في عام 2017 خرج لاعب مانشستر يونايتد المعتزل والمدرب متوسط الجودة ضعيف النتائج، غاري نيفيل، خرج بتصريح ناري، "بيب غوارديولا عليه أن يغير طريقته، أعتقد أنه لم يفهم مدى صعوبة اللعب في دوري مختلف (يقصد الدوري الإنجليزي)، نعم، لقد كان في دوري آخر كمدرب، وأعتقد أنه فهم أنه ليس من السهل أن تكون مدرباً هنا، ليس سهلاً على الإطلاق، لا تعتقد كثيراً أنك جيد وأحسن من الآخرين".
لم يستمع غوارديولا لنصيحة غاري نيفيل مطلقاً، وأصر على طريقة لعبه ولم يغير أسلوبه للنجاح في البريميرليغ، واستطاع أن يقدم درساً عملياً لغاري نيفيل ومن على شاكلته من متوهمي خصوصية الدوري الإنجليزي وتفرّده الكروي عن باقي الدوريات العالمية على المستوى التكتيكي، وأبطل بنجاحاته المستمرة حتى يومنا هذا الكثير من المفاهيم المغلوطة والحقائق الكروية الزائفة والانطباعات الخادعة.
الأمر الذي يضفي حساً ملحمياً على قصة بيب غوارديولا هو أنه لم يعد لسكة الانتصارات هذا الموسم إلا بعد عودته لأسلوبه المعتاد وتطبيقه للطريقة التكتيكية التي هو شيخها. حدث ذلك بعد "ديربي مانشستر" الأخير. وهذا ما صرح به بيب قبل مباراة فريقه مانشستر سيتي مع شيفيلد يونايتد هذا الموسم.
ومن إنجازات بيب الأخيرة، توظيف واستخدام اللاعب الألماني من أصول تركية، إلكاي غندوغان لتعويض الراحل عن الفريق ديفيد سيلفا. وكان اختيارغواردويلا لغندوغان موفقاً للغاية، إذ تفاجأ الشارع الكروي العالمي بتأثير غندوغان الهجومي، الذي أصبح هداف الفريق في بطولة الدوري برصيد 11 هدفاً. ولنسب الفضل لأصحابه، فإن المدرب الكتالوني كان المدافع الأول والأشرس عن غندوغان في وجه انتقادات الصحافة والجماهير خلال السنوات الماضية، شارحاً ومبيناً إيثار غندوغان للفريق ككل على حساب نفسه. كما تم السخرية من بيب عندما صرح بأن إلكاي قادر على اللعب كمهاجم وهمي، وهو الدور الذي يؤديه ببراعة حالياً.
عملية إبداع وخلق من نوع فريد تلك التي قام بها مدرب "السيتيزنز" عندما قام بتحويل جواو كانسيلو من مجرد ظهير كلاسيكي إلى "لاعب شامل"، فهو تارة لاعب ارتكاز دفاعي في خط الوسط وتارة لاعب خط وسط بمهام هجومية، ولو لزم الأمر فكانسيلو جناح هجومي.. كانسيلو الذي رآه العالم في يوفنتوس مغاير تماماً لكانسيلو الذي يلعب في مانشستر سيتي حالياً.
لذا، لا يستطيع عقل فهم وتقبل الآراء السطحية التي تنسب نجاحات بيب غوارديولا لامتلاكه تشكيلة من اللاعبين الأقوياء والمتنوعين فردياً وتكتيكياً، إذ إن ذات التشكيلة كانت تتعثر وتتخبط في بداية الموسم، حتى إنهم خسروا بخماسية من ليستر سيتي على أرضية ملعبهم ولم يتحدث أحدهم عن جودة اللاعبين بل وجهت كل السهام نحو غوارديولا وطريقته. والمتابع الدقيق لفريق مانشستر سيتي سيلاحظ أن أحوال الفريق لم تنقلب إلا عندما عدّل بيب من أفكاره بعد مباراة الديربي أمام مانشستر يونايتد والتي انتهت بالتعادل السلبي بين الفريقين.
ويتواصل منحى الفريق التصاعدي، حتى وصل الحال إلى أن الفريق يلعب على الورق دون مهاجم صريح، ويغيب عنه كيفن دي بروين للإصابة، والفريق ما زال يحقق الانتصار تلو الانتصار بأداء مقنع وجمالي. أي متابع عن كثب لمانشستر سيتي ستلاحظ عينه أن اختراقات الفريق للخصوم تأتي من أنماط لعب مكررة، وبهيكل ثابت، وبالكثير من الجماعية، أي أن ما يحدث على أرض الملعب هو نتاج عمل للمنظومة بأكملها، وليس عرضاً ارتجالياً من اللاعبين. ومن المعروف عن بيب غوارديولا تقييده لحرية لاعبيه في الكثير من المواقف. باختصار، لا يمكن نسب التطور والتألق الشديد في أداء مانشستر سيتي للاعبين فقط دون إعطاء بيب غوارديولا حقه.
قبل شهر بالضبط، نشرت إحصائية "النقاط المتوقعة" أو ما يسمى في عالم التحليل معامل الـ XPTS أي جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بناءً على النقاط المتوقع أن يحصل عليها كل فريق. في ذلك الوقت، كان يتصدر مانشستر يونايتد الدوري بشكل "غير متوقع" على حساب مانشستر سيتي وفي رصيده 40 نقطة. في حين أن نقاطه المتوقعة هي 32 نقطة فقط. أي أن الشياطين الحمر حصلوا على 8 نقاط غير متوقعة، ومن الصعوبة بمكان استمرار الحصول على نقاط غير متوقعة بهذا المعدل الكبير. وبناءً على ذات الجدول، كان يستحق مانشستر سيتي التربع على عرش الصدارة منذ شهر ديسمبر الماضي. والآن، يتصدر مانشستر سيتي الدوري الإنجليزي بفارق 10 نقاط كاملة عن أقرب منافسيه. لكن الجانب الأجمل في تصدر "السيتيزنز" أنها صدارة عن جدارة، دون أي شوائب حول أفكار الفريق.
قبل ذلك، قال بيب غوارديولا: "سعادتي لا تتعلق بالفوز باللقب أو بخسارته، عندما خسرت الألقاب كنت سعيداً لأنني لم أخسر الأسلوب الذي أردت دائماً اللعب به، يوماً ما سأتولى قيادة فريق صغير لا يمكنه الفوز بالألقاب، لكنني أعدكم بأن الكرة ستكون معنا". تلك الكلمات ذكرتني بجملة للسير أليكس فيرغسون قال فيها: "الهوية أولاً ثم يأتي كل شيء".
وأنا أقول القيمة ليست في الفوز، بل في الفوز مع تطبيق المبادئ.
18 فوزاً متتالياً لبيب غوارديولا، مسيرة انتصارات خيالية لرجل تمسك بهويته وأبى أن يرتدي رداء غيره.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.