز والبترول إلى تركيا. ففي سوريا تدعم روسيا حكومة دمشق، بما يناقض الأهداف التركية، بينما تدعم تركيا القيادات الإسلامية التي تتعقبها روسيا لأسباب استراتيجية وتاريخية، وهي الخصم اللدود لروسيا وإيران. كذلك حصلت روسيا على مزايا عسكرية في سوريا، بما يهدد الناتو، ولكن تركيا بعيدة عن هذه القضايا. في ليبيا تدعم تركيا حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، رغم أن موسكو تنفي الدعم الرسمي كما تنفي دعم المرتزقة الروس، لكن واشنطن سجّلت نشاط الطيران الحربي الروسي المساند لحفتر. إزاء هذا الموقف الحساس تتشاور تركيا وروسيا للتنسيق وتفادي الصدام في ساحات القتال.
ثالثاً إيران
تتواجه تركيا مع إيران في سوريا، ولكن إيران لا تعترض على الدور التركي في ليبيا. كذلك تنسق تركيا مع إيران لمحاربة حزب العمال والأكراد عموماً، كما تنسق تركيا مع إيران في مسألة العقوبات الأمريكية على إيران، كما تؤيد تركيا حرية القرار الإيراني في المجال النووي، وتدرك تركيا أن المشكلة بين إيران وواشنطن لا تمسها، ولا تتصادم مع مصالحها، رغم أن إيران تعلن أنها تسعى إلى طرد الوجود الأمريكي في المنطقة، بينما تعلن واشنطن أنها لا تعترف بإيران كقوة إقليمية معتبرة، وتنتقد تهديد إيران لإسرائيل. ولكن تتفق تركيا مع إيران في سوريا في السعي إلى حل سياسي يضمن وحدة التراب السوري، رغم أن تركيا لا يُسعدها تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا، أو تحويل سوريا إلى ساحة للمواجهة بين إيران من ناحية، وكل من إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى.
الخلاصة: تركيا حليف لروسيا والولايات المتحدة وإيران، ولكن هذا التحالف يتعرض لهزات متعددة، وتحرص تركيا على ضبط الميزان حتى لا يختل، وهي مهمة تحتاج إلى حسابات دقيقة ومهارة فائقة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.