ما بين أشتهي هذا لكنني لن أجده وبين ما أتمناه لكنني لن أدركه..
تتوه الخطوات ويضيع الهدف وتقف على نفس الخط لا تتحرك قيد أنملة بسبب تخوفاتك المستقبلية أو توقعاتك التي قد تقذف بك من الطابق العاشر، لا لتكسر رقبتك فحسب، بل لتأتي على جميع ما تبقى من حياتك.
– صديقتي فائقة الجمال تزوجت من رجل يحبها من عائلة ذات حسب ونسب ولم يكملا حتى عامهما الأول حتى انفصلا بعد مشكلة مريرة عاشاها سوياً.
– ها هو صديقي الصدوق يتحدى راحة البال والحرية التي كان يهنأ بها ليدخل قفصاً ذهبياً يخنقه ويسيطر عليه وبعد قصة حب دامت طوال سنوات الجامعة كنا جميعاً نتغنى بها قررا أن ينفصلا بعد أن أنجبا طفلين.
– هذا الذي تقدم لخطبتي ثم عقد قراني عليه أراه رجلاً رومانسياً لا أملُّ من حديثه المرح الفاتن. لا تنتهي ضحكاتي معه ولا يزال يغازلني حتى أتخيل أنني أميرة في قصر بهيّ أنا سيدته ليس لي هم ليل نهار إلا الحب وسيرة الحب.
ما بين زواج يقتصر في معناه على الرومانسية وحسب وزواج لا يحمل سوى المشاكل والضجر تقف أنت حائراً لا تعلم أين تذهب! فتؤثر السلامة في النهاية وتنسحب من الحلبة رافعاً رايتك البيضاء مستسلماً لعزوبيتك متقبلاً لها متغنياً باسمها وجمالها وعذوبتها أو هكذا تقنع نفسك.
إذاً ماذا هناك؟ ما الذي يحدث؟
ما يحدث يا صديقي أنه قد تم التغرير بك والزج بعقلك وقلبك في لعبة ليست لعبتك، كمن تم الزج به في حلبة مصارعة ليصارع بطل العالم وهو لا يدري شيئاً عن فنون المصارعة، بل إنه ليس طرفاً من الأساس في هذا الصراع.
نعم لقد ضحكوا عليك وغرروا بك، دعنا نعترف بذلك حتى نكمل الطريق سوياً، ودعنا نعترف سوياً بأنك لست طرفاً في هذه الصراعات، لكنك أيضاً لست بضحية ولا تقنع نفسك بذلك لأنك ببساطة أقوى من أن تكون ردة فعل.
أنت يا صديقي الفعل بعينه، أنت من يتخذ القرار وأنت من بيده أن يرفض ويجعل عقله صاماً أذنيه وقلبه عن كل ما يسمع ويحاك لك دون أن تدري أنت ولا هُم، فلا أنت ضحية قصص الحب الواهية التي يغردون بها في ساحات الشاشات الصغيرة والكبيرة ولا أنت ضحية ما تسمع وترى كل يوم من مشكلات أصدقائك وأقاربك، كل له تجربته الخاصة يا صديقي..
أنت لست هو.. وهي ليست أنتِ، وكفى.
حسنا أين بداية الطريق؟
سأسرد لك بعض النقاط التي قد تساعدك لكي تعيش الواقع بدون تجمل وأن تحيا حياة الحب التي تتمناها بدون أحلام وردية.
في البداية لن أنكر عليك تخوفك ولن أطلب منك أن تلقي بتخوفاتك في عمق البحر، فقط اجمعها في صندوق وضعه في خزانة ملابسك وانتقِ منها كل يوم تخوفاً واحداً، ثم اسأل نفسك سؤالاً هاماً: لماذا تأتِني تلك الفكرة؟ هل هي من تجربة مررت بها سابقاً؟ هل من أحد الأصدقاء أو الأقارب؟
هل رأيت بأم عيني أبي وأمي وتجربتهما الزوجية التي انتهت بالانفصال؟ وهكذا حتى تنتهي منهم جميعاً.
حاول أن تتحرر من الفكرة السلبية التي تسيطر عليك بأن تبدلها بفكرة أخرى إيجابية وإليك هذه الأمثلة:
"جميع الرجال خائنون.. السيدات يحبون النكد مثل أعينهم ..الزواج مقبرة الحب".
هنا في هذه الأفكار نقوم بفكرة تسمى "التعميم " دون أن نشعر فنظلم أنفسنا قبل أن نظلم الآخر..
ما رأيك في البدائل التالية:
"هناك رجال مخلصون وهناك أيضاً من يخون.. الأنثى جميلة ورقيقة وقد تميل للبكاء بسبب شخصيتها التي ميزها الله عنك.. ما هنّ فيه بسبب أنهن يتحملن الكثير في حين أنهن يحتجن فقط إلى من يعلمهن معنى الزواج الحقيقي.. من المحتمل أن تكون التجربة مؤلمة لكننا إن قمنا بها بشكل صحيح ستكون حتماً ممتعة بل مبهرة.. نحن جنس بشري لا ملائكي.. الحب نصنعه، بأيدينا نزرع بذوره.. نسقيها حتى تزدهر وتثمر ولن يتأتى ذلك إلا بالزواج".
ليس العيب يا صديقي أن يكون لديك تخوف من شيء ما، فالخوف مشاعر خُلقنا بها لتدفعنا للأمام ولتحركنا ولتحرضنا على النجاح والإنجاز وتخطي الخطر، لكن أن تتحول تلك المشاعر من محفز ومشجع إلى مثبط ومعطل فتلك هي المعضلة حقاً.
هذا بالنسبة للتخوفات فماذا عن توقعاتنا؟
هل نقذف بها في سلة المهملات أم ماذا؟ يحتاج ذلك يا عزيزي لأن تفهم ماهية الزواج؟ وأن تفهم ما معنى المسؤولية؟
أن تعلم أن شرارة الحب الأولى تختلف عن الحب الذي يكلل بالمودة والرحمة بعد الزواج وهو مفهوم أعم وأشمل من مفهوم الحب.
تحتاج أن تفهم ما هو الحب الحقيقي، هل هو الحب الذي نشاهده في الإعلام حقاً؟ أم هو حب مزيّن بالمسؤولية تجاه من تحب؟
توقعاتك في الزواج كفتاة أعلم أنك تحتاجين فيها إلى الحب ويدفعك ذلك تخيلك وفطرتك الغريزية التي وهبك الله إياها، لكن لكي يحدث ذلك يجب أن تعلمي في البداية ما هو الحب؟
وتوقعاتك أنك ستجد فتاة أحلامك التي ستشبعك من فيض حبها ليل نهار أقدره وأحترمه، لكن لا تنسَ أن الزواج أيضاً بيت وأطفال، زوجة ومسؤولية.
ولكي تصل إلى مبتغاك وتهبط على أرض الواقع غير مرتطم بالصخور وغير مبال بالقيل والقال أحضر ورقة وقلماً ودوّن التالي:
أولاً "الاحتياجات":
هل سألت نفسك يوماً ما هي احتياجاتك الحقيقية من الزواج؟ هل تعلم حقاً ماذا تحتاج أم أنك ستتزوج لأنها فقط سنة الحياة؟
هل تعلم حقاً ما هي أهم احتياجاتك؟ تحتاج للأمان، للاحتضان، للحب، للونس، للّمس، لعلاقة خاصة، للشريك، للصديق.
وما هي أولوياتك؟ رتب تلك الاحتياجات في شكل أولويات، الأهم فالمهم، ومن ثم ابحث عن الشريك الذي سيقوم بالتفاهم معك حول تلك الاحتياجات كما ستتفاهم أنت معه عن احتياجاته.
ثانياً "الأفكار":
ما هي أفكارك عن الحب والزواج والرجل والمرأة والحقوق والواجبات؟
ثالثاً "الخصائص التي تميز كل جنس":
هل تعلمين ما يميز عقل الرجل؟ هل تستطيعين أن تتعاملي مع رجل مرهق آت من عمله محمل بمشكلات لا حصر لها يريد فقط أن يجد وجهاً صبوحاً وحضناً دافئاً؟
هل تقدر أن تفهم كيف تفكر المرأة؟ هل تستطيع التفاهم معها في لحظات غضبها أو ضعفها؟ هل تعلم كيف تتصرف معها في أيام الحيض وفي حملها وبعد الولادة؟
إن لم تستطِع الإجابة عن هذه الأسئلة فالوقت معك
ما رأيك أن تتعلم؟ نعم أن تقرأ وتفهم جيداً وأن تستقرئ سيرة نبينا الكريم في تعامله مع زوجاته، وأن تستلهمي الحكمة والحب والصبر من سيرة أمهات المؤمنين وزوجات الصحابة، وأن تغترف من العلم حتى تقف على قدميك.
رابعاً "الحقوق والواجبات":
"قبل أن تسأل أين حقوقي راجع قائمة واجباتك"
ضع هذه القاعدة نصب عينيك قبل أن تقبل على الزواج وقم بتطبيقها في كل شيء، بداية من مرحلة الخطبة إلى اللامنتهى، فليس من المنطقي يا صديقي أن تظل في محيطك تنتظر أن يلبي لك شريكك كل احتياجاتك وأنت تمارس دور المشاهد ولا تقوم بأي محاولة بدعوى أن لديك حقوقاً.
هو كذلك له حقوق ويريد أن يشبعها بطريقته لا بطريقتك، ولو رجعنا إلى الشرع لاستقام الميزان مرة أخرى ولهنأت البيوت وسكنت القلوب.
يكفينا هذا لليوم. وأخيراً أهمس لك: "قبل أن تتزوج: تعلم.. تعلم.. تعلم".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.