من يمتلك الحب يمتلئ بالقوة، والسعادة، والنجاح، وسيسعى لجمع كل الفضائل والكمالات، من يحب سيكون هناك لون ونكهة ورائحة مميزة لكل ما يقوم به، لأنه انبثقَ من قلبه الصادق.. ستعرف آثار العاشق ولمساته لأنها تضجّ بالجمال!
الحب من أسمى المعاني وأجمل المشاعر، لكن السؤال: كيف نحب، من نحب، ولماذا؟!
قد يقول قائل إنَّ الحب شعور يغمر الإنسان رغماً عنه، وعند هذه الحقيقة تضمحل كل الأسئلة، ومنها لماذا ومن وكيف، وأي استفهام أو تعجب آخر.
ربما ذلك، لكننا نريد أن نعرف الحب المتعقّل، الموجود في المكان الصحيح وللشخص الصحيح، نريد أن نتعلّم أصول وطريقة استحواذ هذا السر الغامض.
مهلاً، هل يمكننا أن نتعلم كيف نحب؟ هل نملك قلوبنا؟!
نعم، الله سخّر كل شيء لنا، حتى القلب الذي سمي قلباً لتقلّبه، قد تتغير مشاعرنا بكل بساطة، وتنقلب 180 درجة بسبب كلمة، أو خبر، أو معلومة، أو موقف، أو أي ردة فعل، أو كل ما يتعلق بالذي نحبه، فهناك عدة معايير ومقاييس تحدد قيمة وحجم الحب لأي شيء كان.
إذن ما هو أهم مقياس؟!
تعددت الآراء، وكل عالم ومتعلم أدلى بدلوه في هذا الموضوع، حسب نوع الحب والمعشوق، لنبدأ من خير الحب وأسماه وأوله ومنتهاه، الحب الإلهي الذي تتفرع بعده أشكال الحب صحيحها وخاطئها، ولنأخذ الجواب الشافي من المصدر الموثوق: يقول الحديث الشريف: "من عرف الله أحبه".
هنا يُختصر الكثير من الكلام، وهو وإن قصد الحب الإلهي لكننا نستطيع أن نوظف الحديث لحالات أخرى، لكي تتضح الصورة أكثر، وفي النهاية الله منزّه عن كل تشبيه.
عندما نطبّق هذه المقولة على أرض الواقع نجد أن المعرفة العقلية والتعلّق القلبي تربطهما علاقة قوية، كلما زادت معرفتنا بشيء وعرفنا عنه الجانب الجميل أو المظلم أحببناه أو كرهناه، انجذبنا له أو نفرنا منه.
كم من علاقات زوجية فشلت مع وجود الحب بسبب مقولة: لم أكن أعرفه أو أعرفها، كانت الصفات والطباع والتوقعات وغيرها غير واضحة وصريحة منذ البداية، فيُردّدون: لقد خُدعت، تغيّرت أقوال، أو أفعال. إذن كان هناك غموض، أو ستار، ما كان يجب أن يبقى مبهماً قبل الارتباط.
كم من تفكك أسري ونزاع بين الآباء والأمهات مع أبنائهم كان حاصلاً بسبب عدم الجلوس ومعرفة حاجات وتطلعات كل من الطرفين، كم نسمع كلمات من قبيل: لا أعرف ماذا يريد ابني، لماذا تصرَّفت هكذا ابنتي، لم أربِّها هكذا! أو من قِبل الأبناء: أبي لا يفهمني، أمي لا تشبهني، لذلك يفضل الأبناء رفقة الأصدقاء على آبائهم، وإن كانوا يحبون آباءهم!
كم من شخص دخل جامعةً أو تخصصاً ما واكتشف أنه لا يحبه، لماذا لا يحبه، لأنه لم يعرف عنه، ولم يسأل عليه، لذلك فإن بعض الدول المتقدمة تقدم مستشارين ومختصين لكل طالب يود الدخول إلى الجامعة، ويقدمون له المساعدة لاختيار ما يبرع فيه، ويقدم الفائدة عن طريقه، وليس فقط ما يحبه ويميل إليه.
وقِس ذلك على العمل والصداقة وغيرها الكثير، ومنها أيضاً أي موهبة أو مهارة، والتي ستُصنع بإتقان أكثر كلما زادت المعرفة عنها.
لكن قبل كل ذلك هناك ملاحظة مهمة نشهدها أحياناً في حياتنا اليومية، وهي أن الحب قد يسبق المعرفة، نحن هكذا فطرياً، نحب أشياء ونكره أخرى، من دون أسباب ومن دون سابق معرفة، أليس كذلك؟
وعودة إلى كلمات الحديث الشريف، لماذا لم يقل مثلاً: من أحب شيئاً عرفه أو سعى لمعرفته!
بالتأكيد، هناك مثل هذه الحالات، لكن هناك نقطة مهمة، وهي أن المعرفة إذا سبقت الحب تضمن الاستمرارية وإجادة الشيء، وهو مبدأ مهم جداً. وكذلك قوة الحب تكون أكبر إنْ كان يرافقها أو يسبقها المعرفة، لأن العقل في الغالب قواعده ثابتة، وليس كالقلب الذي قد يتغير منظاره.
كل هذا مع الأشياء المؤقتة، الناقصة، المفتقرة، فكيف في حب الله الكامل الخالد الغني، ومع سابق معرفة به عز وجل؟!
نحن لم ولن نعرف الله يوماً، فعقولنا قاصرة عن إدراك الله وصفاته وأفعاله، لذلك نحن لم نحب الله كما يجب، وكما يستحق جل جلاله!
لكن مع ذلك، ومع ما وصلنا من آثاره من العقل والكتب السماوية والأنبياء والأوصياء نقول فعلاً: من عرف الله أحبه.. من عرف كرم الله وحلمه وعظمته في خلقه للسماوات والأفلاك والأرض والحيوانات والبشر، من عجائب خلقه وروعة مخلوقاته وألطافه التي تغمرنا، كل هذا القليل والقليل من معرفته يؤدي إلى حبه، وعندما نحبه تستقيم حياتنا، وسيكون كل شيء نتعلق به في هذه الحياة رشحات من حبه الأوحد، وتحت ظل حبه الأزلي. فلنحب الله عن معرفة، حباً وشكراً، وليس طمعاً أو خوفاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.