أثارت زيارة أجراها الرئيس أردوغان الشهر الماضي لرئيس مجلس شورى حزب السعادة أوزهان أصيل تورك التكهنات حول إمكانية انتقال حزب السعادة من التحالف مع أحزاب المعارضة إلى تحالف الجمهور الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.
وقد جاءت الزيارة في الوقت الذي يسعى فيه أردوغان لتوسيع التحالف ليضم أحزاباً جديدة غير الحركة القومية وحزب الاتحاد الكبير حيث توجد تخوفات لدى أعضاء التحالف تؤكده استطلاعات الرأي الأخيرة بتراجع نسبة التأييد التحالف عن 50%.
بعد زيارة أردوغان انطلق نقاش جدي في أوساط حزب السعادة حول إمكانية التحالف مع حزب العدالة وفيما بدا أن هناك رافضين على رأسهم رئيس الحزب تمل كارامولا أوغلو إلا أن أغلبية الكوادر الذين يقدرون رأي أصيل تورك يميلون للتحالف مع حزب العدالة الذي يعتبر من نفس الخط المحافظ مقارنة بتحالف المعارضة.
وبعد هذا النقاش، أعلن رئيس حزب السعادة، الإثنين، انفتاح حزبه على التحالف مع حزب العدالة في حال قيام الأخير بتعديل ما سماه سياساته غير الصحيحة. كما أعلن كارامولا أوغلو عن استعداده لتلبية أي دعوة للقاء الرئيس.
من المعروف أن خلافاً حصل بين أصيل تورك وتمل كارامولا أوغلو في 2017 عندما قرر رئيس حزب السعادة دفع الحزب باتجاه التصويت ضد استفتاء النظام الرئاسي، بينما كان أصيل تورك مع تحول البلاد للنظام الرئاسي.
تبدو الأمور تسير باتجاه دخول حزب السعادة مع تحالف الجمهور، ولا تبدو هناك شروط صعبة أو تعجيزية، فقد حصل حزب السعادة على نائبين في البرلمان فقط بعد دخوله في تحالف المعارضة.
وحتى لو كانت هناك معارضة من رئيس الحزب الحالي فإنها لن تكون معارضة حاسمة؛ حيث يمكن لمؤتمر الحزب أن يعمل على تغيير رئيس الحزب في حال عارض قراراً استراتيجياً كهذا.
حاول كارامولا أوغلو التلميح إلى أن أردوغان قد يكون يسعى إلى التخفف من التحالف مع الحركة القومية، لكن لوحظ أن أردوغان قبل توجهه لزيارة أصيل تورك في 7 يناير/كانون الثاني 2021 قد قام بزيارة رئيس الحركة القومية دولت بهتشلي الذي أعلن عن تأييده لجهود أردوغان لتوسيع التحالف، مما يشير إلى احتمال تأمين موافقة بهتشلي على انضمام حزب السعادة لتحالف الجمهور.
ومن المهم أن نشير أيضاً إلى أن لقاء أردوغان المعلن مع أصيل تورك سبقه عدة لقاءات بين الطرفين، وكانت زيارة أردوغان بمثابة إعلان غير مباشر عن انضمام حزب السعادة للتحالف أو على الأقل وجود تفاهم أولي. وذلك بالرغم من أن أصيل تورك قد قال في برنامج تلفزيوني في 25 يناير/كانون الثاني: "سنقرر هذا قبل أسبوع واحد من الانتخابات، فهناك فريقان الآن، ومن خلال الاجتماع مع كليهما سنقرر أفضل طريق نسلكه نحو نجاح قضيتنا، وسنعلن ذلك في حينه".
وفي هذا السياق قام الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة قبر المرحوم أربكان بعد المشاركة في جنازة إحدى الأكاديميات التركيات في نفس المقبرة، مما جعل عدداً من المحللين الأتراك يقرأونها على أنها رسالة لأنصار حزب السعادة.
يحظى حزب السعادة بتأييد يصل من 1-2% حيث حصل الحزب على 1.4% في انتخابات 2018 وعلى 2.8% في الانتخابات البلدية، ويعتقد أنه حسن من وضعه أيضاً خلال السنتين الماضيتين. وقد كانت انتخابات البلدية الأخيرة في إسطنبول والتي فازت برئاستها المعارضة دليلاً على أهمية أصوات حزب السعادة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.
من الممكن أن يحصل حزب السعادة على عدد مقبول من النواب في البرلمان وبعض المزايا الأخرى في مقابل دعمها للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية. وسيعد سحب حزب السعادة من تحالف المعارضة إلى التحالف الحاكم إنجازاً لأردوغان، كما أنه ضرورة، لأن حزب السعادة حزب محافظ و"إسلامي" وإخراجه من صف المعارضة يحرم المعارضة من تصوير نفسها على أنها تمثل كافة أطياف الشارع التركي. ويفيد أردوغان في استخدام البعد الأيديولوجي لدى الناخب ضد المعارضة.
مع أن هناك بعض العوائق أمام تحالف السعادة مع العدالة والتنمية، منها الخلافات القديمة وتصور بعض كوادر السعادة أن حزب العدالة انشق عنهم عند تأسيسه، إلا أن هذه الأمور قد تلاشت حيث انتقل السعادة إلى مربع المعارضة، وبالتالي فإن تنقله أصبح أمراً مرناً.
فضلاً عن ذلك هناك مخاوف حقيقية من ابتلاع حزب العدالة لحزب السعادة، كما حصل مع حزب خاص الذي كان يرأسه نعمان كورتولموش والحزب الديمقراطي الذي كان يرأسه سليمان صويلو وزير الداخلية الحالي.
من جهة أخرى، هناك عائق آخر وهو رفض القيادة الحالية الممثلة في تمل كارامولا أوغلو وعدد من قيادات الحزب للنظام الرئاسي. وكما ذكرنا لا يبدو هذا عائقاً كبيراً.
أما الأمر الآخر فهو التنافس من بقية الأحزاب التي تحاول إنشاء تحالف جديد مثل حزب علي باباجان الذي يسعى إلى انشاء تحالف صغير مع حزب السعادة وربما مع أحزاب صغيرة أخرى يمكنه من التفاوض مع تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد لاحقاً. وقد كان لافتاً قيام علي باباجان بزيارة رئيس حزب السعادة تمل كارامولا أوغلو مؤخراً.
في حال تموضع السعادة مع حزب العدالة والتنمية سينعكس هذا على حسابات الأحزاب الأخرى، وقد تتغير معادلة اللعب والتفاوض بين بقية الأحزاب المعارضة وقد ينشأ تحالفان للمعارضة.
تتجه الأمور لتحالف السعادة مع العدالة بعد سنوات من عدم قدرة الأخير على جلب السعادة لتحالفه، ويبدو أن الأمور ليست صعبة، ويمكن أن يلبي حزب العدالة بعض مطالب حزب السعادة الأساسية، سواء من حيث عدد نواب البرلمان أو بعض الإصلاحات القانونية والاقتصادية، مثل ما برز عن موضوع اتفاقية إسطنبول، ومن المهم أن نشير إلى أنه لم تحسم الأمور بعد، لكن الاتجاه الأرجح هو مسار انضمام حزب السعادة لتحالف الجمهور.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.