أسبوع عاصف وغريب مر على لبنان، تبدلات وتغيرات شهدتها اللعبة المحلية ورافقها مواقف دولية وإقليمية غير متوقعة، فيما يلوح في الأفق حديث انفجار الشارع ولائحة عقوبات أوروبية على شخصيات مقربة من قصر الباب العالي في بعبدا، معطوفاً عليها كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله والذي بدوره نعى حكومة الاختصاصيين ودعا لتشكيل حكومة "تكنوسياسية" في إطار البدع المستمرة والتي دأب عليها حزب الله منذ أن فرض نفسه كقوة أمر واقع في البلد، والذي يعاونه في ذلك حليف خرق الدستور والتعدي على الصلاحيات، أي جبران باسيل.
هذا في الشكل، لكن في مضمون، فإن اللحظات الأخيرة شهدت تحولات في الطروحات عقب خطاب نصرالله والذي فتح الباب على المجهول السياسي، وعليه فإن ميشال عون محاطاً بفرقة المستشارين، أطلق العنان لمطالب جديدة -قديمة أبلغها عون لحزب الله وأسمعها لوليد جنبلاط في لقائهما المفاجئ عصر السبت، مطالب الرئيس مفادها أنه لا تخلي عن الثلث المعطل في حكومة 18 وزيراً أي 6 +1، وفي حال وافق الحريري على حكومة من 20 وزيراً فعون يريد 8 وزراء 6 حصة المسيحيين ووزير الأرمن ووزير المعارضة الدرزية، هكذا يضمن ميشال عون فشل الحريري غداً في إعلان انتصاره ويدفعه دفعاً للاعتذار على قاعدة "أحرجه لعلي أخرجه".
لقاء عون – جنبلاط هل تراجع الأخير؟
عقب لقاء ميشال عون – وليد جنبلاط كان واضحاً أن ساكن بيت الوسط، أي الرئيس سعد الحريري، بات يستشعر انقلاباً يدبر في ليل جنبلاط في بعبدا دون التنسيق معه، فيما الحريري ينسق كل خطواته مع الرئيس نبيه بري وجنبلاط، فلماذا يصعد جنبلاط للقاء عون دون التشاور معه، وخاصة أن هذه الزيارة أتت بعد ساعات على خطاب نصرالله والذي حدد السقف ورفع اليد وأطلق رسائل بالجملة وصلت حدودها لقيادة الجيش، في المعلومات وحول زيارة جنبلاط المفاجئة للقصر، وبحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن النائب في كتلة التيار الوطني الحر فريد البستاني، والذي تربطه علاقة صداقة قديمة مع جنبلاط زاره صباح السبت في دارته في كليمنصو، وأبلغه تحية من عون. وأن الأخير يريد لقاءه ويوجه إليه دعوة ليزور قصر بعبدا. وقد رحب جنبلاط بالدعوة، وقال إنه لم يرفض يوماً دعوة أحد؛ لذا فإنه وعلى جناح السرعة رُتب الموعد وصعد الأخير إلى بعبدا والتقى عون، وبعدها خرج من الجلسة ليقول إنه مع أي تسوية تريح البلد، وهذا موقف أطلقه مراراً قبل أيام. وهو خلاصة لقاءات عقدها مع دبلوماسيين، وبات على قناعة أن البلاد مقبلة على انفجار كبير، ولا أحد مهتم بلبنان سوى الفرنسيين.
ووفق المصدر، فإن جنبلاط عندما قال إن موقفه هو التسوية، أرفقه بعبارة إن البعض سينزعج من هذه الكلمة، وهو كان يقصد الحريري، فهو يدرك أن الرئيس المكلف سيمتعض من هذا التصريح، وخاصة أن الرجل يخوض حرباً قاسية ضد عون وباسيل، فيما يرفض الحريري أي لقاء مع باسيل ويعتبره انكساراً، أكد جنبلاط ضرورة أن يقوم باتريك دوريل -مسؤول خلية لبنان في الإليزيه- برعاية أي لقاء بين الجانبين.
اتصالات مستمرة.. الحريري: لن أتراجع
يدرك جنبلاط أن لقاءه بعون بحاجة لتوضيحات، وخاصة لحليفيه بري والحريري؛ لذا فإن زعيم الاشتراكي أرسل موفدين وهما الوزيران السابقان غازي العريضي ووائل أبوفاعور إلى سعد الحريري ونبيه برّي.
ووفق المعلومات، فإن البحث أكد ضرورة التنسيق وعدم انقطاع التواصل لعدم حدوث أي إشكاليات مستقبلية، وخلال اللقاء أبدى الرئيس الحريري عتباً على وليد جنبلاط، لكن الجواب كان واضحاً: عون وجّه دعوة للقاء ولا يمكن رفضها. وأنت بالذات يا دولة الرئيس وجّه لك دعوة عبر الإعلام وقد لبيتها، وأنت قلت إنك تريد تخفيف الصدام في تصريحك من القصر. فلماذا يبقى وليد جنبلاط بحالة الصدام مع عون في هذه المرحلة الخطيرة؟
ووفق المعلومات، فإن جنبلاط يتحسس خطراً محدقاً بالواقع الأمني في الشارع ويريد من حركته أن تكون مدخلاً للتواصل مع كل الأطراف في حال وقعت الواقعة وانفجرت البلاد، وهذا ما أراد موفدا جنبلاط قوله للحريري، لكن وبحسب المعطيات، فإن النقاش بين العريضي وأبوفاعور والحريري انتهى بتأكيد الأخير على موقفه، وهي حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً لا ثلث لأحد فيها ولا رجعة عنها مهما كانت النتائج.
تبعات خطاب نصرالله.. سدود جديدة
كان خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله يحمل في طياته مواقف بخلفيات رسائل، فالحزب إياه كان في موسكو وسمع من القيادة الروسية موقفاً واضحاً: سحب الصواريخ الدقيقة باتجاه طهران ووقف العمليات العسكرية في سوريا، ووقف كل أشكال العرقلة للحكومة، لذا فإن الخطاب يعد رسالة بعدة اتجاهات لكن بهدف رئيسي أن حزب الله جاهز لانقلاب سياسي، بحجة أن حكومة الاختصاصيين ليست قادرة على معالجة الأزمة، وعليها أن تكون حكومة "تكنوسياسية"، يدرك نصرالله أن هذا الكلام سيفتح شهية جبران باسيل أكثر ويعزز شروط حليفه، لذا فإن نصرالله أوفد قبيل خطابه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، واجتمع برئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل يوم عصر الخميس، أي قبل خطاب نصر الله بساعات.
وخلال اللقاء، بحسب المعلومات المتوافرة، كرّر باسيل تمسّكه بموقفه الثابت من شكل الحكومة، مؤكّداً أنّه لن يتنازل للحريري ولن يتخلى عن مطالبه الثلث المعطل ووزارة الداخلية.
لا حكومة اليوم.. وخيارات أوروبية حاسمة
ووفق المعطيات، فإنه لا تشكيلة جديدة اليوم، فرئيس الجمهورية رفض خلال الجلسة الأخيرة أن يتسلم من الحريري تشكيلته القديمة والتي كان يحملها، وطلب منه أن يراجع خياراته، وأن يعود إليه، الإثنين، فيما لم يصدر عن الحريري أي موقف مما تضمنه خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله مساء يوم الخميس الماضي.
لكن ووفق المصادر المطلعة، فإن الحريري أبلغ رؤساء الحكومات السابقين عصر السبت أنه غير مطمئن إلى التحركات الجارية، وأنه يستشعر أن هناك انقلاباً على التفاهمات التي حصلت تحت سقف المبادرة الفرنسية، وأنه غير شاعر بايجابية في مسارات الأمور في المرحلة المقبلة، وأننا كنا في عقدة الثلث المعطل وزارة الداخلية، لكننا أصبحنا الآن بطروحات جديدة أبرزها حكومة سياسية مفتوحة أو الذهاب لتعديلات دستورية، لذا فإن رؤساء الحكومات السابقين أصدروا بيانهم الأخير والذي يهاجم عون ويؤكد على شروط الحريري القائمة على حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً فقط.
بالتوازي وخارجياً، فإن الإدارة الفرنسية تشعر بخيبة أمل كبيرة وهزيمة سياسية، وجهود ماكرون باتت في مهب الريح، لذا فإن ماكرون المهزوم لبنانياً ذاهب ومعه الأوروبيون لعقوبات شاملة في حال لم يتفق المسؤولون في بيروت على الحكومة المنتظرة، ووفق المعلومات، فإن الأوروبيين لم يعودوا متمسكين بشكل محدد للحكومة، وأنهم حاضرون للتوافق على حكومة يسميها الأحزاب، لكن بشكل سريع، لكن ووفق مصادر دبلوماسية لبنانية واسعة أن الوضع في لبنان أدرج، بطلب من وزارة الخارجية الفرنسية، على جدول أعمال مجلس الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي. الكلام الأوروبي واضح جداً؛ على اللبنانيين أن يختاروا مسودة بيان أوروبي، إما الترحيب بحكومة جديدة أو الذهاب نحو عقوبات قاسية.
هل يعتذر الحريري؟
لهذه اللحظة لا يبدو الحريري جاهزاً للاعتذار عن حكومة "المهمة" والتي جال العالم ليؤمن لها الدعم، فوفق الحريري فإن المنطقة تشهد تحولات كبرى، فالعرب يصالحون الأتراك ، القطريون يتحركون بين اليمن وسوريا، السعوديون قد يعدلون موقفهم من لبنان، والفرنسيون يدعمونهم وروسيا كذلك، لذا فإن خيار الاعتذار غير وارد في قاموسه، لكنه بات مقروناً باستقالة رئيس الجمهورية، التي تبدو حلماً مستحيلاً، فعون لا يتنازل، لكن وفي حال ضغط عليه وتنصل الجميع من مسؤولياتهم، فإنه سيتحول نحو المعارضة أو الاستقالة من البرلمان، ومعه رؤساء الحكومات السابقون ونواب السنة الآخرون كنهاد المشنوق، ما يعني فقدان المجلس النيابي لميثاقيته، واختلال التوازن، وهذا ما يرفضه حزب الله في الوقت الحالي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.