رغم مرور أكثر من عام على انتهاء عرض مسلسل "صراع العروش" أو "Game Of Thrones"، فإن محبي هذا المسلسل مازالوا منقسمين لفريقين، أحدهما يقول إنه أروع مسلسل في التاريخ، والآخرون يرون أن كُتاب السيناريو أفسدوا ما كاد أن يكون أفضل مسلسل بالتاريخ!
هذا المقال ليس دفاعاً عن كُتاب المسلسل أو عن المسلسل نفسه، ولكنه محاولة لإبراز عدة نقاط قد تبدو غير واضحة.
صراع العروش الأخير
بدأت المشكلة عندما صدر الموسم الثامن والأخير من المسلسل، في 14 أبريل/نيسان 2019. ارتحلت "دينيريس تارغاريان" إلی الشمال بجيش كبير من "الدوثراكي" و"الأنساليد"، وبصحبة تنانينها الثلاثة، التي ستخسر اثنين منهم بسبب "الموتی الأحياء"، ومحاولات حصارها السلمي لـمدينة "كينجز لاندينج"، من حرب الليل الطويل، التي كادت تُنهي حياة الأحياء لولا تنفيذ "آريا ستارك" لنبوءة العرافة "مليساندرا"، التي تنبأت بفوز الأحياء بالحرب عن طريق "آريا"، وصولاً لحرب ملكة التنانين ضد لبؤة لانستر، يبدو الطريق طويلاً جداً، كل التغيرات التي طرأت علی "دينيريس" قبل الحرب وبعدها لم تكن بالصدفة، لم تكن إلا أقداراً مرسومة سلفاً لآل تارغاريان "أيغون" و"دينيريس".
حرب الليل الطويل
تبدأ الحرب بمبادرة قبائل "الدوثراكي" بالهجوم علی جيش ملك الليل، تلك المبادرة التي ستوضح مدی صعوبة الحرب، حينما لا يعود أي شخص من المهاجمين باستثناء "جورا مورمنت" وبعض المحاربين.
تبدأ الحرب التي لا تبدو متكافئة بين جيش لا يحصی ولا يفنی وبين محاربين أشداء يواجهون الموت وهم يعرفون أنه لا سبيل سوی الانتصار.
الجميع ينظر إلی السماء الملبدة بالرياح، والتنانين تتعثر ببعضها البعض بسبب الضباب، والحرب علی الأرض طاحنة وتزاد صعوبة.
يأتي دور السحر ليشعل الخندق، والعرافة لتُخبر "آريا" بدورها، لتُذكرها بأننا لا نقول لإله الموت إلا "ليس اليوم".
تنتهي الحرب الطويلة ويفقد كل محارب شخصاً عزيزاً عليه، تخسر "دينيريس" المخلص لها "جورا مورمنت"، يموت مدافعاً عنها، يخسر آل "ستارك" الرجل الذي تربی في بيتهم "ثيون"، يخسر "جون سنو" رفيقه في الحراسة "إيد"، وتخسر ابنة "تارغارين" أغلب جنودها من قبائل الدوثراكي والمطهرون، كما خسرت تنانينها علی يد ملك الليل في الجزء السابع. وتخسر ثقتها في أهل الشمال، وتخسر ثقتها في "جون سنو"، الذي ستعرف أنه ابن أخيها ووريث العرش الشرعي.
تتعدد خسائر "دينيريس تارغارين" في الموسم الثامن، تزداد جراحها وتتوالی خسائرها، تخسر تنيناً آخر بسبب كمين "يورن غريجوي"، تُؤسر مُساعدتها "ميساندي" وتُقتل أمام عينها هي وقائد جيشها "جراي وورم" الذي أحب ميساندي بإخلاص، تتعرض "دينيريس" للخيانة والتشكيك في سُلطتها، يشكك كل من حولها فيها بعدما يرون إمكانية "سنو" للوصول لحكم الممالك السبع.
حينما تحكمنا العاطفة
في الفصل الثامن تحديداً ظهر أغلب أبطال المسلسل، والمعروف عنهم أنهم الأكثر ذكاءً ودهاءً من غيرهم بصورة مخيبة لآمال الجماهير، ظهر "تيريون لانستر" وكأنه رجل أحمق، بينما "فاريس" المستشار المخلص دوماً تم كشف خيانته لملكته بسبب تفضيله "جون" عن المرأة المنيعة من النيران، بينما جون ظهر بين كل هؤلاء مشتتاً وزائغ العينين، لا إرادة حقيقية له، ولا قدرة علی السيطرة علی نيران "أم التنانين" التي ستحرق كل "كينغز لاندينج" لتحصل علی العرش الحديدي.
يأتي انتقام "دينيريس" للإشارة لعدة أشياء، أبرزها كان في السيطرة الكاملة علی المدينة التي سُلبت من أهلها في الماضي، للإشارة لسطوتها وقوتها هي وقدرتها علی إذلال أعدائها، للانتقام من "سيرسي"، التي أسرت وقتلت مساعدتها، وساهمت في قتل أحد تنانينها، يبدو جنون "دينيريس" أحد أبرز الأشياء الواقعية في المسلسل، كنتيجة لتراكمات عديدة مرت علی "محطمة الأغلال" التي آمن الجميع بجنونها، لمجرد أنها ابنة الملك المجنون، ولم يثق أحد برحمتها رغم أنها "محررة العبيد".
نهاية غير متوقعة
العرش المنشود الذي وصلت إليه "أم التنانين" التي بذلت من أجل الوصول إليه كل ما أفقدها ثقة من حولها، جعلها وجهاً لوجه مع "جون سنو"، وريث العرش الشرعي الزاهد فيه وفاءً بالعهد الذي قطعه لها سلفاً، جعله أمامها كعدو وكمنافس وليس كحبيب كما في السابق، وجعل الرجل في موقف معقد أمام الواجب فعله، بعدما شكّك الجميع في عقل ملكته التي كان يراها الأصلح للحكم.
تأتي النهاية مثالية فيما يتعلق بحكمة القرار أو بالتضحية والقيام بالواجب، بعدما يتم وضع "جون سنو" أو "أيغون تارغارين" في مواجهة الملكة مباشرة، إما أن يقتلها كي يحمي أبرياء العالم، وإما أن يتركها ليشاهد بعينيه المرأة التي أحبها وهي تتحول إلی طاغية لا مثيل لها.
يُكلل "سنو" ظاهرياً بالعار لقتل الملكة صاحبة العرش، بينما في باطن الجميع هم يمتنون له لأنه الوحيد الذي كان يجب أن يفعلها. مشاعر متضاربة بين الحب والكره والشفقة والتعاطف مع ملكة فعلت كل شيء كي تتفادی المذبحة، مشاعر متضاربة نحو "تيريون"، الذي نصح "سنو" بصدق لاتخاذ القرار الصحيح، لأن ملكته وصلت لأقصی مراحل الاضطراب بعدما رآها تحرق الأعداء الأبرياء دون أي تمييز، بعدما رأی أن الشمال لا يثق بملكة النيران، وأن حبيبته "سانسا ستارك" لا تری فيها إلا امرأة متوحشة مولعة بحب رؤية أعدائها يحترقون.
مشاهد عديدة حزينة في الموسم الثامن تحديداً، في كل لقطة وداع نهائي ونهاية قصة حب يجب عليها أن تنتهي بسبب لعبة العروش، فبين وداع من ماتوا في حرب الليل الطويل، ووداع "بريان" للأسد الذهبي "جايمي لانستر" وصولاً لوداع "سنو" لملكته، تتقاطع لحظات اللقاء مع لحظات الوداع، ويفارق كل بطل من أبطال المسلسل حبيبته لسببٍ أو لآخر، ويبدو الجزء الثامن كجزء جنائزي استقبل فيه الشمال الجنوبين، ليحاربوا الموت معاً، ثم انفصلوا بعد ذلك ليحاربوا بعضهم البعض، لينتهي المسلسل بموت من خسروا ووصول الرابحين إلی العرش دون بذل الكثير، أولئك هم من لعبوا اللعبة بقواعد متزنة أكثر عقلانية ممن لعبت بهم عواطفهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.