حكاية ظهور كورونا في ليبيا إحدى الحكايات التي تشكل المشهد الكئيب للبلاد خلال العامين الماضيين؛ وعلى الرغم من انتشار الفيروس في ربوع العالم فإن لكل بلد حكايته مع هذا الوباء وربما أعطت تلك الحكاية عن مسار الوباء في كل بلد انطباعاً عن طبيعة الحياة ومدى الأهمية التي تعطيها السلطات الحاكمة في ذلك البلد لمواطنيها.
ليبيا البلد الكبير المساحة وغير المكتظ سكانياً والمتخم بالثروات الطبيعية والذي يمثل موقعه شمال القارة الإفريقية وجنوب المتوسط وبين الدول العربية المشارقية والمغاربية نقطة تميز هامة ومعبراً مهماً من الجنوب نحو الشمال ومن الغرب نحو الشرق، ولكنها قد تتحول في لحظات الضعف وأوقات الأزمات إلى نقطة جذب للمشكلات؛ فهي في الوقت الراهن معبر للمهاجرين بالملايين بما يحمله ذلك من تبعات جسام وما تحمله موجات الهجرة من آفات وإمكان تحولها إلى سبيل للتهريب والإرهاب والجريمة المنظمة وانتشار الأوبئة والأمراض وغير ذلك من أنواع الأزمات العابرة للحدود؛ هذه الدولة تحولت إلى دولة تمضي في طريق الدول الفاشلة وخذلت مواطنيها وتركتهم يواجهون قدرهم فرادى وكأنهم يعيشون في جزر معزولة لا تحكمها دولة وليس فيها سلطة تتفقد رعاياها.
الفيروس الفتاك دخل البلاد على حين غفلة من أهلها ولم يكتشفوا وجوده إلا بعد تمكنه من إزهاق روح مواطنة ليبية، 15 مارس/آذار 2020، فبادر بالهجوم واستبق كل ما يروجونه عن إجراءات احترازية وقائية للحيلولة دون ظهوره في ليبيا، واختلطت الحقائق بالأوهام والإجراءات الفعلية بالأمنيات الفارغة حتى استبقت الجائحة التوقعات ودخل كوفيد 19 إلى أجساد الليبيين قبل معرفتهم بأنهم يحملون هذا الفيروس في أجسادهم.
الوعي الحكومي والوعي المجتمعي لم يستفيقا من هول المفاجأة فور وفاة أول ليبية كشفت التحاليل البعدية أنها كانت بسبب كورونا، فقد تأخر الوعي المجتمعي كثيراً عن إدراك حجم الكارثة المقبلة، فلم يقبل البعض حقيقة أن هناك جائحة ووباء عالمياً ينتشر انتشار النار في الهشيم، وتقبل البعض الآخر الأمر على مضض دون إبداء أي استعداد للتجاوب مع التعليمات المتعلقة بطرق الوقاية وأساليب الاحتراز من الفيروس التي نجمت عن تجاوب السلطات الصحية غرب البلاد مع تطور الوضع الوبائي، غير أن انتشار هذا الوعي تأخر أكثر شرق وجنوب البلاد مع تسجيل لتأخر التعاطي الحكومي المتناسب مع حجم التهديد الذي مثله الفيروس شرق البلاد.
سوء الفهم
أظهرت الأرقام المنشورة ارتفاعاً في أعداد الإصابات في المدن التي زاد فيها عدد العينات التي يجري تحليلها يومياً في المختبرات المعتمدة؛ فيما ظلت الأعداد منخفضة في تلك المدن التي لم تجرَ فيها اختبارات للعينات بأعداد كبيرة، وهو ما ترك انطباعاً بأن مدن غرب البلاد تشهد انتشاراً أكبر للفيروس من تلك التي في الجنوب أو الشرق، وهو ما فاقم الوضع وزاد من تساهل الناس هناك، وجعل تجاهل الإجراءات الوقائية هو النمط السائد للحياة في الشرق والجنوب.
حقيقة الأمر
الأرقام المرتفعة التي تُسجل غرب البلاد وفي بعض مدن الجنوب هي الأقرب تمثيلاً للواقع، مع الأخذ في الاعتبار أن منظمة الصحة العالمية شككت في دقة تلك الأرقام وعدم تمثيلها للواقع، نظراً لقلة إجراء الاختبارات؛ وهو ما يدق ناقوس الخطر في المدن التي لا تزال تتحدث عن خلوها من الوباء مع ارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجائحة، والتي يرفض أهالي الموتى الاعتراف بأنها سبب وفاة أقاربهم.
وضع وبائي متفاقم
المشهد ملتبس، والوضع الوبائي متطور، والجهات المعنية بمكافحة الوباء تتحدث عن قرب وصول دفعات اللقاحات تباعاً لتطعيم الليبيين في عموم البلاد ضد الجائحة ابتداء من الأسبوع المقبل لتضع حداً لهذا الغموض الذي يلف المشهد، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في ليبيا يؤكد استمرار تفاقم الوضع الوبائي في الجنوب، داعياً إلى ضرورة الالتزام المستمر بالتدابير الاحترازية بوضع الكمامات وممارسة التباعد الاجتماعي؛ عقب وفاة طبيبة أطفال في مركز سبها الطبي جراء فيروس كورونا؛ وهو ما يؤكد تفاقم الوضع الوبائي جنوب البلاد حيث تغيب بشكل شبه كامل سلطات الحكومتين المتنازعتين في انتظار حكومة الوحدة الوطنية، ويستمر فقد المواطنين لأرواحهم شرق البلاد بسبب الجائحة وسط غياب جزئي للرعاية الطبية.
حكاية كئيبة من بين حكايات كثيرة يئن تحت وطأتها الوطن الحزين والمواطن المحبط يدفع ضريبة الانقسام المؤسساتي، ويعاني جراء فشل النخب السياسية والقادة العسكريين في تسوية خلافاتهم بالطرق السلمية؛ ولو حكم البلاد رجال يعتبرون أنفسهم أجراء عند الشعب لتغير الواقع وتحسنت الظروف، ولنهضت البلاد من كبوتها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.