مناورات للجيش الموريتاني بالذخيرة الحية بالقرب من موقع المعبر.. والبوليساريو تبعث بوفد رسمي إلى نواكشوط على وقع التصعيد العسكري والسياسي بالمنطقة
تتحدث العديد من المصادر الإعلامية عن اعتزام المغرب وموريتانيا افتتاح معبر حدودي بري جديد يربط البلدين عبر إقليم الصحراء الغربية، من خلال منطقتي آمكالا وبير أم كرين الحدوديتين، اللتين يقطع فيهما الجدار العسكري المغربي مسافة معتبرة داخل التراب الموريتاني، ما سيمكن البلدين من تأمين تدفق السلع والأشخاص في المناطق المعنية.
وتتزامن الأنباء الرائجة حول قرب افتتاح المعبر البري الجديد، الذي يعد ثاني بوابة حدودية تربط البلدين بعد معبر الكركرات بجنوب الإقليم، مع مناورات عسكرية ينظمها الجيش الموريتاني في مقاطعة تيرس – زمور شمال البلاد، وكان لافتاً تخلل المناورات لتدريب بالذخيرة الحية بالقرب من الحدود مع الصحراء الغربية، التي تشهد بدورها تصعيداً عسكرياً وسياسياً متصاعداً منذ عدة أشهر، كما تتزامن مع الأنباء الرائجة حول زيارة وفد رسمي لجبهة البوليساريو إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط.
بغض النظر عن مدى مصداقية هذه التسريبات، فإن الترويج لها على نطاق واسع من طرف مصادر إعلامية محسوبة على جهات رسمية، قد يحيلنا إلى بالون اختبار هدفه جس نبض الأطراف والجهات المعنية بالنزاع الصحراوي، إزاء خطوة استراتيجية هامة بحجم افتتاح معبر حدودي جديد يربط جنوب المغرب عبر إقليم الصحراء الغربية بشمال موريتانيا، ويفتح المجال أمام تصدير السلع والبضائع المغربية إلى عمق الصحراء الكبرى، مروراً بشمال مالي والنيجر وجنوب الجزائر وصولاً إلى بوركينافاسو والتشاد، إلى جانب ضمان تنقل الأشخاص لا سيما في مناطق تقع بالقرب من مخيمات اللاجئين بتندوف وتعتبر مجالاً للانتجاع وممارسة الرعي والتجارة بالنسبة لجزء معتبر من ساكنتها.
مصالح اقتصادية وتنموية هامة لبلدان المنطقة، وخاصة المغرب، سيضمنها تدشين المعبر الحدودي الجديد، لكنه يصب أيضاً في صالح السياسات الأمنية لقوى دولية كبرى، تعتبر منطقة الساحل والصحراء مجالاً لنفوذها، لكنها تنظر إلى المثلث الحدودي الموريتاني، المالي الجزائري، بمثابة "بؤرة إرهابية"، باعتبار العمليات التي شنتها العديد من الجماعات المسلحة في المنطقة ذاتها، وبالنظر أيضاً إلى افتقار تلك المناطق في عمق بلدان الساحل إلى أبسط شروط التنمية، وبالتالي اعتماد الكثير من ساكنتها على أنشطة التهريب المعيشي، وارتباط فئات واسعة من الشباب فيها بمختلف أشكال الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، خاصة ما يتعلق بعصابات الهجرة السرية وتهريب البشر، إلى جانب تجارة المخدرات والأسلحة.
معطيات تعزز المقاربة التنموية التي بات المجتمع الدولي والقوى الإقليمية يراهن عليها، لمواجهة الإشكالات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، حيث تعتبر العديد من التقارير والتوصيات الصادرة عن الهيئات الدولية المتدخلة في مجال مكافحة الإرهاب أن ظواهر الهشاشة الاجتماعية وتراجع معدلات التنمية هي السبب الرئيسي في ارتباط فئات معتبرة من الشباب بالجماعات المسلحة في مجموعة من بؤر التوتر بدول المنطقة، وتؤكد ذات التقارير أن تحسين ظروف عيش ساكنة المناطق المعنية سيكون كفيلاً بتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وبالتالي تقويض فرص اندلاع التوتر والتصعيد مجدداً، وتحجيم دور الجماعات المسلحة التي تتقاطع في مصادر تمويلها مع العديد من أشكال الجريمة المنظمة والعابرة للحدود.
وبالرغم من الفرص الهائلة التي من الممكن أن يحققها افتتاح معبر حدودي جديد في مجالات جغرافية شاسعة بالمثلث الحدودي الموريتاني، المالي الجزائري، والتي تعرف معدلات تنموية متدنية قياساً ببقية الأقاليم في جوارها الإقليمي، فإن تأمين بوابة حدودية في موقع جغرافي يشهد توتراً عسكرياً متصاعداً في ما بين المغرب والبوليساريو، يعني انخراطاً جاداً لموريتانيا في هذا المخطط، وهو ما يفسر التعاطي الإيجابي الذي أبداه الجانب الموريتاني مع التدخل الأمني المغربي في معبر الكركرات جنوب إقليم الصحراء الغربية في وقت سابق، إلى جانب توقيت المناورات العسكرية التي نظمها الجيش الموريتاني في مناطق حدودية شمال موريتانيا، بالقرب من الموقع المفترض للمعبر الحدودي الجديد.
عموماً سيكون لدخول موريتانيا على خط تأمين مناطق حدودية تشهد تماساً مع الجدار العسكري المغربي، كما هو الحال بالنسبة لمنطقتي آمكالا وبير أم كرين الحدوديتين، تأثير كبير على قدرة قوات البوليساريو على التحرك والمناورة، خاصة في جنوب إقليم الصحراء الغربية، حيث ستؤدي بالضرورة إلى قطع أهم طرق الإمداد والتنقل التي تعتمد عليها الجبهة للوصول إلى مراكزها العسكرية الرئيسية في مناطق ميجك، أغوينيت، دوكج وزوك… ما يعني إمكانية خسارتها لقطاعها العسكري الجنوبي بالكامل، أي معظم المواقع الواقعة تحت إدارتها منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سبتمبر/أيلول من عام 1991، والتي تقدرها بعض المصادر بحوالي 20% من مجمل مساحة الإقليم، بالرغم من كونها مناطق عسكرية غير مأهولة، تغيب فيها التجمعات السكانية، وتكاد تنعدم فيها الأنشطة الاقتصادية والمعيشية، فيما تسببت التطورات الميدانية الأخيرة في إغلاقها في وجه الأعداد القليلة من البدو الرحل الذين كانوا ينتجعون فيها ويترددون عليها عبر مناطق الرعي الواقعة في المناطق الحدودية بشمال موريتانيا.
بغض النظر عن مآل التطورات المتسارعة المسجلة ميدانياً في المنطقة، سواء تعلق الأمر بتلك المرتبطة بآفاق التنسيق العسكري والأمني ما بين المغرب وموريتانيا لتأمين معبر الكركرات، أو بالأخبار الرائجة مؤخراً حول إمكانية افتتاح معبر حدودي جديد لتنظيم حركة مرور الأشخاص والبضائع بشرق إقليم الصحراء الغربية بمنطقة آمكالا، فإن هذه التطورات ستعمق حالة اختلال ميزان القوة في ما بين طرفي النزاع الصحراوي، وتفتح المجال أمام احتمالات إمكانية حسم النزاع وإنهائه، حيث يراكم أحد الأطراف العديد من المكتسبات الميدانية والسياسية، سواء تعلق الأمر بعمليات تمديد الجدارات الدفاعية التي أمَّن من خلالها المغرب مواقع استراتيجية هامة في الكركرات جنوباً والتويزكي شمالاً، أو بالمكاسب الدبلوماسية التي حققها طوال السنتين الأخيرتين، منذ بدأ مسلسل فتح القنصليات الأجنبية في مدينتي العيون والداخلة وليس انتهاء عند الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية التي تكرس الاعتراف الضمني لمجموعة من القوى الدولية بإدارته وسيادته على الإقليم، سواء تعلق الأمر بتفاهمات حول استغلال ثروات الإقليم الطبيعية أو بالتنسيق الأمين حول مجموعة من القضايا والملفات، والتي تشمل الإقليم المتنازع عليه أيضاً، من قبيل مواضيع اتفاقيات الصيد البحري، ومكافحة الهجرة السرية والتصدي للجماعات الإرهابية.
وفيما لا يزال أداء البوليساريو متراجعاً على المستويين العسكري والسياسي، حيث تفقد المزيد من أوراقها الاستراتيجية، وفي مقدمتها ورقتا التهديد بغلق معبر الكركرات وإعلان الحرب، بالرغم من الخطوتين التصعيديتين اللتين أقدمت عليهما منذ أشهر، ومسارعتها إلى إعلان الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل إصدارها لعشرات البيانات الرسمية حول عمليات قصف مزعومة على عديد من المواقع العسكرية المغربية. لم تنجح الجبهة في إعادة ملف النزاع إلى الواجهة، حيث يستمر تجاهل الهيئات الدولية للتطورات المسجلة ميدانياً في الإقليم، كما يستمر شغور منصب المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي المكلف بالصحراء الغربية، ويرفض المغرب العودة إلى طاولة المفاوضات في ظل استمرار وقع التصعيد والتوتر.
وأما المجتمع الدولي فيبرز تبنيه للمقاربات التنموية كمدخل لتجاوز حالة الركود والانسداد السياسيين في المنطقة، ويركز على المعالجات الواقعية والبراغماتية، في إطار الشراكات والتعاون الدولي، من خلال مجموعة من التفاهمات التي تبرمها هيئات وقوى وازنة حول مجموعة من الجونب التنموية بالصحراء الغربية، وهو ما يرجح كفة المغرب بحكم تأمينه لغالبية مساحة الإقليم، بما في ذلك ساحل الإقليم الغني بالثروات السمكية والمعادن بأكمله، كما يسير المعبر الحدودي البري الوحيد الذي يربط الإقليم بالخارج (الكركرات)، فضلاً عن الموانئ والمطارات، إلى جانب تدشينه لجملة من المشاريع الكبرى المتعلقة باستغلال المعادن والطاقات المتجددة، وإطلاق مشاريع تهيئة المجالات الحضرية.
ورغم كل المنجز التنموي الذي سيعززه المعبر الحدودي الجديد المرتقب تدشينه من طرف كل من المغرب وموريتانيا بآمكالا، فإن المقاربات الاجتماعية التي تعالج اهتمامات الساكنة، هي وحدها الكفيلة بتحقيق الأمن والاستقرار بالصحراء الغربية، وبالتالي الخروج من مسلسل التوتر والتصعيد في جواره الإقليمي، في غضون إنهاء النزاع عبر الوسائل السلمية، من خلال مقاربات واقعية وعقلانية، تستحضر مصالح جميع الأطراف وتضمن كافة حقوقهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.