من أكبر أنواع الأذى الذي يؤذي بِها الإنسان نفسه هو أذى الإفراط في المعاملات، في المشاعر، في العطاء، في الثقة، في الحُب، في التوقعات، في الأموال، في الأحلام أياً كان، مُعظم المصائب والأحزان قد تأتي للإنسان من إفراطه في الحياة مع الآخرين.
فعندما يتعلق الشخص مِنَّا بأحد وَيُحِبّهُ، يبذل لهُ كُلّ ما بداخلِهِ من مَشاعِر طيبة وأفعال حميدة، فقد يرصف لهُ الأرضَ بالحنانِ والعطاء الوفير، والرأفة والشفقة الزائدة، والإخلاص والصدق الداخلي، والارتباط والتعلق المُتشعب جذوره.
إلى أن أدمنا هذا الشخص، ولا يمكننا التخلي عنهُ غير عند الموت أو أكبر الصدمات المؤلمة منهُ، لشدة الارتباط والتعلُق بِهِ ودافعه الإفراط، وقد نُنهك وَنُحَمِّل أنفُسنا فوق طاقتها من أجلِه، ويؤذينا بالكلمات مرة وبالأفعال الأُخرى، ونتغافل ونتجاهل، ويكسرنا بالابتعاد لفترة وعدم رغبة الاقتراب والحديث بأكثر من فترة، ونلجأ إليه ونسأل عنهُ من شدة الحُب الذي بداخلِنا لهُ؛ فيتصنع بأعذار وحجج ليس لها وجود، وإننا لنعلم ذلك، ولكننا نتقبَّل الأعذار الواهية، وكأن لم يجر شيء.
فقد أصبحنا فريسة لهُ عندما يُريد الطعام منها يذهب؛ كي يأكل، وعندما يكتفي يَنْفِر ويبتعد، فيُلقيها إلى أن يشعر بالجوع مرة أخرى؛ ثم يعود إليها، وهكذا يتكرر السيناريو المؤلم في كُلِّ فترةٍ لدافع الإفراط في المشاعر، ومنح القيمة غير المُناسبة لهذا الشخص .
وقد نتعامل مع أحد الأشخاص فترة من الزمن، إلى تُصبح علاقة صداقة متوطدة مع مرّ الأيام والزمان، ثم نثق بعدها في هذا الشخص لدرجة كبيرة للغاية، فنبوح لهُ بجميع أسرارِنا، وَمُجْمَل أحزاننا، وأغلب أوجاعنا، والكثير من أحلامنا، فنتحدث معهُ بكُلّ هذا، بل وأكثر من الأسرار والأقوال قد يكون وصل الحديث معهُ عن أسوأ أفعالنا وأجل ذنوبنا، وإننا لم نتوقع، أو نفكر، أو نظُن للحظة أن هذا الشخص قد يُهدر ما كان بيننا من أسرار، أو أفعال، أو أقوال مهما ساءت الأمور، ولكن يأتي اليوم الذي تشتد فيهِ الخلافات، أو دون خلافات عند البعض، وتجد الأسرار خَرَجْت، والأقوال انتشرت، ونقاط الضعف قد تفشت، وأسوأ الأفعال نُقل، والعهُود تدنست، وكُل ذلك يعود للإفراط في الثقة، أو الثقة الزائدة.
لا سيَّما أن في العلاقات الزوجية عند بعض الأزواج في أولى مراحل الزواج يكونُ الحُب، والحنان، ولِين الكلمات متداولاً بينهم بكثرة، ثم بعد فترة من الزواج ينقُص هذا الحُب، وينحدر ألين الكلمات، وتستهل نقاط الاختلاف الصغيرة إلى أن يَقل لِين الكلمات شيئاً فشيئاً؛ حتى يصبح الإفراط في جفاف الكلمات مُفزعاً بينهما، فقد تفشى جفاف الأقوال في أرجاء حياتِهما، إلى أن قَلَّ الحُب، واقتصدَ الحنان، وامتنع العطاء، وأصبحت حياتهم شرسة، كُل شخص يرى أنَّه هو الفريسة الضحية والآخر المفترس المُجرم، بل وصارت حياة رتيبة بينهم مفروضة عليهما دون رغبة، مُلزمين بِها لوجود الأبناء، وما غير أن كُلّ واحدٍ مِنهُما يُسمم بَدن الآخر بجفاف الكلمات وأشنعها في اليوم أكثر من مرة، وقد يلتزم كُل منهُما بأداء مَهَامّه لا غير، فالرجل يسعى للمحافظة على الرزق واحتياجات الأولاد المادية، والمرأة تجتهد في مهام المنزل والأفعال اللازمة.
فقد أصبحت الحياة بينهما لا يسودها غير الخلاف والمشاكل والْهُمُوم والأحزان، وكُل ذلك يرجع للإفراط في قسوة القلب وجفاف الكلمات التي قد تكاثرت بينهما بدون إدراك.
وقد يفرط الإنسان في عطائِه مع الآخرين في الأشياء، إلى أن يستغل من جميع من حوله، ويصبح مخبأ لكُل مُستغل ومحتاج، وذلك لأنهُ أفرطَ في العطاء.
فلا تؤذ نفسك بإفراطك في الحياة؛ لأنك ستعود يوماً وتقول: يا ليت، ولكنك قد تكون أنهكْت روحك، وبددت جسدك بدافع إفراطك في الحياة، إنك لست أقل شأناً من أحد؛ كي تعطي ولا تأخذ، فمَنْ أَكْرمَ أُكرِم، ومَنْ امتنعَ اقتصد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.