لم تُفِد الأردن كلّ دعاية الشهور الأولى لجائحة كورونا شيئاً، ونحن نعاين انهيار قطاعنا الصحي وتزايد أعداد الإصابات بالفيروس وأعداد الوفيات الناجمة عنه، خصوصاً في ظلّ استهلاك كلّ رصيدنا من (الإغلاقات) وعدم قدرة النّاس على تحمل إغلاقاتٍ طويلةٍ أخرى، كتلك الّتي قامت بها حكومة الليبرالي الرزاز قبل عام.
الطامّة الكبرى التي نعيشها اليوم تتضاعف بفعل المعالجة الحكومية والرسمية للأزمة، والّتي ترزح تحت عبء أخطاء المعالجة الأولى وما سبقها، حيث نحت النخبة الحاكمة صوب الحل الأمني، وحاولت ضرب عمق القوى المجتمعية والمدنية، مستغلةً فرض قانون الدفاع ومستثمرةً نجاحها الآني في التصدي للوباء. ولكن اليوم في لحظة الحقيقة، الّتي نعيشها تردٍّ للأحوال الاقتصادية وانهيارٍ للقطاع الصحي، لا يبد أن في جعبة السلطة الاحتكارية هذه أي حلولٍ تذكر!
شرارة مستشفى السلط
طلب "الكود" في المستشفى، يعني أنّ مريضاً ما قد توقف قلبه وبحاجةٍ للإنعاش، في فاجعة السلط تتالت طلبات الكود في لحظاتٍ، قبل أن يتمّ استدعاء الكوادر الطبية والتمريضية من مختلف الأقسام لقسم الكوفيد-19، ليتفاجأ الجميع بممرضةٍ في حالة ذهولٍ وارتجافٍ وهي تؤشر: هذا مات وهذا مات…
قد تكون حادثة انقطاع الأوكسجين عن مرضى قسم "كوفيد-19" في مستشفى السلط الجديد، هي القشة التي قصمت ظهر البعير الآيل للسقوط، بعد ترنحٍ طويلٍ تحت وقع ضربات الفيروس، الذي عرّى الدولة (منظومة الحكم وصنع القرار) في الأردن، خصوصاً في ظلّ تصاعد الأحداث الدراماتيكي، الذي حاول حتى الملك عبدالله الثاني احتواءه عبر زيارة موقع الكارثة. ولكنّ ما جرى في السلط يفوق انقطاع الأوكسجين لساعتين عن المرضى، في ظلّ تدهور أوضاع رعاية مرضى كوفيد-19 وغيرهم، بفعل الضغط على المستشفيات وقلة أعداد الكوادر وندرة أطباء الاختصاص، وهي أمورٌ حاول وزير الصحة المقال نذير عبيدات تداركها عبر حرمان بقية المرضى من تلقي العلاج في العيادات التابعة للمستشفيات الحكومية والجامعية، ولكن دون فوائد تذكر وإنّما بأضرار مضاعفة، فضحت سوء إدارة القطاع الصحي وضعف استعداده لتقديم العلاج والخدمة للمواطنين.
لا تتعلّق ردّة الفعل الشعبية الغاضبة والجارفة التي تلت الحادثة بتداعيات ما جرى في مستشفى السلط الجديد فحسب، بل تظهر ردة الفعل هذه مدى حنق الشعب على النخبة الحاكمة التي حبسته لعامٍ كاملٍ وما تزال، دونما أي قدرةٍ لديها على مواجهة تداعيات الأزمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، والأهم من كلّ ذلك على صعيد الحفاظ على صحة وحياة النّاس، بعد أن كانت هذه النخبة تزرع الوهم بين ظهراني النّاس وتستولي على معاشاتهم وتنازعهم في أرزاقهم بحجة التصدي للوباء، وإذا بنا في الدرك الأسفل بين دول العالم من حيث التّصدي له!
حصاد ما زرعتم
إيقاف نقابة المعلمين وحبس أعضاء مجلسها وعددٍ كبيرٍ من منتسبيها ومن المتعاطفين معهم، مع قمع تظاهرات المعلمين ومن يناصرهم، والعمل بجدٍ وبتحدّ "للفيروس" لإقامة الانتخابات النيابية، مع تعطيل عمل نقابة الأطباء "المعنية مباشرةً بمكافحة الوباء"، والسعي لإغلاق حزب الشراكة والإنقاذ "الوحيد الّذي لم يشارك في العرس الفيروسي الانتخابي"، وغيرها الكثير من الإجراءات التي أقدمت عليها النخبة المحتكرة للسلطة مستغلةً الجائحة، عبر قانون الدفاع وغيره من القوانين المناهضة للحريات والحقوق المدنية، كلّ هذه الإجراءات التي سعت عبرها النخبة لمزيدٍ من احتكار السلطة والادّعاء بتمثيل المجتمع بشكلٍ حصريٍ، كانت الشغل الشاغل لهذه النخبة وأعوانها من محدودي المعرفة والذكاء المطواعين والمتسلقين.
مع نسب بطالةٍ تقارب الـ25%، ومع عدم قدرة الدولة على معالجة التشوّهات الاقتصادية التي ضربت النّاس بفعل الإغلاق، والإجراءات الأخرى التي حدّت من دخول جلّ الطبقة المفقرة في البلاد، لا تحتاج النّاس اليوم لمبرراتٍ جديدةٍ للسخط على السلطة والاحتجاج من أجل تحسين أوضاعها المعيشية المتردية، وهنا تبدو حادثة السلط الشرارة المناسبة لاتّقاد الاحتجاج الشعبي، الذي امتد على اتساع محافظات الأردن، بالتزامن مع بدء حكومة "الموظف" الخصاونة في تشديد الإجراءات لمواجهة شراسة الموجة الثانية للوباء.
صحيحٌ أن لا تأطير وطني للاحتجاج، ولكنّ هذا الأمر لا يمنع من كون عوامل الانفجار الاجتماعي قائمةً ومتزايدةً كذلك، في ظلّ انعدام الحلول التي من الممكن للسلطة الفاسدة والمستبدّة أن تقدّمها، كيف وهي تحاول بدلاً عن ذلك عسكرة المجتمع والفضاء العام، غير مدركةٍ لحجم الغضب والحنق الشعبي، الذي يؤذن بانفجارٍ شعبي قادمٍ لا محالة، ولا يمكن تداركه سوى برضوخ السلطة لصوت العقل والبدء بالالتفات لواقع النّاس المتردي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.