في فبراير/شباط 2008، وبعد هروب حارس المرمى عصام الحضري من النادي الأهلي المصري لسيون السويسري دون إخباره لناديه، بعدما مضى في الخفاء لنادي سيون، بعدها حاول الأهلي القاهري تعويض عصام الحضري، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، صحيح أن مسيرة بطولات الأهلي لم تنقطع، لكن النادي صار يخسر الكثير من المباريات الحاسمة والنهائيات بسبب أخطاء ساذجة ومتكررة من حراسه. بدأت محاولات التعويض بأمير عبدالحميد مروراً بأحمد عادل عبدالمنعم ورمزي صالح، وانتهت بشريف إكرامي.
وبعد سنوات من الحيرة، تعاقد النادي الأهلي في صيف عام 2016 مع أحد ناشئي النادي السابقين، محمد الشناوي حارس مرمى نادي بتروجت وقتها. كان ذلك قراراً أشعل الاحتجاجات والغضب الجماهيري ضد مجلس إدارة النادي الأهلي وقتها، لأن محمد الشناوي لم يكن سوى حارس مرمى متوسط المستوى أو أقل من المتوسط. لك أن تتخيل أن شباكه مُنيت بأهداف أكثر من عدد المباريات التي خاضها في تجاربه مع أندية حرس الحدود وطلائع الجيش وبتروجت.
على سبيل المثال، من أصل 45 لقاء ارتدى فيها محمد الشناوي قميص فريق طلائع الجيش، حافظ على نظافة شباكه في 12 لقاء فقط. ومع بتروجت، حافظ على شباكه بيضاء في 28 لقاء فقط من أصل 88. ولأزيدك عزيزي القارئ من الشعر بيتاً، فإن الشناوي فشل في التصدي لـ17 ركلة جزاء من أصل 18 سُددت عليه مع بتروجت!
بالتأكيد الشناوي ليس السبب الوحيد في سوء إحصائياته، خصوصاً أنه كان يلعب في فرق "منتصف جدول". لكن الإحصائيات توضح حقيقة ومقدار التطور في مستواه مع النادي الأهلي، خصوصاً أنه كان يعاني من سلبيات ونقاط ضعف يستغلها الخصوم بشكل متكرر، سواء في تعامله مع الكرات الهوائية، أو توقيت خروجه من مرماه، كما كان في إخفاقه أحياناً في تشتيت الكرة بعيداً عن مناطق الخطورة.
خطوات الشناوي الأولى
في ولاية حسام البدري الأخيرة مع النادي ووقتما كان يعاني الفريق من أخطاء شريف إكرامي المتكررة، تم الدفع بمحمد الشناوي، وفي أول 6 مباريات له، اهتزت شباكه بـ6 أهداف، لتفتح النيران وتنزل السيوف على رقبة إدارة النادي الأهلي من جديد، لكن البدري وثق في الشناوي، أو اضطر للاعتماد عليه، لأنه كان أقل أخطاء من نظيره إكرامي.
مباراة تلو المباراة، بدأ يظهر الشناوي بمظهر جيد، خفف من حدة انتقادات الجماهير له، وبدأت ملاحظة مميزاته بالظهور، كطول ذراعيه، سرعة ردة فعله خصوصاً مع انفرادات الخصوم، تمركزه السليم داخل المرمى، فضلاً عن شخصيته القوية وهدوئه وثباته الانفعالي أمام الخصوم والانتقادات.
لكن عادت الانتقادات لتحاصره، ففي 2018، وتحديداً ضد فريق كمبالا سيتي الأوغندي في دور المجموعات لدوري أبطال إفريقيا، التي انتهت برباعية لصالح الأهلي، في حين استطاع كمبالا سيتي تسجيل 3 أهداف بـ3 أخطاء فردية من الشناوي، وكل هدف منها بسبب نقاط ضعفه القديمة!
السقوط الكبير
رحل البدري، ثم كانت النقطة الفاصلة الأولى في تاريخ الشناوي، مباراة صن داونز ضد الأهلي المصري، التي انتهت بخماسية نظيفة لصن داونز في مباراة من أسوأ مباريات الأهلي على مدار تاريخه والتي أطلق عليها "فضيحة صن داونز". استطاع خلالها لاعبو صن داونز أن يسددوا 19 تسديدة على الشناوي بسبب ضعف خط الوسط والدفاع، وسدد على الـ3 خشبات 13 تسديدة، صد الشناوي منها 8، ودخل مرماه 5 أهداف.
بعد تلك المباراة، كان من المتوقع أن تكون مسيرة بعض اللاعبين ومن ضمنهم الشناوي محل شك بالنسبة لإدارة الأهلي وجماهيره. لكن الشناوي كان له رد آخر.
كان متبقٍ من عمر الدوري المحلي آنذاك 10 مباريات، وأصر محمد الشناوي على أن يلعب أساسياً وأن يرد اعتباره. فلعب 9 من الـ10 مباريات، سُجل فيه هدفان فقط، مع تقديم مستويات مميزة ودون أخطاء. هذا كان رد الاعتبار الأول، ليثبت نفسه كحارس مصر الأول، بأداء مشرف في بطولة كأس الأمم الإفريقية في 2019.
نقطة التحول
من ثَم جاء مدرب الحراس البلجيكي "ميشيل يانكون"، ليبدأ التحول الجذري في مسيرة محمد الشناوي… وصل رينيه فايلر في سبتمبر/أيلول 2019، وكان أول شخص عُين في جهازه هو ميشيل يانكون مدرب الحراس البلجيكي، رغم أنه لم يحقق تاريخاً كبيراً في تجاربه السابقة، فأغلب مسيرته كانت في أحد الأندية المتوسطة في الدوري البلجيكي، واسمه شارلروا.
في بداية موسم 2019/2020، بداية عمل فايلر مع الأهلي، خرج الشناوي بشباك نظيفة في أول مباراتين، وبعد ذلك كرر الأمر مرة أخرى في المباراة الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة حتى العاشرة، ليستقبل هدفين فقط في أول 10 مباريات مع فايلر.
أما في دوري أبطال إفريقيا، فظهرت إشارة جديدة على عمل رينيه فايلر معه، بتطوره في تعامله مع الكرات الهوائية، أنقذ 6 عرضيات ضد النجم الساحلي، وإبعاده التسديدات التونسية عن مناطق الخطورة بنجاح.
من أول شوط لفايلر ويانكون مع الأهلي ظهرت مؤشرات تطور الشناوي، كانت المباراة ضد الزمالك، أرسل الشناوي كرة طولية تجاوزت خطوط الزمالك، ووصلت بدقة لحسين الشحات وتحولت تمريرته لانفراد بمرمى الزمالك وبعد ذلك هدف!
أداء الشناوي تصاعد، ورد الاعتبار الحقيقي كان ضد ذات الخصم الذي سجل في الأهلي 5 أهداف، صن داونز. يقول ميشيل يانكون في تصريح سابق له، إن الشناوي كان هادئاً قبل المباراة، لكنه كان يقوم بتكسير الزجاجات بينما يكلم نفسه وسمعته يقول لنفسه: "هثبت نفسي ضدهم بالذات، أنا واثق". في ذلك اللقاء حرم الشناوي صن داونز من 3 أهداف.
ميشيل يانكون هو مدرب حراس عصري، طور الشناوي في بناء اللعب وإرسال الكرات الطولية الدقيقة، كيف يمرر الكرة بهدوء لو قام الخصم بالضغط عليه، كيف يوجه مدافعيه بالقرب منه لإتاحة أكتر من زاوية تمرير؟ لذلك ارتفعت دقة التمرير الصحيح للشناوي في البطولة الإفريقية بوضوح، فامتلك دقة تمرير وصلت لـ92%، كما أرسل كرات طويلة ناجحة بنسبة 72% والرقم الأخير تحديداً يمكن وصفه بالمرعب.
في كأس العالم 2018 ظهر الشناوي بمظهر مشرف أمام العالم بحصوله على جائزة رجل المباراة ضد الأوروغواي في مباراة أوقف فيها كافاني وسواريز. وبالأمس القريب يظهر من جديد ضد بالميراس ويكون رجل المباراة ويهدي النادي الأهلي الميدالية البرونزية للمرة الثانية في تاريخه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.