في خضم اهتمام المُحبين والعشاق بمناسبة (عيد الحب) وتبادلهم الورود والهدايا: بثت قناة "العربية" السعودية لقاءً حصرياً مع (رغد صدام حسين)، ابنة الرئيس العراقي السابق (صدام حسين)، بمقر إقامتها في عُمان، أثار اللقاء وصاحِبته لغطاً كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي قبل وأثناء وبعد بثه؛ بين مُستبشرٍ به ومستنكِرٍ له، ولا يخفى دور بعض وسائل الإعلام العربية في إثارة الرأي العام العربي عموماً وممارسة التضليل الإعلامي عبر إبراز شخصيات هامشية وطرح مواضيع استفزازية وإطلاق بالونات اختبار، لغرض إيصال رسائل سياسية وجس النبض الشعبي وتحريك الملفات في سبيل المساومة والضغط والابتزاز.
وبعيداً عن تحليل غرض اللقاء وتخمين الرسائل السياسية المخفية منه، نسلط الضوء على جانبٍ ظاهرٍ في شخصية (رغد)، يبدو أنه مخفيٌّ ومغيَّبٌ عنها، أو أنها ترغب في إخفائه عبر الالتحاف بجُبَّة أبيها من غير أن تدرك أنها تكشفه أكثر، ذلك لكونها (ابنة مُستبد) نالها من طبائع الاستبداد الحظ الكثير، لا تفرق كثيراً عن أبناء جيلها من سلالة الطغاة الذين ورثوا السلطة عن آبائهم وتفوقوا عليهم في الإجرام والظلم، أو تشردوا مثلها بعيداً عن نعيمهم وينشدون العودة إليه في كل لحظة.
(رغد) المشتقُّ اسمها من معنى العيش في رفاهية وترف والتنعم بالحياة والاستمتاع بها، لم تولد بعد انقلاب عام 1968 وفي فمها ملعقة من ذهبٍ فقط، بل وفي يدها أيضاً سوط سلطةٍ نُسج من جلود الخارجين عن طوع أبيها، عاشت حياة الطفولة "الطبيعية جداً " -كما تذكر في اللقاء- متنعمة بهواية الصيد وركوب الخيل والسباحة في دجلة بحماية الأمن الرئاسي، في الوقت الذي كان أبوها يمارس فيه هوايته باصطياد معارضيه ومطاردتهم وإغراقهم في "أحواض الآسيد"، وأنتج بفعل هوايته الاستبدادية هذه أمساخاً فقدت معنى المواطنة وحب الوطن، وتحولوا لوحوش ينهشون جسد العراق حرقاً وفساداً وانتقاماً مما أذاقهم "أبو رغد " غير آبهين بمستقبل العباد والبلاد!
(رغد) القاصر التي زوَّجها أبوها إجباراً وهي في الخامسة عشرة من عمرها بشخصٍ يكبرها بـ14 عاماً، ليضمن حامي سرّه وظهره، ثم طلَّقها بعد 10 سنين وهي في ريعان شبابها إجباراً بعد أن فقد ولاء صهره: كانت بعيدة -بالأحرى مُبعَدة- عن السياسة، لأنها عاشت "برغد" وسط رجال "عمالقة " يحمونها، ولكنها خاضت في وحل السياسة مُجبرة بعد تهجيرها من القصور التي عاشت فيها، من أجل فضح فساد وإجرام الطبقة الحاكمة الحالية التي جاء بها المحتل، ولم تسأل نفسها من جاء بأبيها للسلطة على ظهر دبابة الانقلاب وجعله متحكماً بخيرات العراق، يُنعم به على من يشاء ويحرمه من يشاء، ولم تفكر كيف لزوجها خريج الدراسة الابتدائية "حسين كامل" أن يرتقي المناصب السياسية ويترقى في الرتب العسكرية ويتحكم بكبار الجنرالات ويعدم من يخالفه منهم ولا يجرؤ أحد على مخالفته لكونه صهر صدام!
(رغد)، الواضحة هشاشة مستواها الفكري والحواري والتاريخي والسياسي لطول لبثها تحت سقف الاستبداد، لا تعلم تعريفاً معيناً (للحرية)، وترى أن العراقيين عكسها، ليس لهم ترف الاختيار بين الحرية والرخاء، فإما هذا وإما ذاك، لأن بلداً غنياً مثل العراق يستحق زعيماً مثل "صدام"، فلابد للعراقيين أن ينصاعوا له ويتنازلوا عن حريتهم في الاختيار والمساءلة والعيش بحرية الانتماء الفكري وإلا استحقوا السحق، (رغد) لا تفرق في تبريرها هذا عن تبرير أقرانها من أبناء المستبدين العرب المتسلطين على رقاب الناس والذين يرون أن البلاد لا تستقيم بمن سواهم، فإما هم وإما الطوفان والفوضى والخراب.
(رغد)، الطفلة المتنعمة بالترف، التي تحكي لنا في اللقاء كيف أنها كانت تشاهد نظرة أبيها "العطوف " في البيت وفي التلفاز وتتغزل بها، لم تدرك وجهه الآخر الذي ثبَّته على هرم السلطة وأزاح منافسيه قبل أعدائه، إلا بعد أن أعدم زوجها "الشهيد" في نظرها، وقتل معه أباه وأمه وشقيقاته وأطفالهم، وما زالت لا تغفر لأبيها ذلك حتى بعد موته، ويبدو أنها ما زالت عاجزة عن إدراك آثار الاستبداد على أبناء وطنها الذين كانوا يرفلون بـ"العز والكرامة" كما تتصور، ويبدو أنها مصدومة وفي حالة إنكار لجميع القصص التي سمعتها والمَشاهد التي شاهدتها عن حقبة أبيها وتعتبرها مؤامرة وتشويهاً لقيادة حكيمة!
(رغد)، التي تشبه أباها قلباً وقالباً وتتفاخر بجيناته التي تحملها وقدرتها على القيادة والإدارة رغم أنها باعترافها لم تجرؤ على مناقشته بأي قرار في حياته، ترى أن أباها ليس بعاشق للحروب ولا لسفك الدماء، وأن الناس كانوا مطمئنين ومرتاحين خلال فترة حكمه، لم تتحدث عن النتائج الكارثية التي سببتها قرارات أبيها في الحرب مع إيران وغزو الكويت والحصار الاقتصادي وتشبُّثه بالسلطة لحين إسقاط نظامه، وتُحمل المحتل الأمريكي ومن جاء بهم مسؤولية ما جرى خلال الأعوام الثمانية عشر الماضية، لا تملك (رغد) القدرة والشجاعة على الاعتذار والتبرؤ من المآسي والضحايا والخراب وأنهار الدماء التي سببتها قرارات "القائد الضرورة"، لأنها ترى نفسها في طبقة "أسياد العراق" الذين لهم الحق بفعل ما يشاؤون لعبيدهم، مواكبة لركب الاستبداد الحاكم في المنطقة.
وعكس والدها، لا تدرك (رغد) أن أقرانها من أبناء الطغاة العرب يستعملونها كورقة ابتزاز يبرزونها ويخفونها وقت ما شاءوا، وكما أسهم الآباء المستبدون بإحراق ورقة أبيها؛ لعدم رغبتهم في وجود عراق قوي ينافسهم، هل لها أن تدرك توقيت احتراق ورقتها ؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.