بشر الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844-1900) عبر كتبه بقدوم "الإنسان الأعلى" في المستقبل.. هذا المتفوق على ذاته الذي يقود بإرادة القوة وأخلاق السادة، صاحب عقل حر لا يمتثل عادة لأوامر القيم المشتركة والعادات والتقاليد، لا حدود لطموحه وعشق الذات أهم فضائله. إنسان يصنع قوانين جديدة لتجاوز الإنسان العادي، تنطق الحقيقة من خلاله، يحدث تغييراً هائلاً لا بالهدم التام ولكن بالابتكار المرح القوي بصحبة رفاق مبدعين لا رعايا وتابعين.
تلك بعض من أفكار نيتشه حول مفهوم الإنسان الأعلى، الأسمى، المتفوق، الخارق -اختر ما شئت من وصف- لكن الأكيد أن الكثير من تلك السمات في تماسّ حالياً مع ما يفعله إيلون ماسك في العالم اليوم، فمسيرة الرجل فعلاً مثيرة، وتستحق النظر إليها من زوايا غير تقليدية.
من هو إيلون ماسك؟
في 28 يونيو القادم يتم إيلون ماسك عامه الخمسين، لكنه نصف قرن متنوع للغاية من حيث الميلاد في جنوب إفريقيا عام 1971 لأب جنوب إفريقي من أصول بريطانية "مهندس كهروميكانيا"، وأم كندية من أصول أمريكية "خبيرة تغذية". هنا تتغلب نزعة الإنسان المتفوق لماسك منذ البداية باختيار البيئة الأفضل لطموحه التى تمثل إرادة القوة وأخلاق السادة، حسب نيتشه. فيحصل ماسك على الجنسية الكندية عام 1989 والجنسية الأمريكية عام 2002، وبينهما يشكل عالمه من دراسة الفيزياء والاقتصاد والإنترنت، مروراً بأعماله العلمية الخاصة بأبحاث الفضاء والتجارية المتعلقة بالمدفوعات المالية على الإنترنت، وصولاً لبداية التوهج في 2003 بالمشاركة في تأسيس علامته التجارية الأشهر "تسلا موتورز".
"لقد أفصحت الحياة دائماً أن أتفوق على ذاتي".. هكذا قال نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، وهكذا يستمر إيلون ماسك في ترجمة القول إلى أفعال استثنائية تختصرها لغة الأرقام في حصر ثروة ماسك من 22 مليون دولار فقط عام 1999 بعد بيع حصته في شركة برمجة مواقع الإنترنت zip2 وصولاً إلى ثروة تجاوزت 200 ألف مليون دولار أو (203 مليارات دولار) مطلع فبراير 2021.
إذاً ضاعف ماسك ثروته بنحو 9090 مرة في 22 عاماً، ولكن المدهش أن ثروته في بداية العام الماضي 2020 كانت عند مستوى 27 مليار دولار فقط، هنا نترك لعامة المتابعين هواية الغوص العميق في عقد مقارنات غير منطقية بين ما حققه رجل واحد وما لا تستطيع دول بأكملها تحقيقه في عام واحد. ونعود بالتفكير في أطروحات نيتشه حول الإنسان الأعلى ونسأل: "أهذا هو إنسان المستقبل الخارق الذي أشرت إليه أيها الفيلسوف؟!".
أغلب الإجابات الواضحة حول ماسك يلخصها بعض من أعماله في السنوات الأخيرة الماضية من اهتمامه في 2015 بتأسيس شركة open AI لأبحاث التكنولوجيا العصبية تعمل على إنجاز التواصل بين العقل البشري والآلات عبر الذكاء الاصطناعي، مروراً بتأكيد نجاح إرسال صواريخ وأقمار شركته SpaceX للفضاء عام 2018 لدعم خدمات الإنترنت والاستعداد لاستعمار كوكب المريخ بحلول 2040. وصولاً لاهتمامه البالغ بالعملات المشفرة وعلى رأسها بيتكوين التي أعلنت شركة تسلا موتورز مؤخراً استثمار 1.5 مليار دولار فيها.
إذاً نحن أمام جزء من مشاهد مدهشة لإنسان غير عادي مبدع مبتكر ونافذ، يتجاوز المقاييس المألوفة ويفرض قوانينه الجديدة. ببضع حروف عبر حسابه على تويتر يحدث تغييراً هائلاً ويمنح ثروات خاطفة له وللآخرين، وربما حركة كل الأدوات المالية التي أشار إليها ماسك مغرداً منذ بداية 2021 دلائل حية على ذلك.
ختاماً.. يتفق كل من نيتشه وماسك في رؤى كثيرة بداية من الأنانية الواجبة للقوة العظمى التي تسيطر على إرادة العالم، فالولايات المتحدة أعظم قوة في التاريخ تمثل أخلاق السادة بديمقراطيتها، حسب تصريحات ماسك المتعصب جداً لأمريكيته، مروراً بتجاهل الاتنين للقيم الدينية واستبدالها بنظرية الإنسان الأسمى كممثل ومرجع للقيم العليا في الحياة، وكذلك نفى فكرة تعايش العلم والدين معاً، حسب ماسك، وصولاً لتأكيد حقيقة هامة مفادها أن كليهما سابق لأوانه ومبشّر بمستقبل مذهل في مجالات عديدة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.