حصلت عملية اختطاف وإعادة الشيخة لطيفة ابنة الشيخ محمد بن راشد إلى بلدها في سنة 2018 وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام، فلماذا ظهر الاهتمام البريطاني بهذا الموضوع في أيامنا هذه؟ ما الذي تغيَّر؟ بالنسبة لنا نحن كعرب نحيا في الخليج أو خارجه نأمل أن يستطيع حاكم إمارة دبي تسوية الأمور داخل أسرته بما يقطع الطريق على المتربصين ببلاده شراً، خصوصاً أولئك المتربصين من أهل الغرب الذين لا يحرصون لا على نسائهم و لا على بناتهم فلماذا يحاولون إيهامنا حرصهم على بناتنا؟! كيف لنا أن نفسر نخوة رئيس وزراء بريطانيا ومشاركة بعض موظفي الأمم المتحدة هذه النخوة بالتدخل على أعلى المستويات في موضوع عائلي بامتياز.
الذي تغير هو أن بريطانيا خرجت للتو من الاتحاد الأوروبي وبدأت تفتش في دفاتر إمبراطوريتها البائدة عن فرصتها في إعادة تموضعها على الساحة الدولية، وبما أن منطقة الخليج العربي كانت في نطاق هيمنتها التاريخية وجدتها اليوم تنسج علاقات مع إسرائيل بعد تطبيع العلاقات بين نتنياهو ومحمد بن زايد الذي يمارس دور الحاكم المطلق لكل الإمارات العربية المتحدة دون وجه حق، لأن الإمارات العربية بالحقيقة هي أشبه بدولة كونفدرالية، وهذا الشكل من الدول لا يحتمل الحكم المطلق.
ورغم ذلك يمارس حاكم أبوظبي هذا الدور باستضعافه الإمارات الأخرى التي تنضوي تحت علم دولة الإمارات المتحدة، لكن أضعف الإيمان أن عليه أن لا يتجاهل ما صدر عن سيدة فاضلة تنتمي للأسرة الحاكمة في إمارة مجاورة عبرت عن تذمرها من التطبيع التربوي مع إسرائيل وأن يعتبر أقوالها دعوة إلى صحوة ضمير قبل فوات الأوان، لأننا نرى في قضية الشيخة لطيفة عنواناً لخطوط حمراء بدأت ترسمها بريطانيا لحاكم أبوظبي عبر نافذة دبي للحد من جموحه الزائد في التطبيع مع إسرائيل، وهذا مؤشر على أن تضارب المصالح بين بريطانيا وإسرائيل الذي باتت ساحته دولة الإمارات سوف يهدد الاستقرار هناك بشكل متصاعد خصوصاً بعد أن باتت مسألة انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية عن ساحة الخليج مسألة وقت، وبات السؤال من سوف يرث دورها؟ سؤالاً ملحاً.
يضاف إلى ذلك أن امتناع إدارة الرئيس بايدن عن اتخاذ أي إجراءات بحق ولي العهد السعودي بعد نشرها تقرير مخابراتها حول اغتيال خاشقجي سيفتح شهية بريطانيا أيضاً لاستغلال هذه القضية بتقديم نفسها كراعية أولى للحريات وحقوق الإنسان في الخليج العربي لممارسة المزيد من الضغط على حكام تلك الدول، وما يؤكد ذلك تصريح وزير خارجية أمريكا الأخير الذي يجب فهمه ضمن سياقه الحقيقي، حيث إنه عبارة عن كلام حق يراد به باطل، فقد وعد بأن أمريكا ستغير سياستها بحيث إنها لن تتدخل عسكرياً لتغيير الأنظمة خصوصاً في الشرق الأوسط، وهو بذلك يعلن أنه في سلم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة إعادة إيران إلى الاتفاق النووي عبر الدبلوماسية وليس عبر الحل العسكري، وما يعني هذه الإدارة من العلاقة مع دول الخليج خصوصاً بالضبط هو بما لها من ارتباط بهذا الملف بالذات، أما العلاقات الأمريكية الخليجية في حد ذاتها فهي لا تحوز أولوية عند الإدارة الأمريكية حالياً.
وعلى الرغم من معارضة بعض دول الخليج للحل الدبلوماسي لهذا الملف تشاركهم إسرائيل هذه الرؤية.
يكون بهذا التصريح قد أبلغهم بشكل قاطع أن إدارة الرئيس بايدن قد تخلت عن سياسة سلفه ترامب التي أدت إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة وليس العكس، وتخلي هذه الإدارة عن تغطية السعودية في حربها على اليمن هو انتقام منها على فشلها في تحقيق أي نجاح هناك وليس بسبب حقوق الإنسان أو ما ارتكب من مجازر هناك. والجدير ذكره في هذا السياق أن الحرب هناك بدأت خلال حكم الرئيس أوباما سنة 2015 وبمشاركة منه بعد وعد الجبير له بنصر سريع فيها وما تريده أمريكا هو إشراك دول المنطقة- بما فيها إيران- في حوار إقليمي يضمن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وفي نهاية المطاف، إما أن تخضع تلك الدول لرغبات أمريكا أو تبقى أسيرة الرؤية الإسرائيلية وتدفع فاتورة تضارب المصالح ما بين الإنجليز واليهود.
أما حول العلاقة الأمريكية السعودية عندما يحين موعد البحث فيها يبدو أن هناك غيوماً كثيرة وصعوبات تنتظر ولي العهد لأن الرئيس بايدن بصدد تنفيذ وعوده والسبب في ذلك أن أمريكا في الداخل وبعد انتهاء ولاية ترامب باتت لا تستطيع التخلي عن المواءمة ما بين المصالح والقيم التي جعلت أمريكا حلماً، لذلك سوف لن يتساهل الرئيس بايدن مع السعودية في مسائل الحريات، وما يؤكد ذلك هو أن مبدأ كارتر الذي اعتمدته الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعد أزمة البترول سنة 1973 والذي ينص على أن "أيّ محاولة من قبل أيّ قوّة خارجيّة للسيطرة على منطقة الخليج، ستعتبر اعتداء على المصالح الحيويّة للولايات المتحدة الأمريكيّة. وسيتمّ صدّ مثل هذا الهجوم بأيّ وسيلة ضروريّة بما في ذلك القوّة العسكريّة". كان هذا المبدأ صحيحاً عندما كانت الولايات المتحدة
تستورد %29 من احتياجاتها النفطية من الخليج العربي، أما اليوم فالولايات المتحدة باتت تستورد نفطاً من المكسيك أكثر مما تستورده من دول الخليج، وبالتالي لم تعد أمريكا مستعدة للتغاضي عن سلوك حكام الخليج، خصوصاً أن هناك رأياً عاماً أمريكياً يتهم السعودية بأنها غرفة توليد الجماعات المتطرفة وتسمح للمشاعر المعادية لأمريكا بالنمو. وسوف تعمل الإدارة الجديدة على تقليل التوترات بين الخليج وإيران لتخفيف كلفة تواجدها العسكري المباشر في المنطقة لكن ستبقى وفية لوعود الرئيس أوباما لحكام الخليج حين التقاهم في منتجع كامب ديفيد قبل خروجه من البيت الأبيض بأن واشنطن ملتزمة بحماية المملكة ودول الخليج من التهديد الخارجي، أما التهديدات الداخلية فهي من مسؤولية قادة هذه الدول للتعامل معها، في إشارة مباشرة لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة. وعلى ما يبدو أن أمريكا بصدد تكليف بريطانيا بهذا الملف بعد رحيلها وليس إسرائيل.
أما بالنسبة لوضع ولي العهد السعودي فيبدو واضحاً أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا ترغب به ملكاً بعد والده لكنها لن تعمل على إزاحته لأنه بالفعل استطاع وبسرعة خاطفة إزاحة مزاحميه في الأسرة المالكة وترويض المؤسسة الدينية، لذلك جل ما تستطيع أن تفعله هذه الإدارة هو إعادة بعض التوازن إلى مراكز القوى في فروع العائلة المالكة بحيث تكون هناك مشاركة في الحكم.
وفي الوقت الذي ترسم خرائط النفوذ الجديدة نرى جيل الشباب من حكام بعض دول الخليج يعملون على تبديد الثروة وليس توليدها، يعملون على شراء لوحات الرسام دافنشي وقصور لويس الرابع عشر واليخوت والسيارات والحفلات الصاخبة ضاربين بعرض الحائط رغبة الرسول العربي الكريم بأن تكون جزيرة العرب مهد خير أمة أخرجت للناس.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.