السفير السابق عبد الله الأشعل يكتب: هل تفوّق شفيق على مرسي فعلاً كما تم إعلام السفير السعودي؟ ولماذا يكشف قطّان أسراراً ديبلوماسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/08 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/08 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش

أدلى الوزير أحمد القطان، الوزير في وزارة الخارجية السعودية، بتصريحات لإحدى القنوات الفضائية السعودية تتعلق بفترة عمله سفيراً في مصر لمدة 25 سنة.

أما مضمون هذه التصريحات فهو موجود بالكامل على القناة وعلى اليوتيوب، وقد لقيت اهتماماً واسعاً من  المصرييين وغيرهم، لأنها تتعلق بأسرار مرحلة وملفات مهمة للغاية. ولكن لوحظ أن السلطات الرسمية والإعلامية المصرية لم تعلق على هذه التصريحات، كما تجاهلها الإعلام المصري كليةً ولو بالإشارة، لدرجة أنني عندما علقت عليها على فيسبوك فور صدورها، لاحظت الصمت التام حيالها، وتوقعت أن تحظر النيابة العامة النشر في مثل هذه الموضوعات.

فقد تحدَّث القطان عن اتصالاته بالرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مرحلة حكم الإخوان المسلمين وقبل تعيينه وزيراً للدفاع عندما كان مديراً للمخابرات الحربية، وتحدَّث عن موقف المملكة من الإخوان المسلمين خارج السلطة وخلال توليهم السلطة، وكشف أن السفيرة الأمريكية "آن باترسون" ومصادر مصرية أخرى أبلغته- ولا ندري بأي صفة تم الإبلاغ إلا أن يكون الإبلاغ حلقة من حلقات المتابعة لبرنامج معين- أن المجلس العسكري هو الذي أعلن الدكتور محمد مرسي رئيساً فائزاً، على خلاف الحقيقة وهي أن الفريق شفيق كان هو الفائز. وهذا الموضوع قد أثاره البعض بالفعل عقب سقوط الإخوان، وبالفعل رُفعت دعوى قضائية لكنها رُفضت، لأن ذلك لو كان صحيحاً لأي سبب -وهو ما ينسجم مع ما نعرفه- لنال من سمعة المجلس العسكري الذي أشرف على الانتخابات ولاستدعى التحقيق وكشف ما لا يُراد كشفه، ولذلك كانت إفادة الوزير السعودي قنبلة في هذا الملف المعقد.

تناول القطان مساعدة السعودية في تغيير الحكم ودعمها المالي وجهودها في إقناع الدول الأوروبية بصواب هذا التغيير ونفي صفة الانقلاب العسكري عنه. تحدث كذلك عن ثورة يناير وعن جزيرتي تيران وصنافير وإن جانَبه الصواب في هذا الملف. 

سجَّلت بكتابي الصادر في أول يونيو/حزيران 2016، قبل أيام من صدور حكم محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة والمؤكِّد لحقِّ مصر في الجزر، وعنوان الكتاب "الحقائق والأساطير في مصرية تيران وصنافير". سجّلت 7 لقاءات مع مصادر إعلامية مصرية وخليجية، تقطع بأنهم لم يعلموا شيئاً عن هذه الجزر، وأن الحكومة المصرية هي التي سلَّمتهم ملف الجزر على أنها جزر سعودية دون أن تدري السعودية شيئاً!

أما حديثه عن أن الرئيس مبارك كان دائماً يروغ منه كلما فاتحه في الموضوع فهو غير صحيح، وأستطيع أن أقطع بشهادتي التي أدليت بها أمام المحكمة العليا في ديسمبر/كانون الأول 2016، قبل أن تصدر حكمها الدافع والباتّ في الموضوع.

وكشف قطان أن الدكتور مصطفى الفقي كان مقتنعاً بأن الجزر سعودية وأنه نصح السفير السعودي بمقاضاة مصر حتى تستردَّ السعودية هذه الجزر بالقضاء بعد أن راح مبارك ورفض ردّها رضاءً.

وكشف قطان عن مساندة الملك عبدالله شخصياً والوزير الأمير سعود الفيصل لمصر في الاتحاد الإفريقي، وكيف أن صفقات السلاح السعودي من الدول الأوروبية كانت أوراق ضغط عليهم للاعتراف بالنظام الجديد في مصر. واعترف قطان بأن مهمة تغيير رئيس منتخب في بلد كبير مثل مصر وعلى يد السعودية، مهمة عسيرة وخطيرة. وأشاد قطان بالرئيس السيسي في كل الملفات التي تناولها، وكشف أنه كان يتمتع بوضع خاص في التطورات كافةً التي أعقبت ثورة يناير. 

وقد قلل البعض من قيمة هذه التصريحات كما بالغ البعض في خطورتها، ولكن المحقَّق أن السفير السعودي السابق والوزير الحالي ليس حراً في الإدلاء بأسرار عمله السابق، خصوصاً في نظام يعتبر السفير تابعاً لجلالة الملك. كما يثير الموضوع عدة أسئلة تتعلق بالتفاصيل التي سردها ومن بينها الكشف عن أن الرئيس السيسي يفهم جيداً عواقب ومخاطر سد النهضة على مصر، ولم يتطرق السفير إلى مساهمة المستثمرين السعوديين والإماراتيين في تمويل السد الضار جداً بمصر، ولم يتطرق أيضاً إلى جهود السعودية في هذا الملف لصالح مصر أو ضدها.

كما أن التوقيت يثير تساؤلات أخرى حول طبيعة المرحلة التي تمر بها العلاقات المصرية السعودية وما نلاحظه من تحوُّل في موقف مصر من قطر وتركيا والأزمة الليبية. بصرف النظر عن التكهنات فإن الوزير السعودي كشف ووثّق ما كان مستوراً ومصروفاً بعضه على سبيل التخمين، ولكن المحقَّق أيضاً أن عمق العلاقات بين النظامين في مصر والسعودية وبين البلدين يجعل المراقِب حذِراً في التناول أو التكهن بأثر التصريحات على العلاقات الثنائية، خاصةً أن السعودية تتعرض لضغوط أمريكية مع تولي بايدن، خصوصاً في ملفات حقوق الإنسان وقضية خاشقجي. 

ولا بد أنَّ تطور الموقف الأمريكي بعد تسوية مشكلة الملف النووي الإيراني سيكون مؤثراً على مستقبل العلاقات المصرية السعودية التي تحصنت بالمصالح الاستراتيجية وكذلك الخاصة بالنظم الحاكمة أيضاً. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد الله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق
مساعد سابق لوزير خارجية مصر وسفيرها في عدد من الدول ومرشح سابق لرئاسة الجمهورية
تحميل المزيد