الأفلام تقدس القوة، والتاريخ يعتز بالأقوياء.. هل يمكن كسب القضايا والمواقف عن طريق الإكراه؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/18 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/18 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش

هو ذلك المرض الخطير الذي يقطع الظهور، ويلوي الأعناق، ويوقظ جينات ثقافة الطغيان في النفوس، ولا يترك مجالا للترفع، بل يغرق صاحبه في الابتذال، ومقارعة الأشخاص. هو المرض الذي يفتك بالمجتمعات، ويحولها إلى قطعان تعشق التناحر والاسترقاق. والإكراه يولد الكبر والتجبر، ويساهم في زيادة العنف والإرهاب. ويعمل الإكراه على تقديس منطق القوة، فتحل العضلات مكان الأفكار، وتبدل الأقلام مكان الرصاصات، ويركز الإكراه على توافه الأمور ويضخمها، وينشئ منها الحروب والصراعات، ولا تنفع حينها المبادرات والحوارات، بل تغلق كافة المنافذ، ويسود منطق الطغيان والبغضاء.

تقديس القوة

عندما انتشرت الأفلام المصرية التي تقدس القوة، ازداد عدد المنجذبين نحو هذا المنطق، واختفت لغة المناقشة عن الوعي الشبابي وحلت مكانها لغة الفرض والإكراه، حيث أصبح منطق الطغيان والاحتواء وسيلة تعبيرية عصرية يتنافس حولها الأفراد. ويلاحظ ذلك في التراث الذي يمجد الشخصيات المتجبرة وينعت المصادر الجدلية والمتأولة، فتنشأ مشكلة التغييب ويسود منطق الإقصاء. وكم رأينا تعبيرات تمجيدية لأشخاص في العالم العربي وهم في الأصل أسياد الإكراه والإقصاء.

إن الإكراه يساعد بنشر الصورة النمطية عن الإنسان الشرقي، حيث يتحاور بلسانه وعضلاته، ويركز على الشخصنة ويبتعد عن الفكرة، لأنه يسعى إلى فرض رؤيته وفق منطقه بعيدا عن أساليب الإقناع والترغيب. وليس ضروريا أن يقتنع الناس بفكرتك، ولكن لا تحاول فرض ذلك عن طريق الإكراه والتجبر.

إن القرآن لا يعترف بالإيمان الذي يأتي بالإكراه، ولا بالكفر الذي يأتي بالإكراه، فمن هنا كان من مبادئ الإسلام نفي الإكراه كليا: (لا إكراه في الدين). فتعامل الإنسان للإنسان يجب أن يتضمن وسائل الإقناع والبعد عن الإقصاء.

مشاكل لا تنتهي

إن هتلر ونابليون لم يوحدا أوروبا وإن فتحا أوروبا من روسيا إلى جنوب البحر الأبيض المتوسط، لقد وصل كلاهما إلى أقصى المناطق، بل تجاوز نابليون مصر إلى محاصرة مدن في فلسطين. ولكن ماذا كانت النهاية؟ هتلر مات منتحرا، ونابليون منفيا. والآن أوروبا متحدة ليس على أساس التسلط والقهر وإنما بالإقناع، ليربح الجميع ويعيشوا في سلام ووئام.

إن النفس الإنسانية ترفض الإكراه، والإنسان قادر على ذلك إلا إذا تنازل بإرادته وليس رغما عنه، وهذا ما يحتاج إلى تسليط الأضواء عليه. فأغلب مشاكلنا تنتج من الإكراه والبعد عن الاحتواء والاحترام، فهناك من يظن أنه مخلوق من صلصال فخار وغيره من مارج من نار. وحتى على مستوى المناقشات، يبتعد عنها مبدأ الاحترام ويفرض مبدأ الإكراه، فلا دائل ولا حجج تنفع. وكم تتواجد بيننا شخصيات تشرعن العنف والترهيب، وتبشر الآخر بالويل وسوء المصير.

والإنسان بعقله وليس بعضلاته، لأن بعض الحيوانات أقوى منه في هذه الناحية، ولذلك تسمى قوانين الحيوانات بشريعة الغاب، حيث يغيب المنطق والقانون ويسود العبث والظلام. أما الإنسان فهو يخاطب العقل والضمير، ويذعن لمنطق الحق والعدل وليس لمنطق القوة والتسلط.

لا استمرار ولا استقرار

ما يغيب عن ذهن الكثيرين، أن الإكراه لا يولد محبة ولا تقدير. فكم من أمة تفككت عندما ساد فيها منطق الإكراه والتمييز، فحلت الفوضى، وانهدمت أعمدة الاستقرار. والإكراه لا يستمر إلى الأبد، بل تتراكم المظالم حتى لحظة الانفجار، وهنا لا ينسى الناس ما تعرضوا له على يد المكره.

ولذلك يجب على الإنسان أن يقبل بالآخر، ويسعى جاهدا في سبيل التفاهم معه، ويحاول إقناعه بالتي هي أحسن، فلا يتنمر عليه ولا يسخر من معتقده أو طريقة تفكيره، ويبقي على خيوط الود والمحبة، فلا توجد مشكلة بلا حل، ولا أزمة بلا مدخل، فحاول جاهدا أن تنصر قضيتك بالإقناع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد كامل العمري
كاتب أردني
أردني الجنسية، المولود في مدينة "إربد" بتاريخ (٩/٤/١٩٩٥). حاصل على بكالوريوس في تخصص "العلوم المهنية" من "جامعة البلقاء التطبيقية" وحاصل على دورات في المجال الإنساني من "جمعية وقاص الخيرية".
تحميل المزيد