كيف تعمل اليوجا على تفريغ الطاقة السلبية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/04 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/04 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش

القلق الذي عانيتُ منه ممزوجاً بالضغط العصبي منذ مراهقتي ليس بالأمر الهين، خاصة حينما ينعكس على جسدك فيصيبك القولون العصبي والحساسية من أهون الأمور وحتى ارتفاع ضربات القلب، طوّفت على الأطباء الواحد تلو الآخر؛ أملاً في جوابٍ شافٍ، جرّبت أنظمة غذائية وأنماط حياة مختلفة ومتباينة الواحدة تلو الأخرى علّني أصل لشفاء لا يغادر سقماً.

الآن أحمد الله أن أوصلني لنقطة تفاهم مع جسدي، رضيتُ عن نفسي ورحمتها ورأفت بها فرأفت بي وانتهت معاناتي معها بفضل الله، من ضمن الأمور التي ساعدتني بشدة في التعامل مع القلق "اليوغا"، فقد بدأت معرفتي باليوغا منذ عدة سنوات، كانت معرفة عارضة تقتصر على الممارسة حيناً والاكتفاء بالمشاهدة أحايين أخرى، استمر الأمر على هذا الحال إلى أن هلّت جائحة كورونا بمحنها ومنحها؛ فأصبحت معها اليوغا جزءاً لا يتجزأ من روتيني اليومي، خاصة مع حالة القلق العام وزيادة قلقي الخاص معها، خوف من المرض والفقد وما سيحدث وما لن يحدث، مستقبل ضبابي يلف العالم بأسره ويلفني معه.

تفريغ الطاقة السلبية

أرى في اليوغا نظاماً لتفريغ الطاقات السلبية بشتى أنواعها، فنحن يتم شحننا بالطاقة السلبية طوال الوقت شئنا أم أبينا، شخص سخيف، موقف سيئ، إخفاق في دراسة أو عمل، إساءة في حق الذات أو الغير، وغيره الكثير، المهم أن النتيجة واحدة طاقة سلبية إذا لم تجد سبيلها للخروج ستفعل الأفاعيل بجسدك المسكين ومنه لحياتك كلها، الحل في اليوغا أو الرياضة أو الكتابة أو الرسم أو الغناء أو التأمل أو أي هواية تساعدك على إخراج ما بداخلك، بالإضافة طبعاً للعبادات والتقرب إلى الخالق بشتى الطرق، فهو المعين. المهم ألا تخلط في هذا الأمر فتتخذ من الأفلام أو الأغاني أو البرامج الكوميدية وسيلة لتخفيف الضغط، في هذه الحالة أنت تشحن نفسك، ولكنه شحن من نوع آخر.

عموماً، طرق تفريغ الطاقات السلبية تختلف فيما بينها، بعضها يحتاج لوقت وتدريب طويل حتى تستطيع التعبير عن نفسك بشكل كافٍ من خلاله، والآخر تكون الممارسة الحرة كافية لإخراج كل ما يعتمل بداخلك، عن نفسي جربت الملاكمة، ولكني فشلت فيها فشلاً ذريعاً، بسبب عدم ملاءمة قدراتي الجسدية لها، جرّبت الكتابة الحرة عبر ما يسمى "صفحات الصباح"، وكانت أكثر من مجدية، ووجدت نفسي في التعبير بالكتابة بوجه عام، أيضاً أحببت الرياضة الخفيفة و"اليوغا"، موضوعنا اليوم، بشكل كبير، اليوغا ميزتها الكبرى عن وسائل تفريغ الطاقة الأخرى أنها تجمع بين الرياضة والتأمل، وهو شيء فريد في ذاته، فبها يمكنك تخفيف كلا الضغطين البدني والذهني عن نفسك، كما أن لها عاملاً رئيسياً في التهدئة وضبط إيقاع التنفس والحركة.

تاريخ اليوغا

يتضح من كلامي أني محبة لليوغا وممارسة لها، لكن هدفي هنا هو تأطير فكرة اليوغا في أطرها السليمة، ومعرفة هويتها الحقيقية، وإعطاؤها قدرها لا أكثر ولا أقل، بعد رؤيتي للعديد من المبالغات بشأنها، البداية دائماً من اللفظ؛ فهو الدال الأول على جوهر الشيء، اليوغا تعني باللغة السنسكريتية -الهندية القديمة-: "التوحدية أو الوحدوية، وفيها يتم الإحساس بوحدة الكون والكائنات، وأنها جميعاً فروع للأصل وصورة مغايرة لقدرة الروح الأعلى، وقيل إنها توحيد للأجزاء المنفصلة من الذات"، نلاحظ في معناها وجود فكرة الإيمان بتناسخ الأرواح، أحد أهم مبادئ الديانة الهندوسية، تم ذكر اليوغا بشكل ضمني، وبعد ذلك بشكل صريح، في العديد من الأدبيات الهندوسية، ومنها البهاغافاد جيتا -أهم كتاب في الديانة الهندوسية- يعود تاريخه لعام 200 قبل الميلاد، هو عبارة عن ملحمة شعرية تتضمن وصايا حول ممارسة اليوغا، أما ما يستخدمه أغلب معلمي اليوغا حالياً كمرجع فهو سوترا باتانجالي، ويعود تاريخه إلى ما قبل عام 400م، يتألف من 196 قولاً مأثوراً يشرح أنواع اليوغا ومراحلها ودرجاتها، يتضح من كلامنا أن اليوغا هي صلاة الهندوس، لا يمكن إغفال هذا الأمر عند التعامل معها.

صنيعة الغرب

أما عن الإقبال على اليوغا فهو صنيعة العالم الغربي، منذ سبعينيات القرن الماضي، وبعد طغيان الحضارة المادية الاستهلاكية على الغرب صار الشرق ملجأهم للحصول على المدد الروحي، انتشرت رحلات الحج للهند تحت مسمى اكتشاف الذات، ومن أشهر من قام بها في شبابه ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل، انتشرت اليوغا كممارسة بشكل منفصل عن مغزاها الديني، وحتى عندما يؤخذ منها فهو من باب الأخلاق العامة، فاليوغا تدعو إلى: اللاعنف، والصدق، وعدم السرقة، والعفة، وعدم التملك، ومراعاة القواعد العامة مثل الطهارة والزهد، أشياء لا يمكن لأي اثنين يمتلكان الفطرة السليمة أن يختلفا عليها. وبما أننا نستقبل مددنا الثقافي من الغرب أخذنا معه اليوغا كأحد مظاهر الحياة الحديثة، ولكنها مجردة من أصلها الشرقي ومكتسبة الصورة الغربية.

بديل أم مكمل؟

اليوغا ليست بديلاً، هي تعطي راحة نفسية لممارسيها، خاصة العاكفين عليها، ولكنها راحة نفسية بلا أي مسؤولية، فضلاً عن المسؤوليات الإنسانية العامة، أما عن تعاليم دين أو التزامات محددة فلا، تلك التعاليم التي يتم اعتبارها في العديد من الأوساط حالياً شيئاً عفى عليه الزمن لا ينبغي الالتزام به؛ فصار المقياس الوحيد هو علاقة الناس ببعضهم البعض، وإذا كانت بصورة طيبة فهذا كافٍ، أما ترويج كونها شيئاً سامياً وخاصاً بالصفوة فهو أمر بشع، ظهرت نجمة شهيرة في أحد البرامج الحوارية الشهيرة التي تقدمه فنانة معتزلة، وأخذت تتحدث عن اليوغا ورحلتها إلى بالي، لتستكشف أسرارها وتسبر أغوارها، وكيف غيّرتها اليوغا وأكسبتها حياةً مثالية، تلك النجمة التي يعتبرها ملايين الفتيات نموذجاً لهن، ويتخذها أمثالهم من الشباب فتاة لأحلامهم، ماذا ننتظر بعد أن تروج هي وأمثالها لفكرة من هذا النوع؟

من هنا يمكننا اتخاذ اليوغا وسيلةً لتخفيف الضغط أو الإحماء قبل التمارين الرياضية، أو لتصفية الذهن، أو لضبط إيقاع الحركة وتهدئة النفس، وليس كبديل للعبادة، ولا يُغني الاجتهاد بها عن العبادات المفروضة، أو كونها الأَوْلى بأن توضع بعين الاعتبار.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
روان إدريس
مهندسة مصرية
تخرجت في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا قسم الهندسة المدنية عام ٢٠١٩، شاركت في العديد من الأنشطة والفعاليات العلمية والثقافية، منها: مؤتمر الـACI بالولايات المتحدة الأمريكية
تحميل المزيد