الغلاء والوباء مصطلحان يلخصان الوضع الاستثنائي الراهن الذي تمر به إيران قبل 100 یوم على انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية. ولعل تفشي الجائحة وعدم القدرة على مجابهتها واحتوائها حتی الآن هو السبب الرئيسي لتقييد المؤتمرات الدعائية لمرشحي الانتخابات، واختصار حملات الدعاية على شبکة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وشبکة الإذاعة والتلفزيون، وفق قرار لجنة الانتخابات.
وبعد انتخاب جو بایدن کرئیس للولایات المتحدة الأمريكية، فتحت نافذة أمام التیار الإصلاحي في إيران، ليلمع فيها نجمه من جديد، حیث یعوّل التيار الإصلاحي علی سياسة تستند على المسار الدبلوماسي، مراهناً على مرونة الإدارة الأمريكية الجديدة في التفاوض حول الاتفاق النووي، وبالنتيجة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، ودمج البلاد في المجتمع الدولي بطريقة متوازنة وتدريجية.
کما اختصرت الحملات الدعائية على تطبيقات الهاتف المحمول والإذاعة والتلفزيون، فقد اقتصر الحراك الانتخابي على النخب الإصلاحية والمحافظين حتی الآن. إذ لم تظهر بعد مؤشرات واضحة من طرف مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، تشير إلى هوية الرئيس القادم أو مواصفاته ولا حتى انتمائه السياسي.
إذ يبدو أن تفاقم الأزمات الاقتصادية والصحية، قد جمّد التفکير في الانتخابات القادمة لدی الناخبين، وباتت المنشورات علی منصات التواصل الاجتماعي تتناول مواضيع متنوعة، لکن دون السياسة وأروقتها.
ماذا تعکس استطلاعات الرأي، وإلامَ تطمح السلطة؟
علی أرض الواقع فقد أبدى ثلثا المشاركين في استطلاعات رأي نظمتها وزارة الداخلية الإيرانية اعتزامهم المشارکة في الانتخابات القادمة، ولكن منذ ذلك الحين، أي قبل شهر من الآن، لم تنشر أي نتائج أخرى لاستطلاعات الرأي بشأن الاستحقاق الانتخابي.
لكن الظاهر هو أن المجتمع الذي کان ینخرط في العملية الانتخابية عاماً قبل موعدها، یبدو هذه المرة وقبل ما یقارب 3 أشهر فقط من أهم انتخابات للبلاد، يبدو غیر مکترث حتی الآن، ولا یثق بوجود من يحمل الهمّ عنه. أما الدولة فتتوقع نسبة مشارکة انتخابية نحو 50% في الانتخابات التي تضم انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجالس شوری البلديات.
تخفيف الأعباء الاقتصادية والصحية التي أنهکتها العقوبات الشاملة وتفشي الفساد بين بعض المسؤولين، وسوء الإدارة، وملحقات جائحة کورونا، هي الشواغل والنوازل التي تسيطر على فکر المجتمع الإيراني، حتی بدا غیر مهتم بالانتخابات.
أما التیارات السیاسیة ففي حالة تنافس سياسي على أصوات الناخبين، من خلال إطلاق وعود انتخابية وطرح حلول للمسائل والاحتياجات العامة للمجتمع.
التحالفات الانتخابية في إيران
التيار المحافظ ذو الأغلبية البرلمانية ینشط في الانتخابات المقبلة باسم "مجلس تحالف قوی الثورة الإسلامية"، لکنه لا یضم کل التوجهات الفکرية داخل دائرة المحافظين. وثمة إشارات عن تفوّق التيار المحافظ في الانتخابات القادمة، بعد غياب طال 8 سنوات، تركوا فيها الساحة لحکومة الرئيس حسن روحاني. لكن في ظل أدائه الاقتصادي الضعیف في العهد الثاني من حکمه، يصبح تفوق المحافظين في الانتخابات القادمة رهن اتفاق المحافظين علی مرشح واحد، وإلا فسيناريو انتخابات عام 2013 وخسارتهم أمام مرشح الإصلاحيين، الرئیس حسن روحاني، بانتظارهم.
أما نخب الإصلاحيين فقد باشروا تجهيزهم للسباق الرئاسي تحت عنوان "جبهة إيران الإصلاحية"، التي تضم العديد من الأحزاب، لکن ثمة حالة خوف تشوب تلك النخب حول عدم تزکية مرشحیهم من قبل مجلس صیانة الدستور، مستندين بذلك على الانتخابات البرلمانية عام 2019. إذ تم منع معظم الإصلاحيين من خوض التنافس بتهمة الفساد الاقتصادي والتوجهات المعادية للثورة، وهي التهم التي رفضها الإصلاحيون واعتبروها استبعاداً وإقصاءً لهم من إدارة البلاد.
أما العائق الثاني الذي يقف أمام استمرار سيطرة الإصلاحيين فهو الأداء المتواضع والخجول لحکومة روحاني، التي دعموها لفترتين متتالیتین، وأخفقت في تحقیق وعودها للشعب ولمناصري التیار، وأيضاً عدم نجاح الاتفاق النووي.
من المعلوم أن الاستحقاق الانتخابي القادم بالجمهورية الإسلامية يشكل مرحلة صعبة في المسار السياسي الإيراني. وذلك من حيث توقيت الانتخابات كونها اقترنت مع بداية بزوغ سياسة جديدة للولایات المتحدة تجاه البلاد، مختلفة عن سياسة دونالد ترامب وصهره.
لكن بين تحرکات الأطراف المتنافسة ودعوة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للمشارکة، وبين فضاء افتراضي وآخر حقيقي تظهر الفجوة الضخمة بين الساسة والشعب. ویبقی المشهد الانتخابي في إيران حبیس الغلاء والوباء والتهميش والعقوبات.
فهل يولّي الناخب الإيراني وجهه نحو صناديق الاقتراع لتقرير مصير البلاد، أم أن الواقع والمواقع يعكسان الیأس الذي تخشاه السلطات؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.