لم تنفع الزيارات الـ18 التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بعبدا في حلحلة العقد الوزارية بين الطرفين، رئيس الجمهورية يصر على الثلث المعطل ويدّعي أنه لا يريده، والحريري ثابت على موقفه: تشكيلة من 18 وزيراً لا ثلث معطل لأحد فيها.
الزيارة كانت مفصلية، فهي أتت بعد نهاية أسبوع كانت حافلة بالرسائل السياسية بين أطراف التشكيل، السيد نصر الله أعاد الأمور إلى مربعها الأول بخطابه الذي طالب فيه بحكومة لديها "أكتاف سياسية"، وتكون "تكنوسياسية"، وعون أرسل في طلب النائب وليد جنبلاط الذي أذعن للمتغيرات الداخلية، وطالب بالتسوية.
في الوقت عينه كان نادي رؤساء الحكومات السابقين يرسل حملات دعم ومساندة للرئيس المكلف كي لا يتراجع، معتبرين أن طريقة تعاطي عون معه خروج عن الدستور والأعراف القانونية.
وظهر السبت زار الخليلان بيت الوسط، لتخفيف حدة خطاب السيد نصرالله الذي رأى فيه الحريري أنه يشكل بياناً انقلابياً على كل ما كان اتفق عليه من قبل.
وصباح الأحد جدد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي صرخته بوجوب تشكيل حكومة من اختصاصيين، وانتقد حزب الله من دون أن يسمّيه فقال "إنّ تأليف حكومة للبنان واللبنانيين فقط لا يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة. لكن إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة، وستؤدي إلى الفوضى، والفوضى لا ترحم أحداً بدءاً بمفتعليها".
صباح الإثنين أصدرت حركة أمل بياناً ردت فيه على حزب الله دون أن تسميه، وطالبت بحكومة مهمة من اختصاصيين تنفيذاً للمبادرة الفرنسية، وهي مطالبة تصب في خانة دعم موقف الحريري المتحرك تحت سقف المبادرة.
وبعد الظهر زار الحريري للمرة 18 بعبدا، اجتمع لدقائق معدودات مع عون، وخرج بعد ذلك ليقول: "مش ماشي الحال"، و"رئيس الحكومة ليس كاتباً لدى أحد"، بعد أن كشف أن رئيس الجمهورية أرسل له بالأمس ورقة ضمنها أسماء مرشحيه للوزارة طالباً من الحريري استكمالها.
ووفقاً للمعلومات، فإن الحريري وبعد تسلمه ورقة عون وعتبه على موقف جنبلاط واعتباره خطاب نصرالله بمثابة الانقلاب، أجرى اتصالات عربية وأجنبية، واضعاً أصحابها في جو التطورات الداخلية، فكان الجواب: "حكومة اختصاصيين تحت سقف المبادرة الفرنسية، ولا ثلث معطل"، شملت الاتصالات العاصمة الفرنسية، وروسيا والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا وبعض دوائر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض "الأصدقاء" في الرياض.
هذه الأجوبة مع بيان رؤساء الحكومة السابقين، وبيان حركة أمل، منحت الحريري قوة دفع إلى الأمام، فخرج ليسمي الأشياء بأسمائها وليكشف عن النهج التعطيلي الذي تسلكه بعبدا، والذي بات واضحاً للجميع أنها لا تريده في رئاسة الحكومة، كما أنها لا تريد حكومة من دون تسوية سياسية تحمل جبران باسيل رئيساً لها.
وما إن صرح الحريري من بعبدا حتى ارتفع سعر الدولار إلى ما يقارب 14500 ليرة لبنانية، مع مؤشرات لصعوده أكثر غداً وبعد غد، في ظل المماطلة في استحداث المنصة المخصصة للبنوك، والتي تم تأجيل الاجتماع لأجلها من قبل أعضاء المجلس المركزي إلى يوم الأربعاء القادم.
هذا التصعيد السياسي رأت فيه مصادر كثيرة أنه يعبر عن أزمة حكمة لا أزمة حكومة، رابطة بين ما جرى وبين حديث نصرالله الأخير عن تعديل الدستور أو بعض بنوده، ما يعني أن الأمور مقبلة على مزيد من السخونة السياسية التي قد تدخل البلاد في الفوضى الشاملة التي تهدد الكيان ما لم يكن هناك تسوية معينة لحماية لبنان الواحد، وتحصين الساحة الداخلية من حرب أهلية، بشر بها نصرالله في خطابه الأخير.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.